بلالٌ كان من أجلَّاءِ الصحابة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سلام عليكم سماحة الشيخ

هل بايع بلالٌ مؤذنُ الرسول (ص) أميرَ المؤمنين (ع) أو امتنع؟

 

الجواب:

كان رجلًا صالحًا:

بلال بن رباح مؤذن الرسول (ص) لم يُدرك زمان الخلافة الظاهرة لأمير المؤمنين (ع) فقد تُوفي بالطاعون في الشام سنة ثمانية عشر للهجرة، وقيل سنة عشرين للهجرة(1)، نعم كان بلال (رضوان الله عليه) رجلًا صالحًا، وردت رواياتٌ عن أهل البيت (ع) في مدحه والثناء عليه، فمن ذلك ما أورده الشيخُ الطوسي في التهذيب بسندٍ معتبر سليمان بن جعفر عن أبيه قال: دخل رجلٌ من أهل الشام على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له: إنَّ أول مَن سبق إلى الجنَّة بلال قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّه أوَّل مَن أذَّن"(2).

 

امتنع بلال عن الأذان بعد وفاة الرسول (ص):

وورد من طُرق الفريقين أنَّه امتنع عن الأذان بعد وفاة الرسول الكريم (ص) وهاجرَ إلى الشام وبقي هناك إلى توفَّاه الله تعالى.

 

فمن ذلك صحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام)، أنَّه قال: "إنَّ بلالًا كان عبدًا صالحًا فقال: لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتُرك يومئذٍ حيَّ على خيرِ العمل"(3).

 

وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى قال: أخبرنا محمد بن عمر عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال: لما تُوفي رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) أذَّن بلال ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يُقبر فكان إذا قال: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله انتحب الناس في المسجد قال: فلما دُفن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال له أبو بكر: أذِّن فقال: إنْ كنتَ إنَّما أعتقتني لأنْ أكون معك فسبيلٌ ذلك، وإنْ كنت أعتقتني لله فخلِّني ومَن أعتقتني له، فقال ما أعتقتُك إلا لله قال: فإنِّي لا أُؤذن لاحدٍ بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: فذاك إليك، قال: فأقام حتى خرجت بعوثُ الشام فسارَ معهم حتى انتهى إليها"(4).

 

أذَّن بلال مرَّةً بعد الرسول (ص) استجابةً لفاطمة (ع):

وأورد الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه أنَّه أذَّن مرَّة واحدة بعد وفاة الرسول (ص) استجابة لرغبة السيدة فاطمة (ع) قال: وروي: أنَّه لما قُبض النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) امتنع بلال من الأذان، وقال لا أُؤذن لأحد بعد رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأن فاطمة (عليها السّلام) قالت ذات يومٍ إنِّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذِّن أبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأذان فبلغ ذلك بلالًا فأخذ في الأذان فلمَّا قال: اللَّهُ أكبر اللَّه أكبر ذكرت أباها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأيَّامه فلم تتمالك من البكاء، فلمَّا بلغ إلى قوله: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهقتْ فاطمةُ (عليها السّلام) شهقةً وسقطت لوجهها وغُشي عليها فقال الناس: لبلال أمسِكْ يا بلال فقد فارقت ابنةُ رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الدنيا وظنُّوا أنَّها قد ماتت فقطع أذانه ولم يتمه، فأفاقت فاطمةُ (عليها السّلام) وسألته أنْ يُتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيِّدة النسوان إنِّي أخشى عليك مما تُنزلينه بنفسك إذا سمعتِ صوتي بالأذان فأعفتْه عن ذلك"(5).

 

وذكر ابن الأثير في كتابه أُسد الغابة أنَّ بلالًا رأى النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في منامه وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك ان تزورنا فانتبه حزينا فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكى عنده ويتمرغ عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل يُقبِّلهما ويضمُّهما فقالا له: نشتهي أنْ تُؤذِّن في السحر فعلا سطح المسجد فلمَّا قال: الله أكبر الله أكبر ارتجَّت المدينة، فلمَّا قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله زادت رجَّتُها، فلما قال: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله خرج النساء من خدورهن، فما رُؤي يومٌ أكثر باكيًا وباكية من ذلك اليوم"(6).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / ربيع الأوّل / 1442هـ

21 / أكتوبر / 2020م


1- رجال الطوسي ص27. الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج7 / ص386 قال: قال توفي بلال بدمشق سنة عشرين ودفن عند باب الصغير في مقبرة دمشق وهو ابن بضع وستين سنة وفي طبقات خليفة بن خياط قال توفي سنة إحدى وعشرين في الشام ص50.

2- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج2 / ص284.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص417.

4- الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج3 / ص236.

5- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص297-298.

6- أسد الغابة ج1 / ص208.