شعار حُرِّيَّة الرَّأي والرَّذائل الأخلاقيَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وافتح علينا أبواب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك ومعرفتك.

 

أودُّ أن أتحدَّث معكم حول المنتديات الالكترونيَّة، أقصد المنتديات التي تتعاطى الشَّأن العام.

 

والحديث عن ذلك في محاورَ ثلاثة:

المحور الأوَّل: يرتبط بتوصيف واقع المنتديات التي يرتادها شبابنا ويتفاعلون معها.

إنَّ أخصر ما يُمكن أن نوصِّف به هذه المنتديات هو أنَّ الكثير منها -وليس جميعها- يمارس أبشع صور الرّذائل الأخلاقيَّة تحت شعار حرّيَّة الرَّأي وشعار الرَّأي والرَّأي الآخر.

 

هذا الشّعار يبرِّر بنظر أعزَّائنا الشَّباب لكلّ أحد أن يقول ما يشاء وأن يعطي رأيًا في كلّ قضيَّة وأن يُنظِّر لكلّ مجتمع وأن يعرِّض بكلّ شخصيَّة ويتّهمها بالعظائم، وأن يُقلِّلَ تحت ذريعة النَّقد البّنَّاء من شأن كلّ مؤسَّسة دينيَّة كانت أو اجتماعيَّة أو سياسيّة لمجرَّد أنَّها لا تروق له ولا تتناغم مع أهوائه أو على أحسن التَّقادير لا ترقى لمستوى تطلعاته وطموحه.

 

- تحت هذا الشّعار نمارس الغِيبة التي هي إدام كلاب أهل النَّار كما وصفها أهل بيت العصمة (ع). نمارس الغِيبة تصريحًا وتلويحًا وكلاهما نهى عنه القُرآن الكريم.

 

فالأوَّل في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾(1).

والثَّاني في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾(2).

 

فنحن وتحت هذا الشّعار البرَّاق نتناول لحوم بعضنا ونلوكها بكُلّ شراهة دون رادع أو وخزٍ في الضَّمير.

 

- وتحت شعار حُرّيَّة الرَّأي نُساهم في تعميق حالة التَّباغُض والتَّنافر بين المُؤمنين، وهذا هو ما يُعبَّر عنه بالنَّميمة في كلمات أهل البيت (ع)، أن توغّر صدر أخيك على أخيك المؤمن، فهذا هو أجلى مصاديق النَّميمة.

 

قال رسول الله (ص): "أشرار النَّاس من يبغض المؤمنين وتبغضه قلوبهم، المشَّائون بالنَّميمة، المفرقون بين الأحبَّة، الباغون للبراء العيب، أولئك لا ينظر الله إليهم ولا يُزكِّيهم يوم القيامة ثُمَّ تلا قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ / وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾(3)".

 

- تحت هذا الشّعار نمارس البُهتان الذي وصفه الإمام الصَّادق (ع) بأنَّه أثقل من الجبال الرَّاسيات.

 

- وتحت هذا الشّعار نُمارس دور التّسقيط للمؤمنين، وقد قال الإمام الصَّادق (ع): "من روى على مؤمن رواية يريد بها شَينه وهدم مروءته ليسقط من أعين النَّاس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشَّيطان".

 

- وتحت هذا الشّعار وشعار أنَّه لا قدسيَّة لأحدٍ نتتبع عثرات المؤمنين ثُمَّ نُفشيها، وقد نُضفي عليها ما ينتج تهويلها، وقد لا تكون عثرة ولكنَّنا نصيِّر منها عثرةً لا تُغتفَر ونُوظِّفها لتحقيق مآرب لا تكون في غالب الأحيان محمودة.

 

يقول الرسول الكريم (ص): "يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الإيمانُ إلى قلبه لا تتبعوا عورات المؤمنين ولا تذموا المسلمين فإنَّه من تتبَّع عورات المؤمنين تتبَّع الله عوراته، ومن تتبَّع الله عوراته فضحه في جوف بيته".

 

- وتحت شعار حُرِّيَّة الرَّأي وشعار الدّراسة والتَّحليل نُمارس سوء الظنّ بأكثر صوره بشاعة وقبحًا متناسين قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾(4)، وقوله تعالى: ﴿إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(5)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾(6).

 

وقد قال أمير المؤمنين (ع): "لا تظُنَّنَّ بكلمة خرجت من أحدٍ سوءًا وأنت تجد لها في الخير مُحتملاً".

 

هذه هي قيم الدّين وتلك هي قيم الآخرين.

 

- وتحت شعار حُرِّيَّة الرَّأي نمارس السُّباب والشَّتيمة ونتعاطى الكلام البذيئ الذي لا يليق بمن يحترم نفسه ويخشى ربَّه.

 

وإلاَّ فما معنى أن يُقال لمؤمنٍ أنَّه رجلٌ انبطاحيّ أو جبان؟! أليس هذا من السّباب؟! أليس من السّباب أن تصف رجلاً بأنَّه طالبانيّ أو متخلِّف؟ أليس من السّباب أن تصف مؤمنًا بأنَّه متهوّر أو جاهل؟ أو أن تصف شريحة واسعة من المجتمع بعلمائها ورجالاتها بأنَّها من قوى المسايرة للظَّلمة؟ أو تصف مؤمنين بأنَّهم نواب البصم؟

 

كلّ ذلك ليس من السّباب والشَّتيمة والهتك لأعراض المؤمنين؟!!!

 

يقول الإمام أبو جعفر الباقر (ع) في قوله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾(7)، قال (ع): "قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم فإنَّ الله عزَّو جلّ يبغض اللَّعان السَّبَّاب الطَّعَّان على المؤمنين الفاحش المتفحّش".

 

وفي ختام هذا المحور أُذكّر نفسي وأُذكّركم أيُّها الإخوة الأعزَّاء بقول رسول الله (ص): "إنَّ أسرع الخير ثوابًا البرّ وأسرع الشَّرّ عقابًا البغي، وكفى بالمرء عيبًا أن ينظر من النَّاس إلى ما يعمي عنه من نفسه ويعيِّر النَّاس بما لا يستطيع تركه ويؤذي جليسه بما لا يعنيه".

 

إنَّ البغي هو الظّلم، والظّلم لا يتلخّص في ابتزاز النّاس أموالهم فحسب بل إنَّ للظّلم مظاهر وصور كثيرة، ومنها إدخال الأذى النَّفسيّ على أخيك المؤمن من خلال تعييره أو توهينه.

 

إنَّ شعار عدم القدسيَّة لأحد لا يعني إلغاء الاحترام للآخرين وهتك حرماتهم، فهل نسينا ما ورد عن أهل البيت (ع) بأنَّ حرمة المؤمن أشدّ عند الله من حرمة الكعبة الشَّريفة؟

 

المحور الثَّاني: يرتبط بنتائج هذا الواقع المؤسف.

وبإيجاز شديد نظرًا لانتهاء الوقت أقول: إنَّ مزيدًا من التَّراجع عن الدّين ومزيدًا من التَّمزُّق ومزيدًا من الفتن ومزيدًا من الفشل ومزيدًا من استقواء الظَّالمين علينا هو نتيجة هذا الواقع المؤسف.

 

وأمَّا المحور الثَّالث فيرتبط بالحديث حول معنى حُرِّيَّة الرَّأي في المنظور الدّينيّ وهذا ما سنتحدَّث عنه لاحقًا إن شاء الله تعالى.

 

والحمد لله ربّ العالمين

 

 

الشيخ محمَّد صنقور

حديث الجمعة

8 جمادى الأولى 1428هـ


1- سورة الحجرات / 12.

2- سورة الهمزة / 1.

3- سورة الأنفال / 62.

4- سورة الإسراء / 36.

5- سورة يونس / 36.

6- سورة الحجرات / 12.

7- سورة البقرة / 83.