القِبلة فريضة والقراءة سنَّة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سلام عليكم

ورد في كتابكم (القواعد الفقهية) في قاعدة (لا تعاد) أن معنى الفريضة في الرواية ما تصدّى الكتاب لبيانه، ولكن وصفت الروايةُ القراءة بأنها سنة مع أنها جاءت في الكتاب في قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ﴾([1]) وإذا كان المراد من الفريضة ما جاء في الكتاب في سياق الصلاة فإن آيات القبلة لم ترد في سياق الصلاة.

 

فما هو تعليقكم؟

 

الجواب:

آيات القبلة كلُّها جاءت في سياق الأمر بالصلاة، والقرينة على ذلك أنَّ المنسبق لأذهان المسلمين قاطبة بل وغيرهم أنَّ القبلة إنَّما جُعلت وشُرِّعت من أجل الصلاة إلى جهتها، لذلك فإنَّ المتفاهَم عرفًا ولدى المتشرِّعة أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾([2]) هو فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً للصلاة تراضها، وكذلك فإنَّ المتبادر من معنى قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ هو أنَّه ولِّ وجهك حين الصلاة شطرَ المسجد الحرام، وهكذا فإنَّ معنى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ هو: وحيث ما كنتم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ حين أداء الصلاة -وليس مطلقًا- شطرَ المسجد الحرام.

 

وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾([3]) يعني وإلى أي بلدٍ أو بقعة خرجت إليها فَوَلِّ وَجْهَكَ حين إقامة الصلاة شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ومعنى قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾([4]) هو أنَّه ما جعلنا القبلة التي كنت تتَّجه إليها في صلاتك، إذ لم يُجعل عليه -بالضرورة- أن يستقبل في جميع أحواله بل ولا في شيءٍ من الفرائض سوى الصلاة أو لا أقلَّ من إحراز أنَّ القبلة الأولى والثانية إنَّما فرضت أولًا للصلاة، وأما غير الصلاة مما اعتبر فيه الاستقبال فهو لا يبلغ مستوى الوضوح في اعتبار الاستقبال للصلاة لذلك هو المنساق من آيات جعل القبلة والأمر بالاستقبال.

 

والمتحصَّل أنَّ جميع آيات القبلة جاءت في سياق الأمر بالصلاة، وأما القراءة للقرآن فهي عبادة مستقلَّة بقطع النظر عن الأمر بالصلاة، ولهذا فإن الأمر بالصلاة لا يساوقُ الأمر بالقراءة، ويؤيد ذلك ما ورد في صحيحة عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: "إنَّ الله فرض من الصلاة الركوع السجود ألا ترى لو أنَّ رجلًا دخل في الاسلام ثم لا يُحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أنْ يكبر ويسبح ويصلي"([5]).

 

فالأمر بالصلاة لا يساوق الأمر بالقراءة وعلى خلاف ذلك الاستقبال فإن الأمر بالصلاة يساوق في عرف المتشرِّعة الأمر بالاستقبال، وعليه يمكن فهم الأمر بالقراءة في قوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ﴾ مستقلًا عن الأمر بالصلاة.

 

وكيف كان فالعمدة في وصف قراءة الصلاة بالسنَّة هو ما أفادته الرواياتُ الواردة عن أهل البيت (ع) كصحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه فَرَضَ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ والْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ فَمَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مُتَعَمِّدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ ومَنْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُه ولَا شَيْءَ عَلَيْه"([6]).

 

وكذلك صحيحة عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "لا تُعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، ثم قال: القراءة سنَّة، والتشهد سنَّة، ولا تنقض السنَّة الفريضة"([7]).

 

ولا معنى لوصف القراءة بالسنَّة -رغم وجوبها- في مقابل وصف مثل الطهور والقبلة بالفريضة، لا معنى لذلك سوى أنَّها مجعولة من قبل الرسول (ص)، واحتمال أنَّ منشأ وصفها بالسنَّة هو أنَّ الصلاة لا تعاد بتركها نسيانًا خلافُ الظاهر، فإنَّ المستظهَر من الروايات هو أنَّ عدم الإعادة في فرض النسيان للقراءة إنَّما هو نتيجة وليس علَّةً، فلأنَّها سنَّة لذلك لا تُعاد الصلاة بتركها نسيانًا.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

23 / بيع الأول / 1443هـ

30 / أكتوبر / 2021م


[1]- سورة المزمل / 20.

[2]- سورة البقرة / 144.

[3]- سورة البقرة / 149.

[4]- سورة البقرة / 143.

[5]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص42.

[6]- الكافي -الكليني- ج3 / ص347، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص87.

[7]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص91.