هل الضارُّ والصبور من الأسماء الحسنى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله

هل ثبت عندنا أنَّ وصف "الصبور" ووصف "الضار" من الأسماء الحسنى؟

 

الجواب:

الضارُّ النافع من الأسماء الحسنى:

أمَّا وصفُ الضار فالظاهر أنَّه لا خلاف في عدِّه من صفات الله تعالى الفعليَّة وأسمائه الحسنى، وذلك لوروده ضمنَ صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى في الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):

 

منها: صحيحة صَفْوَانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: لَا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَه لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَه وأَنَّ مَا أَخْطَأَه لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه وأَنَّ الضَّارَّ النَّافِعَ هُوَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ"([1]).

 

ومنها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع وهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْكَعْبَةِ وهُوَ يَقُولُ -اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ- اللَّهُمَّ لَا تُجْهِدْ بَلَاءَنَا رَبَّنَا ولَا تُشْمِتْ بِنَا أَعْدَاءَنَا فَإِنَّكَ أَنْتَ الضَّارُّ النَّافِعُ .."([2]).

 

ومنها: معتبرة جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّه الْخَافِضِ الرَّافِعِ، الضَّارِّ، النَّافِعِ، الْجَوَادِ، الْوَاسِعِ، الْجَلِيلِ ثَنَاؤُه الصَّادِقَةِ أَسْمَاؤُه الْمُحِيطِ بِالْغُيُوبِ .."([3]).

 

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: "سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأخرس كيف يحلفُ إذا ادُّعيَ عليه دين ولم يكن للمدَّعي بينة؟ فقال: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أُتيَ بأخرس وادُّعي عليه دين فأنكره، ولم يكن للمدَّعي عليه بيِّنة، فقال أميرُ المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمة جميع ما يحتاج إليه، ثم قال: ائتوني بمصحفٍ فأُتي به، فقال للأخرس: ما هذا فرفع رأسه إلى السماء وأشار أنَّه كتاب الله .. ثم كتب أميرُ المؤمنين (عليه السلام): والله الذي لا إله إلا هو عالمِ الغيب والشهادة الرحمنِ الرحيم، الطالبِ الغالبِ الضارِّ النافع، المُهلكِ المُدرك، الذي يعلم السرَّ والعلانيَّة .."([4]).

 

ومنها: الدعاء المأثور عن الإمام الحسن العسكري (ع): "اللهمَّ إنِّي أسئلُك بأنَّ لك الحمدُ لا إله إلا أنت .. وأسألُك بأنَّك اللهُ الأولُ قبل كلِّ شيء، والآخرُ بعد كلِّ شيء، والباطنُ دون كلِّ شيء، الضارُّ النافعُ الحكيمُ العليمُ .."([5]).

 

معنى أنَّه تعالى الضارُّ والنافع:

ومعنى أنَّه تعالى الضارُّ والنافع هو أنَّ كلَّ نقصٍ وزيادة تُصيب الإنسان أو غيره من سائر الخلق فهي بتقديره جلَّ وعلا، فما مِن شيءٍ خارجٌ عن سلطانه أو يقعُ دون علمه وتقديره، فالضرر "النقص" والنفع "الزيادة" يرجعان في المآل إليه، لذلك صحَّ وصفه تعالى بالضارِّ النافع، ولعلَّه لذلك أسند الله تعالى الضرَّ والخير إلى نفسه في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾([6]).

 

ويُمكن أنْ يكون معنى الضار هو أنَّه لا أحدَ قادرٌ على أنْ يُصيب أحدًا بضررٍ إذا شاء اللهُ تعالى منعه، ولا أحدَ قادرٌ على أنْ ينفع أحدًا إذا شاء اللهُ حرمانه، ولا أحدَ قادرٌ على أنْ يدفعَ عنه أو ينتصرَ له إذا شاء اللهُ الإضرار به، ولهذا ينبغي للمؤمن أنْ لا يخشى أحدًا غيرَ الله تعالى، وأن لا يرجو -في دفع الضرِّ وجلب الخير- أحدًا غيرَ الله جلَّ وعلا، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾([7]) وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾([8]) وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾([9]) وقال تعالى: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾([10]).

 

وصفُ الصبور هل هو من الأسماء الحسنى:

وأمَّا وصف "الصبور" فلم أقف في شيءٍ من أُصولنا الروائية على أنَّه من صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى، نعم ورد وصفُه تعالى بالصبور في دعاء المُجير عند قوله: "سُبْحانَكَ يا صَبُورُ، تَعالَيْتَ يا صابِرُ"([11]) وكذلك ورد في دعاء الجوشن الكبير عند قوله: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ، يا عَفُوُّ، يا غَفُورُ، يا صَبُورُ، يا شَكُورُ، يا رَؤُوفُ، يا عَطُوفُ، يا مَسْؤُولُ، يا وَدُودُ، يا سُبُّوحُ، يا قُدُّوسُ"([12]) وكلاهما وردا في كتابي المصباح والبلد الأمين للكفعمي (رحمه الله).

 

وأمَّا في طرق العامَّة فقد ورد وصفُ الصبور ضمن أسماء الله الحسنى في مثل سُنن الترمذي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا مائة غير واحدة من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام .. الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور"([13]).

 

والجدير بالذكر أنَّه وردت روايةٌ من طرقنا كانت بصدد الإحصاء للتسعة والتسعين اسمًا إلا أنَّها لم تشتمل على عدِّ الصبور ضمن هذه الأسماء الحسنى، وهي رواية الصدوق بسنده عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: إنَّ لله تبارك و تعالى تسعةً وتسعين اسما مائة إلا واحدا، مَن أحصاها دخل الجنَّة، وهي: اللهُ، الإلهُ، الواحد، الأحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العليُّ، الأعلى، الباقي، البديع، البارئُ، الأكرم، الطاهر، الباطن، الحيُّ، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف الرائي، السلام، المؤمن، المهين، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبوح الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القويُّ، القريب، القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنَّان، المحيط المبين، المُقيتُ، المُصوِّر، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضرِّ، الوتر، النور، الوهَّاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفيُّ، الوكيل، الوارث، البَرُّ، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي"([14]).

 

فهذه الرواية وإنْ لم تكن في مقام الحصر لأسماء الله الحسنى ولكنَّها بصدد الحصر والإحصاء للأسماء التي إذا أحصاها العبدُ وأحاط بها ووقفَ على معانيها كان ثوابه الجنَّة، فهي متصدِّية لعين ما تصدَّت له رواية أبي هريرة إلا أنَّها لم تشتمل على ذكر الصبور ضمن هذه الأسماء، وقد أوردها الشيخُ الصدوق بطرقٍ مختلفة وألفاظ مختلفة كما أفاد ذلك في الخصال([15]) لكنَّ شيئًا منها لم يشتمل على عدِّ الصبور من الأسماء الحسنى، ولذلك لم يشرح هذا الاسم في كتاب التوحيد رغم شرحه لتمام الأسماء الواردة في الرواية([16]).

 

وذلك ما يُعزِّز احتمال وقوع الاشتباه من أبي هريرة أو ممَّن روى عنه، ويؤكِّد ذلك أيضًا أنَّ الشيخ الصدوق أورد رواية أبي هريرة فجاءت خالية من ذكر الصبور ضمن الأسماء التسعة والتسعين([17]) وكذلك أورد ابنُ ماجه الرواية عن أبي هريرة، وهي خالية من ذكر الصبور ضمن الأسماء التسعة والتسعين([18]).

 

ولعلَّه لذلك اختلف العامَّة في عدِّ الصبور من الأسماء الحسنى قال القرطبي: "واختُلف في وقور وصبور، فذهب القاضي أبو بكر إلى أنَّه لا يجوز أن يسمَّى الله تعالى بهما لأنَّ الوقور الذي يترك العجلة بدفع ما يضرُّه، والصبور الذي يصبرُ على ما يصيبه من الأذى، وذلك ما لا يجوز في صفته تعالى. ومن أجاز ذلك على أحد المذهبين فإنَّما يرجع معناهما إلى الحلم"([19]).

 

نعم لا يبعد أنَّ المشهور بينهم هو عدُّ الصبور من الأسماء الحسنى، وقد وردت من طرقِهم رواية أخرى -وإن كانت ضعيفة السند- تدلُّ على أنَّ الصبور من الأسماء الحسنى أخرجها الطبراني في الأوسط عن جابر عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: "لما عُرج بإبراهيم رأى رجلا يفجر بامرأة فدعا عليه فأُهلك، ثم رأى عبدًا على معصية فدعا عليه فأوحى الله إليه يا إبراهيم أنَّه من عبدني فإنَّ قصره مني خصالٌ ثلاث، إما أنْ يتوب فأتوب عليه، وإما أنْ يستغفرني فأغفر له، وإمَّا أنْ يخرجَ من صُلبه مَن يعبدني، يا إبراهيم أما علمتَ أنَّ من أسمائي أنِّي أنا الصبور"([20]).

 

معنى الصبور بناءً على أنَّه من الأسماء الحسنى:

وكيف كان فبناءً على أنَّ وصف الصبور من أسماء الله الحسنى فإنَّ معناه -كما أفاد الشهيد الأول في كتابه القواعد والفوائد- هو الذي لا تحملُه العجلةُ على المسارعة إلى الفعل قبل أوانِه أو الذي لا يُعاجِل بعقوبته العصاة، لاستغنائه عن التسرُّع، إذ لا يخافُ الفوت"([21]).

 

وعليه فليس إسناد وصف الصبور لله جلَّ وعلا على حدِّ إسناده للمخلوقين فهو حين يُسنَدُ للمخلوقين فإنَّه يعني حبس النفْس وتحمُّل الأذى والمكروه وهو ما يستلزم النقص والشعور بالألم والحزن، واللهُ جلَّ وعلا منزَّه عن كلِّ ذلك، فالمقصودُ من إسناد وصف الصبور إليه هو إرادة لازم هذا الوصف، وهو أنَّه لا يعجَلُ، ولا يُعاجلُ العصاة بالعقوبة، فإنَّما يعجلُ من يخافُ الفَوْت، وعليه فوصفُه تعالى بالصبور يقتربُ من معنى وصفه تعالى بالحليم.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

24 / جمادى الأولى / 1442هـ

08 / 01 / 2021م


[1]- الكافي -الكليني- ج2 / ص85.

[2]- الكافي -الكليني- ج4 / ص529.

[3]- الكافي -الكليني- ج8 / ص170.

[4]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص112.

[5]- جمال الأسبوع السيد أبن طاووس- ص180.

[6]- سورة الأنعام / 17-18.

[7]- سورة الأنعام / 46.

[8]- سورة القصص / 71.

[9]- سورة سبأ / 22.

[10]- سورة التوبة / 74.

[11]- المصباح -الكفعمي- ص270، البلد الأمين- الكفعمي- ص364.

[12]- المصباح -الكفعمي- ص254، البلد الأمين -الكفعمي- ص407.

[13]- سنن الترمذي -الترمذي- ج5 / ص192، 193.

[14]- التوحيد -الصدوق- ص195، الخصال -الصدوق- ص594.

[15]- الخصال -الصدوق- ص594.

[16]- لاحظ التوحيد -الصدوق- ص195.

[17]- التوحيد -الصدوق- ص220.

[18]- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج2 / ص1269.

[19]- المقدمات الممهدات -أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي- ج1 / ص23.

[20]- المعجم الأوسط -الطبراني- ج7 / ص271.

[21]- القواعد والفوائد -الشهيد الأول- ج2 / ص173.