رَميُ جنازةِ الإمام الحسن (ع) بالنبْل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل رُميتْ جنازة الإمام الحسن (ع) بالنبل؟

الجواب:

أورد ذلك ابنُ شهراشوب في المناقب قال: "وكان الحسنُ أوصى يُجدَّدُ عهده عند جدِّه، فلمَّا مضى لسبيله غسَّله الحسينُ وكفَّنه وحمله على سريره، فلمَّا توجَّه بالحسن إلى قبر جدِّه (ص) أقبلوا إليهم في جمعهم، وجعل مروان يقول: يا رُبَّ هيجا هي خيرٌ من دّعة، أيُدفنُ عثمانُ في أقصى المدينة ويُدفن الحسنُ (ع) مع النبيِّ (ص)، أما لا يكون ذلك ابداً، وأنا أحملُ السيف.

فبادر ابنُ عباس وكثر مقالاً حتى قال: ارجعْ من حيثُ جئتَ فإنَّا لا نُريد دفنَه ههنا ولكنَّا نُريد أنْ نُجدِّد عهداً بزيارته ثم نردُّه إلى جدَّته فاطمة فندفنُه عندها بوصيتِه، فلو كان وصَّى بدفنِه مع النبيِّ (ص) لعلمتَ أنَّكَ اقصرُ باعاً من ردِّنا عن ذلك لكنَّه كان أعلمَ بحرمة قبرِه مِن أنْ يطرقَ عليه هدماً، ورموا بالنبالِ جنازتَه حتى سُلَّ منها سبعون نبلاً"(1).

ويُؤيِّد ما أورده ابن شهراشوب ما ورد في الزيارة المأثورة عن الصادقين (ع) التي أوردها المشهدي في المزار تحت عنوان: زيارة جامعة لسائر الأئمة صلوات الله عليهم، والقول في مبتدأ الأمر في الزيارة إلى آخرها وردت عن الصادقين (عليهم السلام ) وقد جاء فيها: ".. يَا مَوَالِيَّ .. وَأَنْتُمْ بَيْنَ صَرِيعٍ فِي الْمِحْرَابِ قَدْ فَلَقَ السَّيْفُ هَامَتَهُ، وَشَهِيدٍ فَوْقَ الْجِنَازَةِ قَدْ شُكَّتْ أَكْفَانُهُ بِالسِّهَامِ، وَقَتِيلٍ بِالْعَرَاءِ قَدْ رُفِعَ فَوْقَ الْقَنَاةِ رَأْسُهُ، وَمُكَبَّلٍ فِي السِّجْنِ قَدْ رُضَّتْ بِالْحَدِيدِ أَعْضَاؤُهُ، وَمَسْمُومٍ قَدْ قُطِّعَتْ بِجُرَعِ السَّمِّ أَمْعَاؤُهُ .."(2).

وكذلك أوردها السيِّد ابن طاووس في مصباح الزائر وأفاد أنَّها مرويَّة عن الأئمة عليهم السّلام(3).

فالمقصودُ كما هو واضح من قوله (ع): "وَأَنْتُمْ بَيْنَ صَرِيعٍ فِي الْمِحْرَابِ قَدْ فَلَقَ السَّيْفُ هَامَتَهُ" هو الإمام أميرُ المؤمنين (ع)، والمقصودُ من قوله (ع): "وَشَهِيدٍ فَوْقَ الْجِنَازَةِ قَدْ شُكَّتْ أَكْفَانُهُ بِالسِّهَامِ" هو الإمام الحسن المجتبى (ع).

هذا وقد أشار عددٌ من مصادر العامَّة أنَّ بني هاشم حين حملوا نعشَ الإمام الحسن (ع) إلى قبر الرسول (ص) ليجدِّدوا به عهداً اعترضهم بنو أميَّة، ووقعتْ مشادَّات وتراشقٌ بالنبل، فمِن ذلك ما أورده ابنُ سعدٍ في الطبقات الكبرى قال: ".. فلما تُوفي الحسنُ ارتجَّت المدينةُ صياحاً، فلا يلقى أحد إلا باكياً، وأبرَدَ مروانُ يومئذٍ إلى معاوية يُخبرُه بموتِ حسن بن علي، وأنَّهم يُريدون دفنَه مع النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّهم لا يَصلُون إلى ذلك أبداً وأنا حي .. وصاح مروانُ في بني أميَّة ولفها وتلبسوا السلاح، وقال مروان: لا كان هذا أبدا .. فصاح حسين يحلفُ بحلف الفضول، فاجتمعت هاشم، وتيم، وزهرة، وأسد، وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث، قد تلبَّسوا السلاح .. حتى كانت بينهم المراماة بالنبل .."(4)

وأورد ذات الخبر ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق(5).

وكذلك أورد الخبر الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء قال: "وكانت بينهم مراماة"(6).

أقول: ودعوى التراشق والترامي بالنبل مِن قِبَل مؤرِّخي العامَّة جاء للتغطية والتعمية وإلا فبنو أميَّة هم مَن بادرَ إلى إطلاق رشقةٍ كثيفة من النبل باتِّجاه جنازة الإمام الحسن(ع) -لاستثارة الفتنة- ولم يُقابَلوا بمثلِها مِن قِبَل بني هاشم التزاماً منهم بوصيَّة الإمام الحسن (ع) أنْ لا يُراق في هذا الشان مقدارُ محجمة دم.

ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / صفر المظفر/ 1443هـ

15 / سبتمبر / 2021م


1- مناقب آل أي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص204.

2- المزار الكبير -محمد بن جعفر المشهدي- ص298.

3- مصباح الزائر -السيد ابن طاووس- ص 460، 465، بحار الأنوار -المجلسي- ج99 / ص162.

4- الطبقات الكبرى ترجمة الإمام الحسن(ع) -ابن سعد- ص86.

5- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج13 / ص292، ترجمة الإمام الحسن -ابن عسكر- ص222.

6- سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص276.