لو اقتحمَ على امرأةٍ يُريدُها حراماً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو اقتحم رجلٌ على امرأة بيتها يُريد الفجور بها فدفعته عن نفسها فقتلته، هل عليها قصاص أو دية؟

الجواب:

ليس عليها في الفرض المذكور قصاصٌ ولا دية  إذا لم تتمكن مِن دفعه عن نفسها إلا بقتله، وكذلك لو دفعته عن نفسها بما لا يقتل عادةً فاتَّفق وقوع القتل، فإنَّه ليس عليها قصاصٌ ولا دية.

ويدلُّ على ذلك صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: فِي رَجُلٍ أَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا حَرَاماً فَرَمَتْه بِحَجَرٍ فَأَصَابَ مِنْه مَقْتَلاً؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهَا وبَيْنَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وإِنْ قُدِّمَتْ إِلَى إِمَامٍ عَادِلٍ أَهْدَرَ دَمَه"(1).

فمعنى قوله (ع): "أَهْدَرَ دَمَه" هو أنَّه حكم بعدم استحقاق أولياء المقتول للقصاص وعدم استحقاقهم للدية، فدمه هدر أي ذهب باطلاً.

وكذلك يُمكن تأييد ما ورد في الصحيحة برواية عَبْدِ اللَّه بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَال: ".. قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص) مَنْ كَابَرَ امْرَأَةً لِيَفْجُرَ بِهَا فَقَتَلَتْه فَلَا دِيَةَ لَه ولَا قَوَدَ"(2) أي فلا يستحقُّ أولياؤه على القاتل -المرأة- ديةً ولا قَوَداً وهو القصاص.

الاستدلال بالروايات العامَّة:

ويُمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بالروايات العامة التي نصَّت على جواز القتال دفاعاً عن النفس والعِرض والمال، فإنَّ مقتضاها هو أنَّه لو ترتَّب عن القتال قتلُ المعتدي كان ذلك جائزاً بل صرَّحت العديدُ من الروايات بذلك وأفادت أنَّ دم المعتدي في هذا الفرض هدرٌ.

فمِن الروايات في ذلك: معتبرة السكوني، عن الإمام جعفر عن أبيه (عليهما السلام): "إنّ اللَّهَ ليمقتُ العبدَ يُدخَل عليه في بيته فلا يُقاتل ولا يُحارب"(3).

أقول: هذه الرواية صريحة في شرعية بل في رجحان قتال مَن اقتحم عليك دارك يُريد التعدِّي عليك أو على عرضِك أو مالِك، وحيثُ إنَّ لازم القتال هو إمكان أنْ يُقتل المعتدي، فشرعيَّة القتال تُساوقُ لذلك جواز قتل المعتدي إنْ لم يمكن دفعُه بما دون القتل، وكذلك تدلُّ على أنَّ دمَه في هذا الفرض هدر، وهكذا هو هدرٌ لو قُتل في حال القتال.

ثم إنَّ الرواية مطلقة فلا تختصُّ شرعية القتال لمَن اقتُحم عليه بيتُه بالرجل، فموضوعُ الحكم بالجواز هو العبد لله الصادق على الرجل والمرأة على حدٍّ سواء.

ومنها: صحيحة أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَتِه فَهُوَ شَهِيدٌ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مَرْيَمَ هَلْ تَدْرِي مَا دُونَ مَظْلِمَتِه؟ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ الرَّجُلُ يُقْتَلُ دُونَ أَهْلِه ودُونَ مَالِه وأَشْبَاه ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا مَرْيَمَ إِنَّ مِنَ الْفِقْه عِرْفَانَ الْحَقِّ"(4).

أقول: وهذه الرواية صريحة أيضاً في شرعية قتال المكلَّف دون مظلمته بل هي صريحة في رجحان القتال وذلك لاعتبار المقاتل شهيداً لو قُتل دون مظلمته، ثم إنَّ القدر المتيقَّن من الرواية هو القتال دفاعاً عن العِرض والمال، والنفس بالأولوية القطعيَّة.

وأمَّا دلالة الرواية على جواز قتل المعتدي وأنَّ دمه هدر، فلأنَّ شرعيَّة القتال تلازم شرعيَّة قتل المعتدي إذا لم يُمكن دفعه عن المظلمة بما دون القتل، ومن الواضح أنَّ القتل المستحَق ليست له تبعة مِن قصاصٍ أو دية، وهذا هو معنى أنَّ دم المعتدي في هذا الفرض هدر.

ومنها: معتبرة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال: "إذا دخل عليك اللصُّ يُريد أهلك ومالك فانْ استطعت أنْ تبدره وتضربه فابدرْه واضربْه، وقال: اللصُّ محاربٌ لله ورسوله (ص) فاقتلْه، فما مسَّك منه فهو علي"(5).

أقول: قوله: "فما مسَّك منه فهو عليّ" معناه عدم ترتُّب أي تبِعة مِن قصاصٍ أو دية، فمفاد هذه الفقرة هو أنَّه لو طالبك أولياؤه بقصاصٍ أو دية فقل لهم اطلبوها من الإمام (ع) فمثل هذا التعبير يُستعمل للتطمين والتأكيد بأنَّه ليس عليك ممَّا تفعله تبِعة.

ومثل هذه الرواية في المفاد معتبرة الحسين بن علوان عن الإمام جعفر عن أبيه (عليهما السّلام)، قال: "كان عليُّ بن أبي طالب (عليه السّلام) يقول: مَن دخل عليه لصٌّ فليبدره بالضربة فما تبعه من إثم فأنا شريكُه فيه"(6) فالأمر يدلُّ على الجواز وقوله: "فما تبِعَه من إثمٍ فأنا شريكه فيه" يعني ليس عليه إثمٌ أي تبعة من قصاصٍ أو دية.

ومنها: معتبرة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): "إِذَا دَخَلَ عَلَيْكَ اللِّصُّ الْمُحَارِبُ فَاقْتُلْه فَمَا أَصَابَكَ فَدَمُه فِي عُنُقِي"(7).

أقول: هذه الرواية صريحة في جواز قتله، وتدلُّ على أنَّ دم المعتدي هدرٌ بالتقريب السابق.

ثم إنَّ موضوع الأمر بالقتل هو مطلقُ المكلَّف الذي اقتُحم عليه سواءً كان هذا المكلَّف رجلاً أو امرأة. نعم جواز القتل يختصُّ بما لو كان المقتحِم لصٌّ محارب لا يندفع إلا بالقتل، أمَّا لو كان غرضُه السرقة ويفرُّ لو اطَّلع عليه صاحبُ الدار فمثلُه لا يكون مشمولاً لمفروض الرواية.

ومنها: صحيحة الحسين بن أبي العلاء، قال: سألتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يُقاتل دون ماله فقال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلم): مَن قُتل دون ماله فهو بمنزلة الشهيد، فقلت: أيقاتل أفضل أو لا يقاتل؟ فقال: إنْ لم يقاتل فلا بأس .."(8).

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: "قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله وسلم): من قُتل دون ماله فهو شهيد .."(9).

أقول: هذه الرواية -والتي سبقتها -صريحةٌ في جواز القتال دون المال فتدلُّ -كلٌّ منهما- بالأولويَّة القطعيَّة على جواز القتال دون العِرض لوضوح أهميته شرعاً على المال، فإذا جاز القتال دون المال جاز قطعاً القتال دون العرض.

الدفاع يثبت بالبينة أو علم القاضي:

وهنا يحسن التنبيه على أمرٍ وهو أنَّ مشروعية الدفاع والحكم بهدر دم المعتدي في الفرض المذكور وإنْ كان ثابتاً لا إشكال فيه إلا أنَّه لو رُفع أمرُ القاتل المعتدى عليه إلى الحاكم فإنَّ المتعيَّن على القاتل إقامة البيِّنة على أنَّ القتل وقع دفاعاُ عن النفس أو العرض أو المال وإلا كان لأولياء المقتول حقُّ المطالبة بالقصاص أو الدية إلا أنْ يعلم الحاكم بأنَّ القتل أو الجرح وقع دفاعاً من قرائن أخرى. ويدلُّ على ذلك أنَّ القتل ثابتٌ بالوجدان بحسب الفرض، وأمَّا أنَّه وقع دفاعاً فهو محتاجٌ إلى دليل، فمَع عدم الدليل لا يكون ثمة موجبٌ لسقوط القصاص وإلا كان لكلِّ أحدٍ أنْ يدَّعي الدفاع.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / جمادى الثاني / 1443ه

8 / يناير / 2022م

-------------------------------

[1]- الكافي -الكليني- ج7 / ص291، من لا يحضره الفقيه ج4 / ص103، تهذيب الأحكام -الطوسي- ج10 / ص206، 207.

[2]- الكافي -الكليني- ج7 / ص293، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج29 / ص62.

[3]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص157، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج15 / ص119.

[4]- الكافي -الكليني- ج 5 / ص52، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج15 / ص121.

[5]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج10 / ص136، وسائل الشيعة -الحر العاملي-ج28 / ص321.

[6]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج15 / ص121.

[7]- الكافي -الكليني- ج5 / ص51، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج15 / ص121.

[8]- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص167.

[9]- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج4 / ص95، وسائل الشيعة -الحر العاملي-ج28 / ص383.