معنى: "إله الآلهة وربِّ الأرباب"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد في دعاء القدح جملة "إله الآلهة". ألا تعتبر هذه الفقرة من الشرك بالله تعالى، وهو ما يُضعف من صحَّة الدعاء؟

 

الجواب:

هذا الوصف ورد في رواياتٍ عديدة وفي أدعيةٍ مأثورة:

فمِن ذلك ما ورد بسندٍ معتبر عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: "أقربُ ما يكون العبد من ربِّه إذا دعا ربَّه وهو ساجد، فأيُّ شيءٍ تقولُ إذا سجدت؟ قلتُ: علِّمني جعلتُ فداك ما أقول؟ قال (ع): قل: يا ربَّ الأرباب، ويا ملك الملوك، ويا سيد السادات، ويا جبَّار الجبابرة، ويا إله الآلهة صلِّ على محمدٍ وآل محمد وافعل بي كذا وكذا" ثم قل: فإنِّي عبدُك، ناصيتي بيدك"(1).

 

ثم إنَّ وصف الله جلَّ وعلا بأنَّه "إله الآلهة" لا يعني الإقرار بألوهية غير الله جلَّ وعلا فإنَّ الله وحده لا شريك له ولا إله غيره، ومَن اعتقد بغير ذلك فهو مشركٌ وخارج عن الإسلام. فالمقصود من أنَّ الله تعالى إلهُ الآلهة وربُّ الأرباب أنّه إلهُ الآلهة المزعومة وربُّ الأرباب المزعومة، أي أنَّه تعالى إلهٌ حتى للأشياء التي يدَّعي المضلّون أنَّها آلهة وربٌّ حتى للأشياء التي يدَّعي المضلِّون أنَّها أرباب.

 

فالآلهة التي يعتقد المضلِّون أنَّها آلهة، والآرباب التي يعبدها المضلِّون -من دون الله- آلهةٌ وأربابٌ وهميَّة ولكنَّها تُسمَّى عندهم آلهة وأرباب، والتعبير من قِبلنا -نحن الموحِّدين- عن هذه الأشياء كالشمس والصنم بالآلهة إنَّما هو لغرض الإشارة إلى ما يعتقدُ به هؤلاء وليس لغرض الإقرار بما يعتقدون، ومثال ذلك ما ورد على لسان موسى (ع) مخاطباً السامري ومشيراً إلى العجل: ﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾(2) فالآية المباركة عبَّرت عن العجل بالإله وذلك نظراً لاعتبار السامري إيَّاه إله، وكذلك فإنَّ يوسف (ع) عبَّر عن معبودات مَن كان معه في السجن بالأرباب فقال: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ / مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾(3) فهي أرباب بحسب تسميتهم لا أنَّها أرباب واقعاً وعلى وجه الحقيقة.

 

وبما ذكرناه يتَّضح أنّ معنى "إله الآلهة" و"ربُّ الأرباب" هو أنَّ الله تعالى إلهُ كلِّ شيء، فهو إلهٌ حتى لما يُسمِّيه المضلِّون إله، فهو إلهُ الشمس والكواكب التي يُسميها بعض الوثنيين آلهة، فهو تعالى الذي خلقها وصوَّرها وهو الذي يُدبِّر شأنها، وهو إله الأصنام والتي هي حجارة أو أخشاب خلقها الله وكوَّنها في هذا الوجود.

 

فالتعبيرُ عن هذه الأشياء بالآلهة والأرباب إنَّما هو لغرض الإشارة إلى ما يعتقدُ به المبطلون تماماً كالتعبير بأنَّ الله تعالى "جبَّار الجبابرة" إذ ليس في الكون جبَّار غير الله تعالى، فالإنسان مهما تعاظم شأنُه فهو ضعيف بل هو في غاية الضعف، إذ أنَّه لا يملك أنْ يدفع عن نفسه الموت ولا حتى المرض أو النوم، وهو لا يتحمَّل الجوع أو الظمأ فكيف يكون جبَّاراً وهو أضعف من أنْ يقاوم لسعة نارٍ أو لفحة بردٍ قارس، فليس ثمة من جبارٍ في الكون سوى الله جلَّ وعلا.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

 

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج6 / ص340.

2- سورة طه / 97.

3- سورة يوسف / 39-40.