معنى قوله تعالى: ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ﴾([1]) كيف لا يصلون إليهما بآيتنا؟ لم يتَّضح المراد من ذلك.

 

الجواب:

الفعل المضارع ﴿يَصِلُونَ﴾ فاعله "الواو" العائد على فرعون وملئه، ومعنى: ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما﴾ هو أنَّهم لا يصلون إلى موسى وهارون بسوءٍ وضرر، وقوله: ﴿إِلَيْكُما﴾ متعلِّق بالفعل المضارع: ﴿يَصِلُونَ﴾ والباء سببيَّة، ومعنى ذلك أنَّ فرعون وملأه لا يصلون إلى موسى وهارون بسوء بسبب آياتنا أي إنَّ آيتنا سوف تكون سببًا للمنع دون وصولهم إليكما بسوء.

 

فالآية أعني فقرة: ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا﴾ بصدد التطمين لموسى وهارون (ع) وأنَّ فرعون وملأه لن يتمكنوا من الوصول إليهما بسوء وأنَّهما سيُمنعان من وصول الضرر إليهما بسبب آيتنا. والمقصود من الآيات هي مثل انقلاب العصا إلى حيَّةٍ تسعى، وصيرورة يد موسى(ع) بيضاء كلَّما أدخلها وأخرجها من جيبه.

 

وأمَّا كيف تكون الآيات مانعة لفرعون وملئه من أنْ يصلوا لموسى وهارون بسوء؟

 

فجوابُه: إنَّ هذه الآيات لهولِها وشديدِ وقعِها سوف تبعثُ في قلب فرعون رهبةً وخشيةً من أنْ يُؤذي موسى وهارون فيناله من ذلك ما لا يحتسب، وبذلك تكون هذه الآيات التي منحها اللهُ تعالى لموسى وهارون سببًا في إحجام فرعون عن المبادرة إلى البطش بموسى وهارون (ع)

 

ومن ذلك يتَّضح لماذا كانت هذه الآيات سببًا في أنْ لا يصل من فرعون وملئه سوءٌ لموسى وهارون (ع) ومنه يترجَّح أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ هو أنَّه نجعل لكما الغلبة والظهور عليهم، ففي الوقت الذي تتمكنان فيه من إظهار دعوتِكما عندهم وفي محضرِهم فإنَّهم يكونون بسبب آياتنا عاجزين إيذائكما، فحجزُهم عن أيصال الأذى لموسى وهارون (ع) وتعطيلُ قدرتِهم عن أنْ ينتفعوا بها في إيصال الضرر إليهما ينتهي في المآل إلى غلبة موسى وهارون(ع) إذ لا شيء يقتضي غلبة فرعون وملئه سوى قدرتِهم على البطش وقد صارت معطَّلة بسبب الآيات، وبهذا يكون قوله تعالى في ذيل الآية: ﴿أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ﴾ بيانًا لقوله تعالى: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ فالسلطان بمقتضى ذيل الآية يعني الغلبة والقهر والظهور.

 

وثمة احتمالان آخران لمدلول الآية المباركة:

 

الاحتمال الأول: أنَّ المراد من قوله: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ هو الوعد بأنْ يجعل لهما حجَّةً وبرهانًا، وبذلك يكون قوله: ﴿بِآياتِنا﴾ متعلِّق بالفعل نجعل، فيكون مفاد الآية هو أنَّه نجعل لكما حجَّةً وبرهانًا بآياتنا، فيكون موضع بآيتنا متقدم على قوله: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ وعليه فمؤدَّى الآية: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ بآياتنا فلا يصلون إليكما بسوء.

 

أو يكون قوله: ﴿بِآياتِنا﴾ متعلِّق باسم الفاعل: ﴿الْغالِبُونَ﴾ أي الغالبون بآيتنا أو أنتم الذين تغلبون بآياتنا، فاللام إمَّا للتعريف أو هي اسم موصول وتغلبون بآيتنا صلتها. وبذلك يكون قوله تعالى: ﴿أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ﴾ جملة مستأنفة وليست بيانًا لقوله: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾.

 

الاحتمال الثاني: أنَّ قوله تعالى: ﴿بِآياتِنا﴾ متعلِّق بمحذوف وتقديره اذهبا بآيتنا، وعليه يمكن أنْ يكون قوله: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾ وعدًا من الله تعالى بأنْ يجعل لهما الغلبة والقهر، ويُمكن أنْ يكون المراد من السلطان هو الحجَّة والبرهان.

 

والأقرب -ظاهرًا- لمساق الآية هو الاحتمال الأول أي أنَّ المراد من السلطان هو الحجَّة والبرهان وتكون: ﴿بِآياتِنا﴾ متعلِّقة بالفعل نجعل، والقرينة على ذلك قوله تعالى على لسان موسى: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ فنبيُّ الله موسى (ع) حينما كلَّفه اللهُ تعالى بالرسالة وأمره أنْ يذهب إلى فرعون وملئه بما معه من البرهانين: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ / وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾([2]) فكان موسى (ع) يحذر من أنْ يقتلوه، ويرجو أنْ يُكرمه الله بتكليف هارون معه ليُعينه على حمل أعباء الرسالة، ويخاف أنْ يكذِّبوه، فهذه أمورٌ ومحاذيرُ ثلاثة تستبطنُ حاجاتٍ ومطالب سأل موسى ربَّه أنْ يمنحَه إيَّاها، فكان الجواب من الله تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، أَنْتُما ومَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ﴾ فالفقرةُ الأولى كانت جوابًا لقوله: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ والفقرة الثانية -وهي قوله تعالى: ﴿ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانًا﴾- كانت جوابًا لقول موسى: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ فلن يُتاح لهم التكذيب لكما أو لن ينفعهم بشيء، وذلك لسطوع البرهان الذي تحملانه إليهم.

 

وأمَّا قوله تعالى: ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما﴾ فهو تطمينٌ من الله تعالى بأنَّهم لن يتمكنوا من قتله بل لن يصلوا إليه بسوء، ثم ختم اللهُ تعالى الآية بالوعد بالغلبة والنصر على فرعون وملئه. فالمناسب لسياق الآيات هو أنَّ المراد من السلطان هو الحجَّة والبرهان النافي للقدرة على التكذيب.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / أكتوبر / 2021م

14 / ربيع الأول / 1443ه


[1]- سورة القصص / 35.

[2]- سورة القصص / 33-34.