"ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فأبى" هل هي رواية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

"ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فأبى" هل هو حديثٌ مأثور عن الرسول (ص) أو عن أحد الأئمة المعصومين (ع)؟

 

الجواب:

هذا القول منسوبٌ لأمير المؤمنين (ع) إلا أنَّه لم أجد له أو لِما يقربُ من ألفاظه ذكرًا في شيءٍ من المصادر الروائية أو الفقهيَّة. نعم وجدتُ في منظومة ابن الأعسم (ت: 1233ه) التي نظمَ أبياتها استنادًا إلى المأثور عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) من آداب الأطعمة والأشربة، وجدتُ فيها قوله في فصل الماء وآدبه:

 

 ويندبُ الشّربُ بسؤر المؤمنِ ** وإنْ أُديرَ يُبتدَى بالأيمن

           لا تعرضنَّ شربَه على أحد ** لكن متى يُعرَض عليك لا يُرد([1])

 

فقولُه (رحمه الله): "لكن متى يُعرَض عليك لا يُرد" قريبٌ من القول المنسوب لأمير المؤمنين(ع): "ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فأبى" أو "ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فردَّه".

 

فنظرًا لكونه قد التزم في مقدِّمة المنظومة أنَّه قد اكتفى بنظم ما قد رُوي من الآداب عن أهل البيت(ع) لذلك قد يُقال أنَّه وقف على روايةٍ تتضمَّن القول المنسوب لأمير المؤمنين (ع)، قال رحمه الله:

 

وبعدُ فالعبدُ الفقيرُ المحتمي ** بظلِّ آلِ المصطفى ابنُ الأعسم

قال نظرتُ في كتاب الأطعمة ** من الدّروس ما اقتضى أنْ أنظمه

ممّا به رُوي من الآداب ** عند حضور الأكل والشّراب

مكتفيا بذاكَ أو أذكرُ ما ** رواهُ في ذلك بعضُ العلما

محافظًا فيه على متن الخبر ** أو قولُ مَن لم يُفتِ إلّا عن أثر([2])

 

وعليه فمِن المحتمل أنَّ قوله: "لكن متى يُعرَض عليك لا يُرد" يُشير إلى القول المنسوب لأمير المؤمنين (ع): "ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فردَّه" أو "فأبى" إلا أنَّ ذلك لا يتم، فإنَّه وإنْ كان من المُحتمل أنَّه استند فيما أفاده إلى هذا القول إلا أنَّ ذلك لا يقتضي البناء -لمجرَّد هذا الاحتمال- على أنَّ هذا القول روايةٌ مأثورة فلعلَّه اعتمد على اشتهار أنَّ هذا القول روايةٌ مأثورة فضمَّنه في منظومته، ولعلَّه -أساسًا- لم يكن يقصد الإشارة إلى هذا القول خصوصًا وأنَّه التزم بالمحافظة على متن الخبر، ومن الواضح أنَّ ما نظمه لا يُطابق في ألفاظه متن القول المذكور، بل هو غير مطابقٍ لمعناه، نعم هو قريبٌ للمعنى المنظوم.

 

وإذا كان البناء هو البحث عمَّا يُحتَمل أنْ يكون هو مستند الناظم (رحمه الله) فإنَّه يُمكن القول أنَّ من المحتمل أنَّ الناظم قد قصد من قوله: "لكن متى يُعرَض عليك لا يُرد" الإشارة إلى الروايات التي دلَّت على مرجوحيَّة ردِّ الكرامة كموثَّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُه عن الرجل يردُّ الطيب، قال: لا ينبغي له أنْ يردَّ الكرامة"([3]).

 

وموثقة الْحَسَنِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (ع) فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مَخْزَنَةً فِيهَا مِسْكٌ وقَالَ: خُذْ مِنْ هَذَا فَأَخَذْتُ مِنْه شَيْئًا فَتَمَسَّحْتُ بِه فَقَالَ: أَصْلِحْ واجْعَلْ فِي لَبَّتِكَ مِنْه قَالَ: فَأَخَذْتُ مِنْه قَلِيلًا فَجَعَلْتُ فِي لَبَّتِي فَقَالَ لِي: أَصْلِحْ فَأَخَذْتُ مِنْه أَيْضًا فَمَكَثَ فِي يَدِي مِنْه شَيْءٌ صَالِحٌ، فَقَالَ لِي اجْعَلْ فِي لَبَّتِكَ فَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَا يَأْبَى الْكَرَامَةَ إِلَّا حِمَارٌ قَالَ: قُلْتُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ قَالَ الطِّيبُ والْوِسَادَةُ وعَدَّ أَشْيَاءَ"([4]).

 

ورواية عليِّ بن الجهم، قال: سمعتُ أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: "لا يأبى الكرامة إلا حمار، قلتُ: أيُّ شيءٍ الكرامة؟ قال: مثل الطيب وما يُكرم به الرجل الرجل"([5]).

 

فإنَّ مقتضى إطلاق هذه الروايات وشبهها هو أنَّه إذا أَكرم أحدٌ آخر بتقديم الماء إليه فإنَّه لا ينبغي له أنْ يردَّ كرامته فلا يقبل منه ما قدَّمه إليه من الماء.

 

فلعلَّ الناظم استند فيما أفاده إلى هذه الروايات الظاهرة في أنَّ مرجوحيَّة الردِّ لا تختصُّ بردِّ الطيب بل تشمل مثل رد الماء وغيره مما يُكرَم به الإنسان، وعليه فمِن غير المحرَز أنَّ الناظم كان يقصد من قوله: "لكن متى يُعرَض عليك لا يرد" الإشارة إلى ما قيل من أنَّه "ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فأبى" حتى يقال أنَّ ذلك يصلح قرينة على أنَّه وقف على أنَّها رواية مأثورة.

 

وخلاصة القول: إنَّه لم يثبت أنَّ مقولة: "ما عُرض الماءُ على عاقلٍ فأبى" أو "فردَّه" رواية مأثورة عن أهل البيت (ع).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

1 / رجب المرجّب / 1442هـ

14 / فبراير / 2021م


[1]- منظومة ابن الأعسم- الشيخ محمد علي الأعسم- ص39.

[2]- منظومة ابن الأعسم- الشيخ محمد علي الأعسم- ص17.

[3]- الكافي -الكليني- ج6 / ص112، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص147.

[4]- الكافي -الكليني- ج6 / ص112. وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص148.

[5]- معاني الأخبار -الصدوق- ص268.