سندُ صحيفة الإمام عليِّ بن الحسين في الزهد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما مدى صحَّة ما ورد في روضة الكافي في باب "صحيفة علي بن الحسين وكلامه في الزهد"؟

 

الجواب:

الصحيفة المُشار إليها في السؤال هي صحيفةٌ مأثورة عن الإمام زين العابدين (ع) مشتملة على مواعظ وإرشادات وتذكيرٍ بالآخرة، وتزهيدٍ في الدنيا، وتحذير من الاغترار بها، والركون إلى الطواغيت والظلمة وأَتْبَاعِهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هَذِه الدُّنْيَا الْمَائِلُينَ إِلَيْهَا الْمُفْتَتِنُينَ بِهَا، ومشتملة على الترغيب والحثِّ على طاعة مَن أوجب الله طاعتهم بَيْنَ يَدَيِ الأُمُورِ كُلِّهَا

 

وقد أورد الشيخُ الكليني (رحمه الله) هذه الصحيفة الشريفة عن شيخه مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) إِلَّا مَا بَلَغَنِي مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ أَبُو حَمْزَةَ كَانَ الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِذَا تَكَلَّمَ فِي الزُّهْدِ ووَعَظَ أَبْكَى مَنْ بِحَضْرَتِه قَالَ أَبُو حَمْزَةَ وقَرَأْتُ صَحِيفَةً فِيهَا كَلَامُ زُهْدٍ مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وكَتَبْتُ مَا فِيهَا ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ص فَعَرَضْتُ مَا فِيهَا عَلَيْه فَعَرَفَه وصَحَّحَه وكَانَ مَا فِيهَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَفَانَا اللَّه .."(1).

 

فسندُ الصحيفة صحيحٌ لا إشكال فيه، فجميع رجاله من الثقاة الأجلاء، والمقصودُ من أبي حمزة هو الثمالي الثقةُ الجليل القدر، وأمَّا مالك بن عطيَّة فهو الأحمسي، وقد وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في الفهرست(2) وهو من رجال أسانيد تفسير عليِّ بن إبراهيم القمِّي، فقد روى القمِّي عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(ع) قال سألتُه عن تفسير هذه الآية ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾(3)(4).

 

هذا وقد أورد الشيخُ المفيد في الأمالي صحيفة عليِّ بن الحسين (ع) بسندٍ آخر متَّصل قال: حدَّثني أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمِّي عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيَّة، عن أبي حمزة الثمالي(5).

 

والسند معتبرٌ، وليس فيه إشكال إلا من جهة شيخ الشيخ المفيد وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فإنَّه لم يُذكر بتوثيقٍ من قبل القدماء إلا أنَّه يكفي للتثبُّت من وثاقته كونه من المعاريف ولم يرد فيه قدح.

 

يقول السيِّد مهدي بحر العلوم في الفوائد الرجالية: "أكثر عنه (المفيد) و(الشيخ) في كتابي الأخبار بواسطته. وهو الواسطة بينه وبين أبيه محمد بن الوليد في أغلب الأسانيد، وصحَّح العلامة -رحمه الله- وجميع من تأخَّر عنه الأحاديث المشتملة عليه، ولم يُذكر عن أحدٍ من الفقهاء الطعن فيه، ولا التوقُّف في حديثه، وقال السيِّد -رحمه الله- في (الوسيط): "أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد من المشايخ المعتبرين. وقد صحَّح العلامة كثيراً من الروايات، وهو في الطريق، بحيث لا يحتمل الغفلة. ولم أرَ -إلى الآن- ولم أسمع أحدا يتأمَّل في توثيقه"(6).

 

ويقول المحقِّق الداماد في الرواشح السماويَّة في حقِّ: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وأبي عليّ أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري شيخَيِ الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان (رضي الله تعالى عنه): "أمرُهما أجلُّ من الافتقار إلى تزكيةِ مزكٍّ وتوثيق موثّقٍ"(7).

 

وأمَّا العباس بن معروف فهو أبو الفضل قمي وثَّقه النجاشي في الفهرست(8) وكذلك وثَّقه الشيخ الطوسي في رجاله قائلاً: "العباس بن معروف، قمي، ثقة صحيح"(9).

 

وعليه فطريقُ الشيخ المفيد لصحيفة الإمام زين العابدين (ع) في الزهد معتبرٌ كالصحيح.

وأورد كذلك الصحيفة مرسلةً ابن شعبة الحراني في تحف العقول(10).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

27 / ربيع الأوّل / 1442هـ

13 / 11 / 2020م


1- الكافي -الكليني- ج8 / ص15.

2- فهرست أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشي -النجاشي- ص422.

3- سورة يس / 13.

4- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص212.

5- الأمالي -الشيخ المفيد- ص200.

6- الفوائد الرجاليَّة -السيد بحر العلوم- ج2 / ص16.

7- الرواشح السماوية -المحقق الداماد- ص171.

8- فهرست أسماء مصنفي الشيعة رجال النجاشي -النجاشي- ص104.

9- الأبواب رجال الطوسي -الشيخ الطوسي- ص361.

10- تحف العقول ص252.