معنى قوله (ع): "فَلَكَ الحَمْدُ مُتَواتِرًا مُتَّسِقًا ومُتَوالِيًا مُسْتَوْسِقًا"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد في دعاء يوم الإثنين للإمام زين العابدين (ع): "فَلَكَ الحَمْدُ مُتَواتِرًا مُتَّسِقًا ومُتَوالِيًا مُسْتَوْسِقًا" فما هو المعنى اللغوي لكلمتي: "مُتَّسِقًا" و"مُسْتَوْسِقًا"(1)؟

 

الجواب:

الحمد بمعنى الثناء ويأتي بمعنى الشكر، والتواتر بمعنى التتابع، والاتِّساق يعني الانتظام، يقال اتَّسقت أحوالُه يعني انتظمت واستوت في مقابل من اضطربت أحوالُه وكانت متفاوتة. ويُستعمل الاتِّساق بمعنى التمام والاكتمال في مقابل النقص ولعلَّ من ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾(2) أي إذا اكتمل وبدا في صورة البدر.

 

والتوالي بمعنى التعاقب على نحو الاسترسال، فيكون الثاني في إثر الأول، والثالث في إثر الثاني، وهكذا يكون المتأخِّر في إثر المتقدِّم على أنْ لا يتخلل ما بينهما فاصل وانقطاع، فهذا هو معنى التوالي والموالاة.

 

وأمَّا قوله: "مُسْتَوْسِقًا" فيأتي بمعنى الانضمام والاجتماع، من الوسق وهو ضمُّ الشيء إلى الشيء يقال: استوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمَّت، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾(3) أي وما ضمَّ وجمع، فلأنَّ الكائنات الحيَّة من الطيور والسباع والبهائم والحِشار وغيرها تأوي في الليل إلى أوكارها ومواضعها ومرابضها وجحورها، فتأوي وتسكن بعد أن كانت منتشرة ومتفرِّقة في الأرض، فكأنَّ ظلمةَ الليل قد ساقتها إلى مساكنها وجمعتها وضمَّتها في مأواها أو يكون معنى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ أي وما ضمَّ واستوعب من جبال وسهولٍ وبحور بظلمته أو قل والليل وما جلَّل وغشَّى وستر بظلمته، فكأنَّ ظلمة الليل حين غشيَت هذه المساحات من الأرض قد جمعتها وضمَّتها في كنفها. ويُمكن أنْ يكون معنى قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ هو القسم بالليل وبما حمل في ظرفه من طوارقَ وأحداث من وَسَقَهُ يَسِقهُ بمعنى جَمَعَهُ وحَمَلَهُ، يقال وسقت الدابة أي حملت وأوسق دابَّته أي حمَّلها ووضع عليها الحمولة.

 

ومع اتِّضاح المدلول اللغويِّ لكلمتي "مُتَّسِقًا" و"مُسْتَوْسِقًا" -وهما من جذرٍ واحد "وسق"– يقترب من مدلول الفقرتين من الوضوح:

 

أمَّا الفقرة الأولى وهي قوله: "فَلَكَ الحَمْدُ مُتَواتِرًا مُتَّسِقًا" فالظاهر أنَّ المراد منها أنَّ له جلَّ وعلا على عباده حقَّ الثناء والشكر المترادِف والمتتابع على نحوٍ يكون متسقًا أي منتظمًا وبوتيرة واحدة فهو مستحقٌّ للثناء والشكر في كلِّ الأحوال رغم تباينها وتفاوتها، وفي كلِّ الظروف رغم اختلافها، فهو مستحقٌّ للثناء والشكر في الرخاء والشدَّة والقوَّة والضعف، والمرض والعافية، والغنى والفقر، واليُسر والعسر، وفي مقتبل العمر وأرذله، فرغم تباين الأحوال أو تفاوتها وعدم اتِّساقها فإنَّ على العباد أنْ يكون حمدهم لله تعالى وثناؤهم عليه واستشعارُ الامتنان والشكر له والرضا بتدبيره على وتيرةٍ ونسقٍ واحد، فلا يتفاوت الحمد والشكر بتفاوت الأحوال بل يتَّسق وينتظم في كيفيَّة مطَّردة، فلا يكون مصحوبًا بمشاعر الغبن عند ملاقاة المكروه، ويكون مفعمًا بالرضا عند ملاقاة المرغوب أو يكون مصحوبًا بالنشاط في مواطن النِعَم واليسار، ويؤتى به في مواطن البلاء أو العُسر على تثاقل وضجَر أو يكون قليلًا عند المصيبة وكثيرًا عند الرخاء.

 

إنَّ الله تعالى مستحِقٌّ على عباده الحمد والشكر المترادف والمتتابع، وأنْ يكون ذلك بوتيرةٍ وكيفيَّة واحدة في تمام الاحوال رغم تفاوتها أو تباينها، ذلك لأنَّ كلَّ ما يعرضُ العباد من أحوال فهي من نِعم اللهِ تعالى عليهم وإنْ اختلفتْ صورُها، وجهلوا مآلتها.

 

هذا هو المعنى -ظاهرًا- مِن قوله: "فَلَكَ الحَمْدُ مُتَواتِرًا مُتَّسِقًا".

 

وأمًا الفقرةُ الثانية وهي قوله: "ومُتَوالِيًا مُسْتَوْسِقًا" فهو أنَّ له تعالى الحمدَ موصولًا بعضُه ببعض، ومنضمًّا بعضُه إلى بعض لا يتخلَّلُه انقطاع ولا يكون بين آحاده تراخٍ فهو مستحِقٌّ للحمد في إثرِ الحمد، وهذا هو معنى قوله (ع) في الدعاء المأثور: "فكلَّما قلتُ لك الحمدُ وجبَ عليَّ لذلك أنْ أقولَ لك الحمَدُ"(4).

 

ويُمكن أنْ يكون المراد هو أنَّ الثناء وأسبابه مجتمعًا كلُّه لله تعالى، فالصفاتُ العليا والأسماءُ الحسنى مجتمعةً كلُّها لله تعالى، فهو الجامع لصفات الكمال والجلال والجمال ومستحقٌّ لها كلُّها، فيكون معنى ولك الحمد مستوسقا هو أنَّ لك الصفات العليا مجتمعة، فيكون مفاد الفقرة المذكورة قريبًا من مفاد قوله (ص): "والأَسْمَاءُ الْحُسْنَى كُلُّهَا لِلَّه"(5) وقوله (ع) في دعاء الافتتاح: "الحمدُ لله بجميع محامده كلها"(6).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / صفر / 1442هـ

14 / 10 / 2020م


1- من دعاء يوم الإثنين المأثور عن الإمام زين العابدين المصباح –الكفعمي- ص113، بحار الأنوار –المجلسي- ج87 / 177.

2- سورة الإنشقاق / 18.

3- سورة الإنشقاق / 17.

4- من مناجاة الشاكرين المأثور عن الإمام زين العابدين بحار الأنوار –المجلسي- ج91 / 146.

5- الكافي – الكليني- ج3 / 486.

6- إقبال الأعمال –السيد ابن طاووس- ج1 / 138.