عدم حجيَّة خبر الواحد هل يؤدِّي إلى الانسداد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سماحة الشيخ

لو قيل إنَّ الحجيَّة في استنباط الأحكام الفقهيَّة هي للخبر المتواتر خاصَّة أو لخبر الآحاد المحتفِّ بقرائن تفيد القطع العادي (الاطمئنان) ألا يسقط ذلك غالبية الروايات الخاصة بالفقه؟

 

وما هو الطريق المتاح لاستنباط الحكم الشرعي لمن يتبنى هذا الرأي فيما لو لم يجد رواية؟ فهل يلجأ للأصول العملية؟ وهنا السؤال: هل هذه الأصول متواترة أو لدينا قرائن نقطع بصدورها

 

الجواب:

يُنسب هذا المبنى للسيِّد المرتضى علم الهدى (رحمه الله) وكذلك يُنسب للشيخ ابن ادريس الحلِّي (رحمه الله) بل نسبَ بعضُهم هذا المبنى إلى أكثر القدماء وادَّعى بعضُهم الإجماع على ذلك أي على عدم حجيَّة خبر الآحاد المقابِل للخبر المتواتر والخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بالصدور([1]).

 

والمستظهَر من عبائر مثل السيِّد المرتضى في رسائله([2]) أنَّ ما نصطلح عليه بخبر الآحاد ليس كذلك عندهم بل هو من الأخبار المفيدة للعلم، وذلك لاحتفافها بقرائن أفادتهم العلم العادي بصدورها، وأكثر الأخبار التي نصفها بأخبار الآحاد هي ليست كذلك عند من يتبنَّى عدم حجيَّة خبر الواحد، فهي عندهم إمَّا أخبار متواترة أو هي أخبار محتفَّة بقرائن علميَّة على الصدق، ولهذا لا يرون أنَّ البناء على عدم حجيَّة خبر الواحد مفضيًا لانسداد باب العلم بالأحكام الشرعيَّة أو بأكثرها، وذلك لأنَّ أكثر الأخبار الواردة في الفروع عن أهل البيت (ع) مكتنفة -عندهم- بقرائن موجبة للاطمئنان بالصدور.

 

والخلاصة: إنَّ ما يبني المتأخِّرون قاطبة على حجيَّته ويصفونه بخبر الواحد يبني مثل السيِّد المرتضى على حجيَّته أيضًا غير أنَّه يصفه بالخبر المحتفِّ بالقرائن العلميَّة، ولهذا لا تظهر ثمرة عمليَّة للاختلاف بين المبنيين، فجميعُ الفقهاء من المتقدِّمين والمتأخِّرين يعملون بأخبار الفروع الفقهيَّة الواردة عن أهل البيت (ع) غايته أنَّ المتقدِّمين كالسيِّد المرتضى يصفون هذه الأخبار بالأخبار المحفوفة بالقرائن العلميَّة ويصفها المتأخِّرون بأخبار الآحاد.

 

وهنا يحسن التنبيه على أمرٍ -أشار إليه السيد الخوئي-([3]) وهو أنَّ المتقدِّمين يستعملون -في العديد من كلماتهم- مصطلح أخبار الآحاد في الأخبار الضعيفة الفاقدة لشرائط الحجيَّة، وأما المتأخِّرون فيستعملون مصطلح أخبار الأحاد في الأعم من الأخبار الضعيفة والأخبار الصحيحة، وما يبنون على حجيَّته من هذه الأخبار هو خصوص الأخبار الصحيحة والتي لا يسميها المتقدِّمون بأخبار الآحاد، فالمتقدِّمون والمتأخرون متوافقون على العمل بأخبار الأحاد الصحيحة غير أنَّ المتقدِّمين قد لا يرتضون تصنيفها ضمن أخبار الأحاد.

 

وممَّا ذكرناه يتَّضح أنَّ بناء المتقدِّمين أو بعضهم على عدم حجيَّة خبر الواحد لا يُنتج انسداد باب العلم والعلمي بأكثر الأحكام الشرعيَّة، وذلك لأنَّ أكثر الأخبار هي بنظرهم مصنَّفة ضمنَ الأخبار المحتفَّة بالقرائن العلميَّة.

 

نعم لو بُني على أنَّ هذه الأخبار الصحيحة -والتي هي آحاد بحسب اصطلاح المتأخِّرين- فاقدة للحجيَّة فإنَّ باب العلم والعلمي بأكثر الأحكام الشرعيَّة ينسد، لأنَّ أكثر الأحكام الفرعية إنَّما وصلتنا من طريق هذه الأخبار.

 

ولو فُرض -جدلًا- تماميَّة هذا المبنى -أعني عدم حجية خبر الواحد بالمعنى المستعمل عند المتأخِّرين- فإنَّه لا تصل النوبة للعمل بالأصول العلميَّة مطلقًا كما هو محرَّرٌ في بحث الانسداد، بل العمل حينئذٍ يكون -على تفصيل- بالظنِّ المطلق إمَّا على أساس ما يُعبَّر عنه بالكشف أو الحكومة، وتترتَّب على أساس ذلك ثمرات لا مجال لعرضها في المقام، ويمكن مراجعة دليل الانسداد في كتب الأصول للوقوف على الفرق بين مبنى الكشف ومبنى الحكومة والثمرات المترتِّبة على المبنيين([4]).

 

وأمَّا السؤال عن الأصول العمليَّة هل هي ثابتة بالتواتر فالجواب إنَّ الأصول العمليَّة لا تثبت لها الحجيَّة ما لم يقم الدليل القطعيُّ على حجيتها شأنها في ذلك شأن سائر الأدلَّة الشرعيَّة الأعم من الاجتهاديَّة والفقاهتيَّة فكلُّ دليلٍ شرعي وإن كان ظنيًِّا أو عمليَّا لا تثبت له الحجيَّة ما لم يقم الدليل القطعي على حجيَّته، والدليل القطعي للأصول العمليَّة قد يكون من قبيل نصوص القرآن أو من قبيل الأخبار المتواترة أو السيرة القطعيَّة أو المدرَكات العقليَّة، مثل الشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، ومثل قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقاعدة الاحتياط العقلي في موارد العلم الاجمالي.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

16 / ربيع الأول / 1442هـ

22 / أكتوبر / 2021م


[1]- رسائل الشريف المرتضى -الشريف المرتضى ج1 / ص21، الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج1 / ص67.

[2]- رسائل الشريف المرتضى -الشريف المرتضى- ج1 / ص26.

[3]- مصباح الأصول -السيد الخوئي- ج47 / ص173.

[4]- لاحظ مثلًا: مصباح الأصول -السيد الخوئي- ج47 / ص251.