ضابط الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صل على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو الفرق بين الصفات الذاتية لله تعالى وبين صفات الفعل لله تعالى المعبَّر عنها بالصفات الفعليَّة؟

 

الجواب:

صفات الذات:

الفرق بينهما هو أنَّ صفات الذات مُنتزَعة من مقام الذات لله جلَّ وعلا، فكلُّ صفةٍ ثابتة لله تعالى بقطع النظر عن أفعاله ومخلوقاته وعن أيِّ حيثيةٍ أو جهةٍ أو لحاظٍ آخر غير ذاته جلَّ وعلا فهي مِن صفات الذات، فهي ثابتة للذات على كلِّ تقدير ومن الأزل وإلى الأبد، لا يخلو منها، ولا يتَّصف بضدِّها، ومثال هذه الصفات أنَّه تعالى حيٌّ وعالمٌ وقادر، فهذه الصفات ثابتة لله تعالى على كلِّ تقدير بقطع النظر عن أفعاله ومخلوقاته، فهي ثابتة له قبل كلِّ شيء وبعده، فهو حيٌّ وعالمٌ قبل أنْ يخلق الخلقَ وبعده، قبل الزمان وحينه وبعده، وهو كذلك قادرٌ خلَقَ أو لم يخلق، فلا يخلو من هذه الصفات، لأنَّها عينُ ذاته لهذا فهو لا يتَّصف بأضدادها على كلِّ تقدير وبأيِّ لحاظٍ ومن أيِّ جهةٍ وفي أيِّ فرض.

 

صفات الفعل:

وأمَّا صفات الفعل فهي الصفات الثابتة للذات بلحاظ ما صدر عنها، يعني أنَّها انتُزعت عقلًا من ملاحظة الفعل الصادر عن الذات كالخالقيَّة والرازقيَّة، فلأنَّه تعالى خلَقَ الخلقَ لذلك انتزعنا من ملاحظة صدور هذا الفعل عنه صفةَ الخالق، ولأنَّه رزق العباد من فضله لذلك صحَّ وصفُه بالرازق، وهكذا هي صفة المُحيي والمميت والغافر والهادي، فإنَّ مثل هذه الصفات منتزَعة من مقام الفعل الصادر عن الله تعالى، لذلك لا محذور من البناء على حدوثها، فهي حادثة بحدوث منشأ انتزاعها وهو الفعل الصادر عنه جلَّ وعلا، فلأنَّ الفعل حادثٌ لذلك كان الوصف المُنتزَع عن هذا الفعل حادثًا، فوصفُه جلَّ وعلا – مثلًا- بالرازق إنَّما نشأ عن صدور الرزق منه، وحيث إنَّ صدور هذا الفعل حادثٌ لذلك فالوصف المنتزَع عنه وهو الرازق حادث، وهكذا هو الشأن في وصفه جلَّ وعلا بالخالق، فإنَّ هذا الوصف انتُزع من ملاحظة صدور الخلق عنه جلَّ وعلا، وحيث إنَّ هذا الفعل لم يكن ثم كان فهو إذن حادث، فالإنسان وكلُّ الكائنات لم تكن مخلوقة ثم إنَّ الله تعالى خلقَها، فهي حين لم تكن مخلوقة لا يصحُّ أنْ يُقال إنَّ الله تعالى خلقها وإلا كان ذلك منافيًا للواقع، إذن قبل أنْ يخلق اللهُ الخلق لم يكن متَّصفًا بالخالقيَّة، نعم هو قادرٌ على أنْ يخلق ولكنَّه لم يخلق بعدُ، فالقدرةُ من صفات الذات فهي أزليَّة بأزليَّة الذات، وأمَّا الخالقيَّة فهي صفة قد حدثتْ بحدوث الخلق والإيجاد منه جلَّ وعلا، فصفة الخالقيَّة ليست أزليَّة بأزليَّة الذات، وإنَّما اتَّصفت بها الذات المقدسة بلحاظ الفعل الحادث الذي صدر عن الذات، فالقول بأنَّ الخالقيَّة من الصفات الحادثة لا يعني أنَّه تعالى حادث – تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا- بل لأنَّ صفة الخالقيَّة منتزَعة عن الفعل الحادث وهو الخلق لذلك كانت هذه الصفة حادثة، فذاتُ الخالق أزليَّة والحادث إنَّما هو اتِّصافه بالخالقيَّة، فقبل أنْ يخلق لم يكن يُوصف بالخالق وهكذا فهو قبل أنْ يُميت لم يكن يُوصف بالمُميت، وقبل أنْ يُحيي لم يكن يُوصف بالمُحيي، وقبل أنْ يغفر لم يكن يُوصف بالغافر، فذات الغافر جلَّ وعلا أزليَّة ولكنَّ وصفه بالغافر يكون بعد صدور الغفران منه، وهذا هو معنى أنَّ صفات الفعل حادثة.

 

وخلاصة القول: إنَّ صفات الفعل هي الصفات التي انتُزعت من ملاحظة صدور الفعل عن الله تعالى أي تمَّ اشتقاقها من ملاحظة استناد الفعل الصادر لله تعالى، فهي صفاتٌ له بلحاظ ما صدر عنه وليس بقطع النظر عن ذلك، وهذا بخلاف صفات الذات فإنَّها منتزعة عن مقام الذات بقطع النظر عن أفعاله وبقطع النظر عن أيِّ جهةٍ أو حيثيَّة، فهي لا تنفكُّ عن الذات ولا تخلو منها الذات، لأنَّها عينُ الذات، فهو حيٌّ قبل كلِّ شيء وبعده، وقادرٌ خلَقَ أو لم يخلق، وقبل أن يخلق وبعد أن يخلق، وهكذا هو الشأن في سائر صفات الذات فهي ثابتة للذات مطلقًا وعلى أيِّ تقدير وبأيِّ لحاظ وفي أيِّ فرض، فمتى ما كانت الصفة كذلك فهي من صفات الذات وإلا فهي من الصفات الفعليَّة.

 

منبهات لتشخيص الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعليَّة:

هذا وقد ذُكرت كما أفاد السيِّد الخوئي([1]) منبِّهات لتشخيص الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل:

 

المنبِّه الأول: إنَّ مناشئ انتزاع الصفات الفعليَّة كلِّها واقعة تحت قدرة الله تعالى وجودًا وعدمًا أي أنَّها متعلَّقة بقدرته وجودًا وعدمًا، ولهذا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الله تعالى قادر على أنْ يخلق، وقادر على أن لا يخلق، وقادرٌ على أنْ يرزق، وقادرٌ على أنْ لا يرزق وقادر على أنْ يحيي، وقادر على أنْ لا يُحيي، وقادر على أنْ يُميت، وقادرٌ على أنْ لا يُميت، وقادرٌ على أنْ يغفر، وقادرٌ على أنْ لا يغفر، وقادرٌ على أنْ يهدي، وقادرٌ على أنْ لا يهدي، وقادرٌ على أن يرحم، وقادرٌ على أن لا يرحم، وهكذا هو الشأن في سائر صفات الفعل، فإنَّها جميعًا متعلقة بقدرته تعالى وجودًا وعدمًا.

 

وعلى خلاف ذلك صفات الذات فإنَّه لا يصحُّ أنْ يقال: إنَّ الله قادر على أنْ يقدر وقادر على أنْ لا يقدر، ولا يصح أنْ يقال إنَّه قادرٌ على أن يكون حيًّا وقادرٌ على أن لا يكون حيًّا ولا يقال إنَّه تعالى قادرٌ على أنْ يكون عالمًا وقادرٌ على أنْ لا يكون عالمًا.

 

وبذلك يتَّضح أنَّ كلَّ صفةٍ يكون منشأ انتزاعها متعلِّقًا لقدرة الله وجودًا وعدمًا فهي من صفات الفعل كالخالق والرازق والبارئ والمصوِّر والرحمن والغفور والمحيي والمميت والهادي فإنَّ منشأ انتزاع هذه الصفات هي مثل الخلق والغفران والهداية والرحمة متعلِّقة لقدرة الله وجودًا وعدمًا فهو قادرٌ على فعلها وقادر على عدم فعلها لذلك فهي من صفات الفعل أو قل هي من الصفات الفعليَّة وأما صفات الذات فليست كذلك فلا يصح في حقه تعالى أنَّه قادرٌ على أن لا يعلم أو قادر على أن لا يكون حيًّا وعليه فكلُّ صفة لا تكون متعلِّقة للقدرة فهي من صفات الذات.

 

المنبِّه الثاني: الذي به يُعرف تشخيص صفات الفعل من صفات الذات هو صحة تعلُّق الإرادة وعدمها بمنشأ انتزاع صفات الفعل دون صفات الذات، فيصحُّ أنْ يقال -مثلًا- إنَّ الله أراد أنْ يرزق زيدًا، ولم يرد أنْ يخلق خالدًا، وأراد أنْ يخلقَ سبع سماوات ولم يُرد أن يخلق تسعًا، وأراد أنْ يرحم الطائعين، ولم يُرِد أنْ يرحم العُصاة، وأراد أنْ يغفر للتوابين، ولم يُرِد أنْ يغفرَ للمتمرِّدين، فالخالق والرازق والراحم والغافر من صفات الفعل لأنَّه يصحُّ أنْ تتعلَّق الإرادة الإلهيَّة بمنشأ انتزاعها وجودًا وعدما.

 

وعلى خلاف ذلك صفات الذات فإنَّ لا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الله أراد أنْ يقدر كما لا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الله أراد أنْ لا يقدر، وكذلك لا يصحُّ أن يقال: إنَّ الله أراد أنْ يكون حيًّا كما لا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الله أراد أنْ لا يكون حيًّا، ولا يصحُّ أنْ يُقال: إنَّ الله أراد أنْ يكون عالمًا، ولا يصح أنْ يُقال: إنَّ الله أراد أنْ لا يكون عالمًا، فهو عالمٌ بذاته، وحيٌّ بذاته، وقادرٌ بذاته، ولا يجوز عليه أنْ يكون غير ذلك فلا يصحُّ أنْ يخلو من هذه الصفات لأنَّها عين ذاتِه جلَّ وعلا.

 

وهذا المنبِّه يرجعُ في المآل – كما أفاد السيد الخوئي([2])- إلى المنبِّه الأول، إذ أنَّ الإرادة للفعل وعدمه أو الإرادة وعدمها فرع القدرة، ولا تصدقُ بدون القدرة على الفعل وعدمه، فلأنَّه تعالى قادرٌ لذلك صحَّ أنْ يُقال مثلًا أراد أنْ يخلق سبع سماوات ولم يُرد أنْ يخلقَ تسعًا، وأراد أنْ يرزق الإنسان النطقَ والعقل، ولم يُرد أنْ يرزق البهيمة ذلك، وهكذا هو الشأن في سائر الأفعال التي هي مناشئ صفات الفعل، فإنَّ إمكان تعلُّق الإرادة الإلهيَّة بها وإمكان عدم تعلق الإرادة بها نشأ عن قدرته جلَّ وعلا، فالإرادة الإلهيَّة وإنْ اختلفت مفهومًا مع القدرة الإلهيَّة ولكنَّها ترجع في المآل إليها.

 

إلا أنَّه ورغم ذلك يصلحُ هذا المنبِّه لتشخيص صفات الفعل من صفات الذات، فكلُّ صفة صحَّ تعلق الإرادة وعدمها بمنشأ انتزاعها فهي من صفات الفعل وكلُّ صفة لا يصحُّ تعلق الإرادة بها وجودًا وعدمًا فهي من صفات الذات.

 

المنبِّه الثالث: إنَّ صفات الفعل كما يصحُّ إثباتها لله جلَّ وعلا فإنَّه يصح سلبها عنه تعالى ولكن مع اختلاف الاعتبار واللحاظ والمتعلَّق، فكما يصحُّ أن يُقال إنَّ الله خالقٌ للعقل في الإنسان، وليس خالقًا للعقل في الحيوان والحجر، وكما يصح أن يقال إنَّ الله تعالى غافرٌ لذنوب المؤمنين، وليس غافرًا لذنوب المشركين، فصح إثبات صفة الخالق لله تعالى كما صحَّ سلبها ونفيها عن الله تعالى ولكن بلحاظين وهكذا هو الشأن في سائر صفات الفعل فهو رازق وليس برازق، وراحمٌ وليس براحم، ومحيي وليس بمحيي، ومميت وليس بمميت ومنتقم وليس بمنتقم، فكلُّ صفات الفعل يصحُّ إثباتها ونفيها عن الذات الإلهيَّة مع اختلاف اللِّحاظ والمتعلَّق.

 

وأمَّا صفات الذات فلا يصحُّ سلبُها عن الذات مطلقًا، فلا يصحُّ بحال من الأحوال أنْ يقال إنَّ الله تعالى ليس حيًّا أو ليس عالمًا أو ليس قادرًا، فكلُّ صفة ثابتة لله تعالى ولا يصحُّ سلبها ونفيها عن الله تعالى مطلقًا -وعلى كلِّ تقدير وفي تمام الفروض- فهي من صفات الذات.

 

وأشكل السيد الخوئي (رحمه الله)([3])على هذا المنبِّه وأفاد بأنَّه لا يصلحُ لتمييز صفات الفعل عن صفات الذات، وذلك لأنَّ ثمة من صفات الفعل ما لا يصحُّ سلبُه عن الله تعالى مطلقًا تمامًا كما هي صفات الذات، ومثال ذلك الصادق والعادل، فإنَّ هاتين الصفتين لله تعالى من صفات الفعل ورغم ذلك لا يصحُّ نفيهما وسلبُهما عن الذات مطلقًا، فلا يقال – على أيِّ تقدير- اللهُ تعالى ليس بصادق وليس بعادل (والعياذ بالله).

 

وعليه فالمعيار المذكور لتشخيص صفات الفعل وهو أنَّ كلَّ صفات الفعل يصحُّ سلبُها كما يصح إثباتها لله مع اختلاف اللِّحاظ هذا المعيار الكلِّي منقوضٌ بصفتي الصادق والعادل، فهما من صفات الفعل ورغم ذلك لا يصحُّ سلبهما عن الله مطلقًا.

 

أمَّا أنَّهما من صفات الفعل فلأنَّ صفة الصادق منتزعة من مطابقة إخباراته للواقع فهي إذن صفة منتزَعة عن كيفيَّة فعلٍ من أفعاله لذلك فالصادق من صفات الفعل وليست من صفات الذات ورغم ذلك لا يصحُّ وصفه مطلقًا وعلى كلِّ تقدير بأنَّه ليس صادقًا.

 

وكذلك فإنَّ صفة العادل منتَزعة من ملاحظة مطابقة فعله للحقِّ، فهي إذن صفة منتَزعة من ملاحظة كيفيَّة فعلٍ من أفعاله، لذلك فصفةُ العادل من صفات الفعل ورغم ذلك لا يصحُّ مطلقًا وعلى أيِّ تقدير وصفه تعالى بأنَّه ليس عادلًا.

 

وبهذا لا يكون المشخِّص الثالث مطَّردًا فصفات الفعل وإنْ كان الكثير منها ممَّا يصحُّ إثباته وسلبُه عن الله تعالى بلحاظين واعتبارين ولكنَّ ذلك ليس مطَّردًا في جميع الصفات فهو منقوض بمثل صفة الصادق والعادل.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / ذو القعدة / 1442هـ

2 / يوليو / 2021م


[1]- أصول فقه الشيعة- السيد الخوئي- ج2 / ص22.

[2]- أصول فقه الشيعة- السيد الخوئي- ج2 / ص23.

[3]- أصول فقه الشيعة- السيد الخوئي- ج2 / ص23.