التعسُّف في فهم آية القوامة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾([1]).

 

هل معنى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هو بما فضَّل الله بعض الرجال على بعض النساء، وبما فضَّل الله بعض النساء على بعض الرجال، فإذا كان كذلك فهل معناه أنَّه لو كانت المرأة أفضل من الرجل وكانت تُنفقُ على زوجِها فإنَّ لها القوامة، ولو كانا متساويين في الفضل والإنفاق تكون القوامة مشتركة بينهما.

 

الجواب:

لو كان هذا الفهم للآية تامًّا وكان هو المرادُ من الآية الشريفة لكان مقتضاه عدم التناسب بين التعليل وبين الحكم المعلَّل، وهذا لا يصدرُ عن حكيم، فالواضحُ من صدر الآية هو جعل حكمٍ كلِّي مفادُه أنَّ كلَّ رجلٍ فهو قوَّامٌ على زوجتِه ثم تصدَّت الآيةُ لبيان العلَّة من جعل القوامة للرجل على المرأة، فلو كانت العلَّة هي تفضيل بعض الرجال على بعض النساء وبعض النساء على بعض الرجال لكان التعليل واهنًا، إذ أنَّ المُناسب لهذا التعليل أنْ تُجعل القوامة لبعض الرجال على بعض النساء ولبعض النساء على بعض الرجال، لا أنْ تُجعل للرجال على النساء ثم يُعلَّل ذلك بأنَّ بعض الرجال -والذي يصدق على الأقل والمساوي- أفضل من بعض النساء، فهل يصدرُ ذلك من حكيم؟!.

 

وعلى خلاف ذلك ما لو استظهرنا من الآية ما فهمَه عامَّةُ المفسِّرين والفقهاء من أنَّ معنى قوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هو بما فضَّل اللهُ به الرجال على النساء يعني جنس الرجال على جنس النساء، فإنَّ التعليل حينئذٍ يكون مستقيمًا ومناسبًا للحكم بجعل القوامة للرجال على النساء، فيكون مفاد الآية أنَّ القوامة إنَّما جُعلت للرجال على النساء لأنَّ اللهَ تعالى قد فضَّل الرجال على النساء في الصفات المتَّصلة بهذا الشأن كالحزم والتعقُّل وشدَّة البأس.

 

فقولُه تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ لا يصحُّ فهمه بمنأىً عن صدر الآية، فحيث إنَّ صدر الآية وهو قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ كان بصدد جعل حكمٍ كلِّي مفاده أنَّ كلَّ رجلٍ فهو قوَّامٌ على زوجته فإنَّ ذلك يكون قرينةً بيِّنة على أنَّ معنى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هو: بما فضَّل اللهُ الرجال على النساء، فالتبعيض هنا ليس بمعنى أنَّ بعض الرجال مفضَّلون على بعض النساء وإلا لم يستقم التعليل مع الحكم المعلَّل بل التبعيض بلحاظ المجموع، فمجموع الرجال والنساء بعضهم أي بعض المجموع وهم الرجال مفضَّلون على بعض المجموع وهم النساء تمامًا كما يُقال: العلماء خيرٌ من الجهلاء بما فضَّل اللهُ بعضهم على بعض فإنَّ أحداً لا يفهم من التبعيض هنا أنَّ بعض العلماء مفضَّلٌ على بعض الجهلاء وبعض الجهلاء مفضَّلٌ على بعض العلماء بل يكون المتفاهم من التبعيض أنَّه جاء بلحاظ المجموع فيكون المعنى بما فضل الله بعض المجموع وهم العلماء على بعض المجموع وهم الجهلاء، وكذلك حينما يُقال: الغنيمة تكون للمجاهدين دون القاعدين بما فضَّل اللهُ بعضَهم على بعض فإنَّ معنى ذلك هو بما فضَّل اللهُ المجاهدين على القاعدين فيكون التبعيض بلحاظ المجموع.

 

والمتحصَّل إنَّ معنى قوله: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ هو: بما فضل اللهُ الرجال على النساء، وأمَّا الاستيحاش من تفضيل جنس الرجال على جنس النساء فليس له ما يُبرِّرُه، إذ هو تفضيلٌ لهم من الجهة المتَّصلة بشأن القوامة كما هو مقتضى مناسباتِ الحكمِ والموضوع، فالتفضيلُ ليس مِن تمام الجهات، فلا يكون الاستيحاش مبرَّراً، ثم إنَّه لا يصحُّ النقض على تفضيل جنس الرجال على جنس النساء من الجهة المتَّصلة بالقوامة لا يصحُّ النقض على ذلك ببعض الموارد المحدودة بالقياس إلى الحالة العامَّة، إذ ما مِن عامٍّ إلا وقد خُصَّ، وليس ثمة مِن قاعدةٍ إلا ولها استثناءات، والأحكام -كما هي القوانين- مبتنيةٌ على الحالة العامَّة والغالبة.

 

القوامة المشتركة ليس لها معنىً محصَّلاً:

ثم إنَّه لم يتَّضح كيف تكون القوامة مشتركة وهما فردان رجلٌ وزوجته، فهل يكون الرجلُ قيِّمًا على زوجته وفي ذات الوقت تكون الزوجة قيِّمة على زوجِها؟! أو يكون كلٌّ منهما قيِّمًا، فعلى مَن تكون القوامة؟! والحال أنَّ القوامة لا تُتصوَّر إلا أنْ يكون ثمة قيِّمٌ وآخر قيمٌ عليه. أو يكون الاشتراك بمعنى أنَّ يكون كلٌّ منهما قيِّمًا على نفسِه؟! وهذا معناه أنْ لا قوامة لأحدِهما على الآخر. أو يكون الاشتراك بمعنى أنْ لا يبتَّ أحدُهما في شأنٍ إلا مع التوافق بينهما، وهذا معنىً آخر لعدم قوامة أحدِهما على الآخر. فدعوى القوامة المشتركة ليس لها معنىً محصَّلًا.

 

على أنَّ القوامة جعلٌ شرعي والشارع قد أناطها -بحسب فهمكم- بالأفضليَّة والإنفاق والفرض في المقام هو التساوي في الفضل والإنفاق، فموضوعُ القوامة المجعولة بالآية منتفٍ في هذا الفرض، وعليه كيف ساغ البناء على جعل القوامة المشتركة، وهل ذلك من التشريع المحرَّم؟

 

كان يتعيَّن -بناءً على الفهم المذكور للآية- الالتزام بسقوط القوامة عن الرجل في فرض التساوي في الفضل والإنفاق وليس ثبوت القوامة المشتركة لكلٍّ من الرجل والمرأة،

 

وكذلك هو الشأن في فرض أفضليَّة المرأة على الرجل فإنَّ المتعيَّن في هذا الفرض -بناءً على الفهم المذكور للآية- هو الالتزام بسقوط القوامة عن الرجل، وليس إثباتها للمرأة، فموضوعُ القوامة المجعولة في الآية هو الرجل المفضَّل المُنفِق، فمع انتفاء الوصفين -القيدين- تنتفي القوامة عنه لا أنَّها تثبت للمرأة، فإثبات القوامة للمرأة حتى في فرض إنفاقها وكونها الأفضل يحتاج إلى دليل، والآية لم تتكفَّل بذلك، فلعلَّ الرجولة دخيلة في جعل القوامة للأفضل المنفِق، فإلغاء الخصوصيَّة عن الرجولة المأخوذة في الآية لا يعدو المجازفة والقول على الله تعالى بغير علم.

 

فأقصى ما يصحُّ أن يقال -بناءً على الفهم المذكور- هو أنَّ الرجل إذا لم يكن أفضل ولم يُنفق أنَّ قوامته تسقط، لا أنَّها تثبت للمرأة أو تكون مشتركة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

19 / جمادى الأولى / 1443هـ

24 / ديسمبر / 2021م


[1]- سورة النساء / 34.