امتناع صدور اللَّعب عن المعصوم زمن الصبا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم

ما رأيكم في روايات لعب المعصومين (عليهم السلام) في مرحلة الطفولة هل هي ثابتة؟

 

الجواب:

إذا كان اللَّعب بمعنى الترويح عن النفس بما فيه نفعٌ وفائدة يقصدُها العقلاء كالجري والمصارعة، والتسابق بالخيل، وحملِ الأحجار الثقيلة، وتسلُّقِ الجبال، والرماية والمسايفة، والتسابق على حُسن الخط وغيرها مِن الألعاب التي يتعطاها أطفالُ العرب واليافعون منهم ويكون لها نفعُ وفائدة يقصدُها العقلاء مضافاً إلى كونها من أسباب الترويح عن النفس، مثل هذه الألعاب لو ورد في روايةٍ أنَّ المعصوم (ع) كان قد مارسها في مرحلة الطفولة فإنَّه لا محذور من قبولها من هذه الجهة، وذلك لأنَّها ليست من اللَّعب حقيقةً وإنَّما يُطلق عليها عنوان اللَّعب مجازاً باعتبارها من أسباب الترويح عن النفس وإلا فاللَّعب بحسب مدلوله اللُّغوي يعني العبث وشغل الوقت والنفس بما لا نفع فيه ولا جدوى منه، ومثلُ ذلك لا يصدر عن المعصوم (ع) حتى في مرحلة الطفولة، ولهذا لا يصحُّ القبول بأيِّ روايةٍ تنسبُ للمعصوم (ع) اللَّعب بمعنى العبث والاشتغال بما لا نفع فيه ولا جدوى منه.

 

الاستدلال على نفي اللَّعب عن المعصوم في مرحلة الصبا:

ويُمكن أنْ يُستدلَّ لذلك بما أورده الكليني في الكافي عن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ صَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأَمْرِ لَا يَلْهُو ولَا يَلْعَبُ، وأَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى وهُوَ صَغِيرٌ .. فَأَخَذَه أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) وضَمَّه إِلَيْه، وقَالَ بِأَبِي وأُمِّي مَنْ لَا يَلْهُو ولَا يَلْعَبُ"(1).

 

والرواية معتبرة سنداً فرواتُها جميعاً من الثقاة، ومعلَّى بن محمد هو البصري وهو كذلك من الثقاة لوروده في أسانيد تفسير الشيخ عليِّ بن إبراهيم القمي، وهو كذلك من المعاريف ولم يرد فيه قدح يمنعُ من البناء على وثاقته.

 

فالرواية معتبرة سنداً وهي صريحة في المطلوب حيثُ نفى فيها الإمام الصادق (ع) صدورَ اللَّهو واللَّعب عن صاحب الأمر ثم طبَّق ذلك على الإمام موسى بن جعفر (ع) والذي كان حينذاك في عمر الصبا.

 

وكذلك يُمكن أنْ يُستدلَّ بصحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (ع): مَا عَلَامَةُ الإِمَامِ الَّذِي بَعْدَ الإِمَامِ؟ فَقَالَ: طَهَارَةُ الْوِلَادَةِ، وحُسْنُ الْمَنْشَأِ، ولَا يَلْهُو ولَا يَلْعَبُ"(2).

 

فالصحيحة شديدةُ الظهور في نفي صدور اللِّعب من الإمام (ع) زمن الصبا، إذ أنَّ عدم صدور اللَّعب زمن الكهولة أو الشيخوخة يتَّفق لكثيرٍ من الناس، فظاهرُ الرواية هو نفيُ صدور اللَّعب عن الإمام(ع) في الزمن الذي تقتضي فيه العادة صدورُ اللَّعب مِن مثله في العمر وهو عمر الصبا.

 

وكذلك يمكن أنْ يُستدلَّ على نفي صدور اللَّعب من الإمام (ع) زمن الصبا بالروايات المستفيضة التي نصَّت على أنَّ الإمام (ع) يكون واجداً لصفات الكمال منذ نعومة أظفاره من السكينة والوقار وأنَّه محدَّث ومسدَّد ومؤيَّد ولا ينام قلبه، وتظهر على يديه الكرامات الكاشفة عن كمال العناية الإلهيَّة به، ومن كان كذلك يمتنع على مثله اللَّعب والعبث واللهو.

 

وعليه فكلُّ روايةٍ يظهرُ منها صدور اللَّعب -بالمعنى المذكور- من الإمام (ع) في مرحلة الطفولة فإنْ أمكن صرف ظهورها إلى معنىً ينسجم مع ما ثبت من امتناع صدور اللَّعب من الإمام في مرحلة الصبا وإلا فهي ساقطة عن الاعتبار، والذي يُهوِّن الخطب أنَّ أغلب هذه الروايات إنْ لم يكن جميعها واردٌ من طرق العامَّة أو هي ضعيفة السند.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

11 / صفر/ 1443ه

19 / سبتمبر/ 2021م

 

1- الكافي -الكليني- ج1 / ص311.

2- الكافي -الكليني- ج1 / ص385.