حكم إيقاع الطلاق بالكتابة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يقعُ الطلاق بالكتابة؟

الجواب:

لم يختلف الفقهاء -ظاهراً- في عدم وقوع الطلاق بالكتابة في فرض الحضور والقدرة على التلفُّظ كما أفاد ذلك صاحبُ الحدائق(1) وأفاد صاحبُ الجواهر أنَّ الحكم بعدم الوقوع في هذا الفرض موردُ وفاق(2)

مسلكُ المشهور ومستندُه:

نعم وقع الخلاف في نفوذ الطلاق بالكتابة في ظرف الغيبة مع فرض القدرة على التلفُّظ، فالمشهور -كما أفاد صاحبُ الحدائق(3)- هو عدمُ الوقوع أيضاً، وفي مقابل ذلك نُسب إلى جماعةٍ منهم الشيخ الطوسي(4) إلى وقوعِه بالكتابة من الغائب حتى في فرض القدرة على التلفُّظ.

وعمدةُ ما يُستدلُّ به للمشهور على عدم وقوع الطلاق بالكتابة مطلقاً هو إطلاق صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ(ع): رَجُلٌ كَتَبَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِه أَوْ بِعِتْقِ غُلَامِه ثُمَّ بَدَا لَه فَمَحَاه قَالَ (ع): لَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ، ولَا عَتَاقٍ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِه"(5).

وكذلك إطلاق صحيحةٍ أخرى لزرارة ولكنَّها مضمرة قال: سألتُه عن رجلٍ كتبَ إلى امرأته بطلاقِها أو كتبَ بعتْقِ مملوكِه، ولم ينطق به لسانُه؟ قال: ليس بشيءٍ حتى ينطقَ به"(6).

فإنَّ مقتضى إطلاق الصحيحتين هو عدم صحَّة الطلاق بالكتابة مطلقاً سواءً كان ذلك في فرض الحضور أو في فرض الغيبة أي كان غائباً عن أهلِه.

مدرك التفصيل بين الحضور والغيبة:

وأمَّا ما يُستدلُّ به على صحَّة الطلاق بالكتابة في ظرف الغيبة فصحيحةُ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: اكْتُبْ يَا فُلَانُ إِلَى امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا أَوِ اكْتُبْ إِلَى عَبْدِي بِعِتْقِه يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقاً أَوْ عِتْقاً؟ فَقَالَ (ع): لَا يَكُونُ طَلَاقاً ولَا عِتْقاً حَتَّى يَنْطِقَ بِه لِسَانُه أَوْ يَخُطَّه بِيَدِه وهُوَ يُرِيدُ الطَّلَاقَ أَوِ الْعِتْقَ ويَكُونَ ذَلِكَ مِنْه بِالأَهِلَّةِ والشُّهُودِ، ويَكُونَ غَائِباً عَنْ أَهْلِه"(7).

فإنَّ ظاهر الصحيحة هو صحَّة الطلاق بالكتابة في ظرف الغيبة، وحيث إنَّ العلاقة بين الصحيحة وبين صحيحتي زرارة هي العموم المطلق لذلك يتعيَّن الجمع بين الطائفتين بتقييد الصحيحتين بصحيحة الثمالي فتكون النتيجة هي صحَّة طلاق الغائب بالكتابة وأنَّ الذي لا يصحُّ منه الطلاق بالكتابة هو خصوص الحاضر.

الإشكال على مبنى التفصيل وجوابه:

وأورد بعضُهم على هذا الجمع بأنَّ الحضور والغيبة لا تأثير لهما ليُتعقَّل اختلاف الحكم بالصحَّة وعدمها باختلاف الظرفين، وعليه فالعلاقةُ بين الطائفتين هي التعارض المستقرُّ المانع من تقييد الصحيحتين بصحيحة الثمالي، فلا بدَّ من إعمال مرجِّحات باب التعارض.

وأُجيب عن ذلك بأنَّ صحيحة الثمالي صريحةٌ أو هي شديدة الظهور في اعتبار الغيبة موضوعاً لصحَّة الطلاق بالكتابة، وعليه فلا معنى لاستبعاد عدم الفرق بين الحضور والغيبة لمجرَّد عدم ادارك منشأ اختلاف الحكم باختلاف الظرفين. فلا محيصَ عن البناء على أنَّ العلاقة بين الطائفتين هي العموم المطلق القاضي بتعيُّن الجمع العرفي بتقييد الصحيحتين بصحيحة الثمالي.

وجمع بعضهم بين الطائفتين بحمل صحيحة الثمالي على الاضطرار والعجز عن التلفُّظ بالطلاق.

إلا أنَّ ذلك خلاف ظاهر الرواية حيث إنَّ مفروض السؤال فيها أنَّ رجلاً "قَالَ لِرَجُلٍ: اكْتُبْ يَا فُلَانُ إِلَى امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا" فهو إذن قادر على القول والإملاء فكيف يُفترض في حقِّه العجز والاضطرار، وليس في جواب الإمام (ع) ما يُشعر بافتراض العجز، على أنَّه لو كان عاجزاً لم يكن ثمة فرقٌ بين الحضور والغيبة، فكيف أجاز الطلاق بالكتابة في فرض الغيبة ولم يُصحِّح الطلاق في ظرف الحضور إلا بالنطق بالطلاق، فحملُ صحيحة الثمالي على فرض العجز لا يعدو التمحُّل.

وجهٌ آخر للانتصار لمبنى المشهور وجوابه:

وانتصر بعضُ الأعلام لدعوى المشهور المانع من الطلاق بالكتابة مطلقاً بحمل صحيحة الثمالي على التقيَّة نظراً لبناء العامَّة تصحيح الطلاق بالكتابة لأنَّها أحدُ الخطابين، وأحدُ اللسانين المُعربِين عمَّا في الضمير(8).

والجواب عن ذلك واضحٌ، فإنَّ الحمل على التقية إنَّما يُصار إليه في فرض استقرار التعارض، ولا مُصحِّح للحمل على التقية في فرض إمكان الجمع العرفي كما في المقام.

وبتعبير آخر: هو أنَّه إذا استقرَّ التعارض بين طائفتين من الروايات ولم يكن الجمعُ العرفي ممكناً فالمرجع هو مرجِّحات باب التعارض المنصوصة، والتي منها ترجيح ما يُخالف التقية، وحيثُ إنَّ التعارض في المقام ليس مِن التعارض المستقرِّ لذلك لا مصحِّح لترجيح الطائفة الأولى لمجرَّد مخالفتها لفتوى العامَّة، فليس كلُّ ما يوافق العامَّة يكون منافياً للحكم الواقعي.

وكذلك لا يصحُّ ما أفاده البعض من ترجيح صحيحتي زرارة بالأشهرية أو الشهرة وذلك لأنَّ الترجيح بالشهرة -بناءً على كونها من المرجِّحات المنصوصة- إنَّما يكون في فرض استقرار التعارض، والمقام ليس كذلك كما اتَّضح.

العمدة فيما ينتصر به لمبنى المشهور:

نعم يصحُّ البناء على سقوط صحيحة الثمالي عن الحجِّيَّة لشذوذها كما أفاد صاحب الجواهر(9) أو لا أقلَّ من إعراض المشهور عن العمل بها بناءً على أنَّ الإعراض مسقطٌ للرواية عن الحجيَّة، وبذلك لا يكون ثمة موجبٌ لتقييد إطلاق صحيحتي زرارة، فيكون المتعيِّن هو ما ذهب إليه المشهورُ من عدم صحَّة الطلاق بالكتابة مطلقاً في فرض الحضور والغيبة.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

17 / جمادى الأولى / 1443ه

22 / ديسمبر / 2021م

[1]- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص212.

[2]- جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج32 / ص62.

[3]- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص212.

[4]- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص212، النهاية -الطوسي- ص511.

[5]- الكافي -الكليني- ج6 / ص64، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص36.

[6]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج7 / 453، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص36.

[7]- الكافي -الكليني- ج6 / ص64، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص37.

[8]- جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج32 / ص63.

[9]- جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج32 / ص63.