﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ هل نزلت في ابن عباس!

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل صحَّ عن الامام زين العابدين (عليه السلام) أنَّ آية ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾(1) قد نزلت في عبد الله ابن عباس؟

 

الجواب:

أورد الشيخُ القمِّي في تفسيره عن الإمام زين العابدين (ع) أنَّ هذه الآية نزلت في عبد الله بن عباس وفي أبيه وكذلك أورد الرواية نفسها العياشي في تفسيره والكشي في اختيار معرفة الرجال(2) إلا أنَّ متن هذه الرواية ساقطٌ عن الاعتبار فلا يُعوَّل عليه، وذلك لمناقضته للروايات المستفيضة المُحرَز صدورُها في الجملة والدالَّة على جلالة قدر عبد الله بن عباس وعظيمِ شأنه عند أهل البيت (ع) والدالَّة على ملازمته لأمير المؤمنين (ع) وللإمامين الحسن والحسين (ع) من بعده واجتهاده في الدفاع عن حقِّ أمير المؤمنين (ع) وحقِّ أهل البيت (ع) أمام الخصوم.

 

وليست هذه الرواية الوحيدة التي وردت في قدحه، فقد وردت رواياتٌ عديدة في ذمِّه إلا أنَّها جميعًا ساقطة عن الاعتبار لذات السبب الذي ذكرناه، فإنَّ استفاضة الروايات الدالة عظيم منزلته وشديد إخلاصه لأهل البيت (ع) يسلبُ الوثوق، ويُوجب الارتياب في صدور الروايات القادحة، وهو ما يعني سقوطها عن الاعتبار.

 

ولذلك قال العلامة الحلِّي في الخلاصة: "عبد الله بن العباس، من أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كان مُحبًّا لعليٍّ (عليه السلام) وتلميذه، حالُه في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين (عليه السلام) أشهر مِن أنْ يخفى. وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمَّن قدحًا فيه، وهو اجلُّ من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي الله تعالي عنه"(3).

 

وقال ابنُ داود الحلِّي في رجاله: "عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) حالُه أعظمُ من أنْ يُشار إليه في الفضل والجلالة ومحبَّةِ أمير المؤمنين (عليه السلام) وانقيادِه إلى قوله"(4).

 

وقد استوجه السيِّد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال الحديث في ترجمة عبد الله بن عباس ما أفاده العلامة الحلِّي (رحمه اله) قال: والمتحصَّل ممَّا ذكرنا أنَّ عبد الله بن عباس كان جليلُ القدر، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام)، كما ذكره العلامة وابنُ داود"(5).

 

وقال السيِّدُ جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس في حلِّ الاشكال في معرفة الرجال: "عبد الله بن العباس (رضي الله عنه حاله) في المحبَّة والاخلاص لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) والموالاة والنصرةِ له والذبِّ عنه والخصام في رضاه والمؤازرة ممَّا لا شبهة فيه، وقد كان يعتمدُ ذلك مع من يجب اعتماده معه بعده على ما نطق به لسان السيرة.

 

وقد روى صاحبُ الكتاب -الكشي- أخباراً شاذَّة ضعيفة تقتضي قدحاً أو جرحًا، ومثلُ الحِبر (رضي الله عنه) موضعٌ أنْ يحسده الناس ويُنافسوه ويقولوا فيه ويباهتوه .."(6).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

5 / ربيع الأوّل / 1442هـ

22 / 10 / 2020م


1- سورة الإسراء / 72.

2- تفسير القمي -علي بن إربراهيم القمي- ج2 / ص23، تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج2 / ص305، اختيار معرفة الرجال رجال الكشي -الشيخ الطوسي- ج1 / ص273-274.

3- خلاصة الأقوال -العلامة الحلِّي- ص190.

4- رجال ابن داود -الحسن بن علي بن داود الحلِّي- ص121.

5- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج11 / ص256.

6- التحرير الطاووسي -حسن بن زين الدين العاملي- ص313.