سندُ رواية المحامدة

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله

شيخنا هل رواية المحامدة معتبرة عندنا؟ ومن هو محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي حُذيفة؟

 

الجواب:

الرواية أوردها الكشي قال: حدَّثني نصر بن صباح، قال: حدَّثني أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري، قال: حدَّثني أمير بن علي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنَّ المحامدة تأبي أنْ يُعصى الله عزَّ وجلَّ قلتُ: ومَن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد ابن أبي حذيفة، ومحمد بن أمير المؤمنين عليه السلام، أمَّا محمد بن أبي حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية"([1]).

 

سندُ الرواية ضعيف، فالراوي عن الإمام الرضا (ع) وهو أمير بن علي مجهول الحال بل هو مهمل حيث لم يرد له ذكرٌ في شيءٍ من الأصول الرجاليَّة.

 

وكذلك فإنَّ إسحاق بن محمد البصري مجهول حيث لم يرد فيه توثيق، هذا مضافًا إلى كونه متهمًا بالغلو كما أفاد الشيخ الطوسي في رجاله([2]) ووصفه النجاشي بقوله: "وهو معدن التخليط، له كتب في التخليط"([3])، ونقل أبو عمرو الكشي قال: سألت أبا النضر محمد بن مسعود العياشي عن جميع هؤلاء فقال: ".. وأما أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري: فإنه كان غاليا .."([4])، وفي موضع آخر قال: حدثني أبو القاسم نصر بن الصباح وكان غاليا: قال: حدثني أبو يعقوب بن محمد البصري، وهو غال ركن من أركانهم أيضا"([5]).

 

وأمَّا نصر بن الصباح فهو كذلك متَّهم بالغلو لكنَّ ذلك لم يثبت، وهو وإن لم يرد فيه توثيقٌ صريح إلا أنَّ المستظهَر من العديد من القرائن أنَّ الرجل كان ثقة معتمدًا.

 

وكيف كان فالرواية ضعيفة من حيث السند بأمير بن علي، وأبي يعقوب إسحاق بن محمد البصري. إلا أنَّها مِن حيث المتن موافقة لما تقتضيه القرائن والشواهد التأريخيَّة، فالأربعة المذكورون قد دلَّت الشواهد على وثاقتهم وجلالة قدرهم . 

 

وأمَّا من هو محمد بن جعفر فهو ابن جعفر بن أبي طالب المعروف بالطيار أدرك الرسول الكريم (ص) عدَّه الشيخ الطوسي في أصحاب النبيِّ (ص) وأصحاب أمير المؤمنين (ع) ووصفه بقليل الرواية([6]).

 

أمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية، وُلد في الحبشة، وهو أول من سُمِّي بمحمد في الإسلام([7])، وهو أخٌ لمحمد بن أبي بكر (رحمه الله) من طرف الأم، وهو زوج أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع)([8]).

 

شهِد مع عمِّه أمير المؤمنين (ع) صفِّين، وكان من القادة الميدانيين([9]) وقيل إنَّه استُشهد في صفِّين، وقيل بل كان مع أخيه محمد بن أبي بكر في مصر في عهد أمير المؤمنين (ع) ولكنَّه لم يُستشهَد معه([10])، وذكر ابنُ داود إنَّه استُشهد في كربلاء([11]) وهو اشتباه -ظاهرًا- فالذي استُشهد في كربلاء هو ابنُ أخيه محمد بن عبد الله بن جعفر، نعم قيل إنَّ ابنه القاسم بن محمد بن جعفر قد استُشهد مع ابن عمِّه الإمام الحسين (ع) في كربلاء([12]).

 

وأمَّا محمد بن أبي حذيفة فهو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، أبو القاسم، وُلد بأرض الحبشة على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم([13]) شهِد مع أمير المؤمنين (ع) صفِّين وولَّاه على مصر قبل قيس بن سعد بن عبادة([14])، قُتل في عهِد معاوية بأمره بعد سجنه([15]).

 

وروى الكشي قال: أخبرني بعضُ رواة العامة عن محمد بن إسحاق، قال: حدَّثني رجلٌ من أهل الشام، قال: كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام ومِن أنصاره وأشياعه، وكان ابن خال معاوية، وكان رجلاً من خيار المسلمين، فلما تُوفي عليٌّ عليه السلام أخذه معاوية وأراد قتله، فحبسه في السجن دهرا، ثم قال معاوية ذات يوم: ألا نُرسل إلى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكتُه، ونُخبره بضلاله، ونأمره أنْ يقوم فيسب عليًّا؟ قالوا: نعم. فبعثَ إليه معاوية فأخرجه من السجن، فقال له معاوية: يا محمد بن أبي حذيفة ألم يأنِ لك أن تُبصر ما كنتَ عليه من الضلالة بنصرتك عليِّ بن أبي طالب .. ألم تعلم أنَّ عثمان قُتل مظلوماً، وأنَّ عائشة وطلحة والزبير خرجوا يطلبون بدمه وأنَّ عليَّا هو الذي دسَّ في قتلِه ونحن اليوم نطلب بدمِه؟

 

قال محمد بن أبي حذيفة: إنَّك لتعلم أنِّي أمسُّ القوم بك رحمًا وأعرفُهم بك، قال: أجل. قال: فواللهِ الذي لا اله غيره ما أعلم أحدًا شرك في دم عثمان وألَّب عليه غيرَك لمَّا استعملك ومَن كان مثلك، فسأله المهاجرون والأنصار أنْ يعزلك فأبي، ففعلوا به ما بلغك، وواللهِ ما أحدٌ أشرك في قتله بدءاً ولا أخيراً إلا طلحة والزبير ..، فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة وألَّبوا عليه الناس، وشركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعمار والأنصار جميعاً، قال: قد كان ذاك.

 

قال: والله إنِّي لأشهد أنَّك منذُ عرفتُك في الجاهلية والاسلام لعلى خُلقٍ واحد ما زاد الاسلام فيك قليلًا ولا كثيرًا، وأنَّ علامة ذلك فيك لبيِّنة، تلومني على حبِّي عليًّا ، خرج مع عليٍّ كلُّ صوَّامٍ قوَّام مهاجريٍّ وأنصاري، وخرج معك أبناءُ المنافقين والطلقاء والعتقاء، خدعتهم عن دينهم، وخدعوك عن دنياك، والله يا معاوية ما خفيَ عليك ما صنعت، وما خفيَ عليهم ما صنعوا، إذ أحلُّوا أنفسهم بسخط الله في طاعتك، والله لا أزال أحبُّ عليَّاً لله، وأبغضُك في الله وفي رسوله (ص) أبدًا ما بقيتُ.

 

قال معاوية، وإنِّى أراك على ضلالك بعد، ردُّوه، فردُّوه وهو يقرأ في السجن: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه﴾([16]) فمات في السجن"([17]).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

14 / ربيع الآخِر / 1443هـ

20 / نوفمبر / 2021م


[1]- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص286.

[2]- رجال الطوسي -الطوسي- ص384.

[3]- رجال النجاشي -النجاشي- ص73.

[4]- الكشي -الطوسي- ج2 / ص813.

[5]- الكشي -الطوسي- ج2 / ص613.

[6]- رجال الطوسي -الطوسي- ص81، 48.

[7]- الإصابة -ابن حجر- ج6 / ص7، أنساب الأشراف -البلاذري- ج1 / ص538.

[8]- الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج8 / ص463، اسد الغابة -ابن الأثير- ج4 / ص313، الإصابة -ابن حجر- ج6 / ص7.

[9]- مقاتل الطالبيين -الأصفهاني- ص12.

[10]- الإصابة- ابن حجر- ج6 / ص7. ممن ذكر أنه استُشهد في صفين ابن عنبة في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص36.

[11]- رجال ابن داود الحلي ص167.

[12]- مستدركات علم الرجال -النمازي- ج6 / ص255.

[13]- الاستيعاب -ابن عبد البر- ج3 / ص1369.

[14]- رجال الطوسي -الطوسي- ص82.

[15]- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج6 / ص101، رجال ابن داود الحلي ص158، اسد الغابة -ابن الأثير- ج4 / ص316.

[16]- يوسف / ص33.

[17]- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص287.