خبرُ الآحاد المنافي لحصَّةٍ أو مرتبةٍ من مراتب العصمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
سماحة الشيخ الجليل: إذا كان اعتقادنا بعصمتهم ثابتاً عقلًا وبتواتر النص، وهذه الروايات نصٌ في المعنى ودلالتها مطلقة في سعة العصمة والطهارة فلم تقيدها بشيء، بالتالي هل إخراج حصَّة منها يجب أنْ يثبت أيضًا بالتواتر، أي يجب أنْ يكون النصُّ متواترًا في سهو النبي أو نومه عن الصلاة وإلا فلا يُمكن قبولها؟ لأنَّ قبولها عبارة عن اعتقادٍ بسهوه بخبر آحاد؟
الجواب:
الحصَّة الثابتة بالخبر المتواتر الصريح:
إذا كانت الروايات المتواترة صريحةً ونصًّا في ثبوت هذه المرتبة أو تلك من العصمة فأيُّ خبرِ آحاد ظاهرٌ في نفيها فهو ساقطٌ عن الاعتبار حتى وإنْ كان صحيح السند، لأنَّه بذلك يكون مخالفًا للسنَّة القطعيَّة، والخبر المخالف للسنَّة القطعيَّة فاقدٌ للحجِّيَّة تمامًا كما هو الشأن في الخبر المعارض للكتاب المجيد.
ومنشأ ذلك هو أنَّ ما ثبت بالتواتر يكون مطابقًا للواقع فكلُّ ما ينفيه يكون كاذبًا جزمًا، إذ لا يُمكن أنْ يكون كلاهما مطابقًا للواقع، فأحدُهما كاذبٌ ومخالفٌ للواقع، وحيثُ لا يُمكن أنْ يكون مضمون الخبر المتواتر كاذبًا فالمتعيَّن هو كذبُ خبر الآحاد المنافي لصريح الخبر المتواتر، ومن المعلوم أنَّ الخبرَ الكاذب لا يكون حجَّةً.
وببيانٍ آخر: إنَّ المدلول المطابقي للخبر المتواتر هو ثبوت هذه المرتبة من العصمة والمدلول الالتزامي لهذا الخبر المتواتر هو كذب كلِّ خبرٍ ينفي هذه المرتبة.
والمدلول المطابقي لخبر الآحاد هو نفيُ هذه المرتبة من العصمة، والمدلول الالتزامي هو كذب كلِّ ما يُثبت هذه المرتبة من العصمة، فبين الخبرين إذن تكاذبٌ، فما يُثبته أحدهما ينفيه الآخر، وما ينفيه الآخر يثبته الأول، ولأنَّه لا يُمكن جعل الحجِّية للخبرين المتكاذبين فالمتعيِّن هو سقوط خبر الآحاد عن الحجيَّة لأنَّ الخبر المتواتر القطعي الصدور والدلالة يدلُّ على كذبه بالدلالة الالتزاميَّة.
فإذا نصَّ الخبر المتواتر على عصمة النبيَّ (ص) عن ارتكاب صغائر الذنوب فأيُّ خبرٍ آحاد يثبت صدور الذنبٍ الصغير من النبيِّ(ص) فهذا الخبر ساقطٌ عن الاعتبار والحجيَّة بالتقريب المذكور.
الحصَّة الثابتة بظواهر الخبر المتواتر:
وإذا كانت الروايات المتواترة ليست صريحةً في ثبوت هذه المرتبة من العصمة ولكنَّها ظاهرةٌ في ثبوتها بالإطلاق مثلًا أو العموم فهذه الروايات تكون حجَّة في ثبوت هذه المرتبة، فلو دلَّ خبرُ الآحاد الواجد لشرائط الحجِّية على نفي هذه المرتبة من العصمة فحينئذٍ يقعُ التعارض بين ظاهر الخبر المتواتر وبين ظاهر الخبر الآحاد الصحيح بحسب الفرض، ولا بدَّ من ترجيح أحدهما على الآخر أو البناء على سقوطهما معًا عن الحجِّيَّة، وذلك لاستحالة جعل الحجيَّة للخبرين المتكاذبين.
والصحيح في المقام هو البناء على الأخذ بظاهر الخبر المتواتر، وذلك لأنَّ حجيَّة خبر الآحاد الصحيح هو البناء والسيرة العقلائيَّة، ومن الواضح أنَّ السيرة العقلائية جارية على عدم الاعتداد بخبر الواحد المنافي لظاهر الأخبار المتواترة.
وبتعبيرٍ آخر: العقلاء لا يأخذون ولا يعتمدون الخبر الواحد المنافي لظاهر الأخبار المتواترة، وعليه فهو فاقدٌ للحجيَّة، إذ أنَّ حجيَّة خبر الواحد مبتنية على سيرة العقلاء، والعقلاء في مثل الفرض لا يعتمدون الخبر الواحد المنافي لظاهر الأخبار المتواترة.
وعليه فلو كان ظاهر الأخبار المتواترة هو عصمة النبيِّ (ص) عن السهو والغفلة فإنَّه لو ورد خبرٌ صحيحٌ ظاهرٌ في وقوع السهو من النبيِّ (ص) فإنَّ هذا الخبر يكون فاقدًا للحجِّيَّة، وذلك لمنافاته لظاهر الأخبار المتواترة، فلأنَّ العقلاء لا يعتدُّون بالخبر الواحد المنافي للأخبار المتواترة لذلك يكون هذا الخبر النافي لعصمة النبيِّ (ص) عن السهو فاقدًا لدليل الحجيَّة.
المرتبة المنفيَّة بالأخبار المتواترة الصريحة والظاهرة:
والنتيجة هي أنَّ المرتبة من العصمة الثابتة بإطلاق وعمومات الأخبار المتواترة لا يُمكن رفع اليد عنها بخبر الواحد، نعم لو تواترت الأخبار على نفي هذه المرتبة فحينئذٍ يتعيَّن رفع اليد عن هذه الإطلاقات، وذلك لأنَّ هذه المرتبة إنَّما ثبتت بحسب الفرض بالظهور، والظهور إنَّما يكون حجَّةً لولم تقم القرينة على عدم إرادته جدًّا، ومع قيام الخبر المتواتر على نفي هذه المرتبة يكون هذا الخبر المتواتر قرينةً على عدم الإرادة الجدِّيَّة لما تمَّ استظهاره بدوًا من الخبر المتواتر المثبت لتلك المرتبة من العصمة، هذا لو كان الخبر المتواتر النافي للعصمة صريحًا في نفيها، أما لو كان ظاهرًا في نفيها وليس صريحًا فكذلك لا يُمكن في مثل هذا الفرض الالتزام بظاهر الخبر المتواتر المُثبِت لهذه المرتبة وذلك لأنَّ الخبر النافي لتلك المرتبة وإنْ لم يكن قرينةً على عدم إرادة الإطلاق في الخبر المثبِت ولكنَّه صالحٌ للقرينيَّة أي أنَّه هادمٌ لظهور الخبر المتواتر في ثبوت تلك المرتبة من العصمة.
فلو ثبتتْ عصمةُ النبيِّ (ص) عن السهو والغفلة بظواهر الأخبار المتواتر كما لو ثبتتْ بالإطلاق أو العموم ودلَّت الأخبار المتواترة الصريحة على عدم عصمة النبيِّ (ص) عن السهو والغفلة فحينئذٍ تكون هذه الأخبار الصريحة قرينة على عدم الإرادة الجدِّيَّة لما هو مُستظهَر من الأخبار المثبتة للعصمة عن السهو، وكذلك لو دلَّت ظواهر الأخبار المتواترة على عدم العصمة من السهو فإنَّها وإنْ لم تكن قرينةً على نفي الظهورات المثبتة للعصمة عن السهو ولكنَّها صالحة للقرينيَّة فتكون هادمة لتلك الظهورات المثبتة للعصمة وإنْ لم تكن صالحة للنفي أي إنَّ مقتضى مجموع الأخبار المثبتة والنافية هو الإجمال لمجموع الأخبار في هذا المقدار فلا تصلح للنفي ولا الإثبات.
المرتبة الثابتة بالدليل العقليِّ القطعي:
وإذا كانت هذه المرتبة من العصمة أو تلك ثابتة بالدليل العقليِّ القطعي فكلُّ خبر منافٍ لما دلَّ عليه الدليل العقلي القطعي فهو ساقط عن الاعتبار فإما أنْ يؤول أو يطرح.
فلو قام الدليل العقليُّ القطعي على عصمة النبيِّ (ص) عن الذنوب الكبيرة وكان مقتضى بعض الأخبار هو صدور الذنب الكبير عن النبيِّ (ص) فإنَّ هذه الأخبار تكون ساقطة عن الاعتبار فإمَّا أنْ تُؤول إذا أمكن تأويلها أو تُطرح.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
16 / صفر / 1442ه
04 / 10 / 2020م