دعوى أنَّ دعاء السمات مُنتحَل!!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم:

ذكر البعض أنَّ دعاء السمات المعروف بدعاء الشبور، من الأدعية التي تمَّ اختراقها بالإسرائيليَّات حيث نصَّ على أنَّ بعض الفقرات التي وردت فيه تشابهُ تماماً عبارات واردة في التوراة ممَّا يجعل الدعاء محل الشك والريبة.

 

مثل فقرة: (فوق احساس الكروبيين، وعمود النار، وبيت ايل ..) ويشير الى أنَّ لفظ الكروبيين لم يرد في أي مصدرٍ معتبر، ولا في روايات معتبرة!

 

فهل هذا الادِّعاء صحيح شيخنا؟

 

الجواب:

التشابه لا يُصحِّح البناء على الوضع:

هذه الدعوى لا تصحُّ فمجرَّد تشابُه بعض الأسماء الواردة في الدعاء للأسماء الواردة في التوراة، لا يقتضي البناء على أنَّ الفقرات المشتملة على هذه الأسماء موضوعة ومنتحلة، فهذه الأسماء غالباً ما تكون أسماء أعلام لذلك فهي تُستعمل كما هي أو يتمُّ تعريبها بنحوٍ يحتفِظ الاسم بأصوله اللفظيَّة كإبراهيم وإسماعيل وإسرائيل وجبريل وميكال وداوود وطالوت وجالوت وطور سينين والتابوت وطُورِ سَيْنَاءَ، وغيرها من أسماء الأعلام الأعجميَّة التي استعملها القرآن واستُعملت في الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع).

 

لا تشابه بين فقرات الدعاء وما في التوراة:

وأمَّا دعوى أنَّ بعض فقرات دعاء السمات تُشابه تماماً ما ورد في التوراة فلا تصح، فليس ثمة أيُّ فقرةٍ من فقرات الدعاء مشابهةً في صياغتها لِمَا هو موجود في التوراة المتداولة، نعم ثمة استعمالٌ لبعض الأسماء المذكورة في التوراة وهي أسماء أعلام استعملها القرآن واستعملتها الروايات كما هي، على أنَّ الفقرات المشتملة على هذه الأسماء تُشير إلى أحداثٍ وقعت في تاريخ أنبياء بني إسرائيل ولذلك تمَّ الاحتفاظ بعناوين الأحداث وأسماء الأعلام للشخصيات والأماكن التي جرت فيها تلك الأحداث، فالتحريف الذي طرأ على التوراة لم يستوعب جميع ما في التوراة أو لا أقل أنَّه لم يستوعب مثل أسماء الأعلام للشخصيات والأمكنة وعناوين الأحداث.

 

فلا موجب للبناء على انتحال الدعاء ووضعه لمجرَّد التشابه في بعض العناوين والأسماء، فالبناء على الوضع يتمُّ لو كان الدعاء مشتملاً على ما ينافي ظواهر الكتاب أو السنَّة القطعيَّة أو أصول العقيدة أو يُنافي صريح العقل أو الحقائق التاريخيَّة أو العلميَّة، وليس في الدعاء ما ينافي شيئاً من ذلك.

 

اسم الكروبيِّين في المأثور عن أهل البيت (ع):

وأمَّا دعوى أنَّ لفظ الكروبيِّين أو الكروبين لم يرد في أيِّ مصدرٍ معتبر، فلا تصحُّ أيضاً، فهذا الاسم ورد في رواياتٍ قد تبلغ حدَّ الاستفاضة بنحوٍ يحصل الاطمئنان بصدور هذا الاسم في الجملة على لسان النبيِّ الكريم (ص) وأهل بيته (ع) فمِن ذلك ما أورده أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ( المتوفي سنة 367ه) بسنده عن أبي عبد الله الصادق (ع) في كتابه كامل الزيارات وهو من أعلام الطائفة وأجلائها ومن مشايخ الشيخ المفيد والغضائري والتلعكبري وأحمد بن عبدون وغيرهم من الأعلام.

 

وكذلك ورد هذا الاسم في كتاب ثواب الأعمال وكتاب الأمالي وكتاب فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق (رحمه الله) وورد في روايةٍ عن أبي جعفر الباقر (ع) في كتاب الغيبة للنعماني في أنَّه "لو قد خرج قائم آل محمد (صلَّى الله عليه وآله) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين"، وورد في رواية أخرى عن أبي عبد الله (ع) كتاب مستطرفات السرائر لابن ادريس الحلِّي، ورواه الصفار في بصائر الدرجات، وورد في روايةٍ أخرى عن النبيِّ الكريم (ص) في كتاب لبِّ اللباب للقطب الراوندي، وورد في روايةٍ أخرى عن النبيِّ الكريم (ص) في كتاب بشارة المصطفى لمحمد بن أبي القاسم الطبري، وورد في زيارة لأمير المؤمنين (ع) مأثورة عن أبي عبد الله (ع) في كتاب المزار لمحمد جعفر المشهدي وورد اسم الكروبيين في كتاب المزار أيضاً في الدعاء المأثور عن الإمام الصادق (ع) والذي يُقرأ عند مقام جبرئيل، وورد هذا الاسم في رواية عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) في كتاب نوادر المعجزات للطبري، وورد في حديث المعراج الذي أورده ابنُ شهراشوب في المناقب، هذا مضافاً إلى ورود هذا الاسم في الدعاء المأثور عن الإمام الصادق عن أمير المؤمنين (ع) الذي أورده السيد ابن طاووس في مهج الدعوات، وورده في في الدعاء المأثور عن الصادق (ع) عن النبيِّ الكريم (ص) ليلة عرفة في إقبال الأعمال، وغيرها من الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (1).

 

فمِن ملاحظة مجموع هذه الروايات المشتملة على اسم الكروبيين وكذلك ما ورد من طرق العامة يحصل الاطمئنان بصدور هذا الاسم في الجملة على لسان النبيِّ الكريم (ص) وأهل بيته (ع).

 

بيت إيل:

وأمَّا "بيت إيل" الوارد في دعاء السمات(2) فهو اسم علَم على الموضع الذي اختاره نبيُّ الله يعقوب (ع) وبُنيَ عنده بعد ذلك بيت المقدس أو مدينة القدس، ومعنى "بيت إيل" هو بيت الله، ولعلَّه لو تمَّ التعبير عنه في الدعاء ببيت الله لتوهَّم القارئ أنَّ المقصود منه بيت الله الحرام الكائن في مكة الشريفة، لذلك كان المناسب الاحتفاظ بالاسم العبراني الذي هو علَمٌ على ذلك الموضع الخاصِّ الذي اختاره نبيُّ الله يعقوب (ع) كما سمَّى الله تعالى طور سيناء باسمه الأعجمى وسمَّى التابوت باسمه الأعجمي وسمَّى يعقوب إسرائيل باسمه الأعجمي.

 

عمود النار في دعاء السمات ذاته الذي أشار إليه القرآن:

وأما "عمود النار" الوارد في سياق قوله (ع): "وأسألك اللهم ! بمجدك الذي كلمتَ به عبدك ورسولك موسى بن عمران (عليه السلام) في المقدسين فوق إحساس الكروبيين فوق غمائم النور فوق تابوت الشهادة، في عمود النار وفي طور سيناء"(3).

 

ففيه إشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم عند قوله تعالى من سورة القصص: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ / فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾(4).

 

وكذلك ما ورد في سورة النمل عند قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ / فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ / يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(5).

 

فعمود النار هي تلك النار التي شاهدها موسى (ع) في طور سيناء فقصد إليها: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى / إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى / وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى / إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾(6) فهناك كلَّمه ربُّه جلَّ وعلا وكلَّفه بأعباء الرسالة في مشهدٍ من ملائكة الله الكروبيين.

 

عمود النار في دعاء السمات ليس هو في التوراة:

والملفت أنَّ عمود النار المستعمَل في التوراة لا يُشير إلى الواقعة التي أشار إليها الدعاء وإنَّما يُشير إلى وقائع أخرى لا صلة لها بالواقعة التي أشار إليها الدعاء والتي هي واقعة تكليف موسى (ع) بالرسالة عند وصوله إلى طور سيناء ومشاهدته للنار ومناجاة ربِّه له عندها، فعمودُ النار الذي ورد في الدعاء يُشير إلى ما نصَّ عليه القرآن وليس إلى ما ورد في التوراة المتداولة، لاحظ للتثبُّت من ذلك ما ورد في سفر الخروج الاصحاح الثالث عشر قال: "وصعد بنو إسرائيل متجهزين من أرض مصر وأخذ موسى عظام يوسف معه .. وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام في طرف البرية، وكان الربُّ يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلا في عمود نار ليضيء لهم. لكي يمشوا نهارا وليلاً، لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً مِن أمام الشعب"(7).

 

 وقال في الاصحاح الرابع عشر من سفر الخروج: "وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم. جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه إلى وسط البحر، وكان في هزيع الصبح أنَّ الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين .."(8).

 

وفي سفر تخميا الاصحاح التاسع: "أنت برحمتك الكثيرة لم تتركهم في البرية ولم يزل عنهم عمود السحاب نهارا لهدايتهم في الطريق ولا عمود النار ليلا ليضئ لهم في الطريق التي يسيرون فيها .."(9).

 

وفي قاموس الكتاب المقدس: وكان في أيام التِيْه إذا ما رحل العبرانيون في البريَّة أنَّ التابوت يُحمل أمام الشعب ويتقدَّمه عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا"(10).

 

فعمود النار استُعمل في التوراة في النار التي أضاءت لبني إسرائيل في البحر حين هربهم من فرعون ولحاقِه بهم، وكذلك فإنَّ عمود النار هي النار التي كانت تُضيء لبني إسرائيل في صحراء سيناء -البرية- زمن التِيْه، وأين ذلك من عمود النار الذي ورد في دعاء السمات؟! إنَّ عمود النار الذي استعمله دعاءُ السمات هو ذاته الذي تحدَّث عنه القرآن المجيد في العديد من الآيات حين كان بصدد البيان لما وقع لموسى (ع) في طور سيناء حين رجوعه إلى مصر بصحبة أهله.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور 

3 / شعبان / 1443ه

7 / مارس / 2022م

 


1- كامل الزيارات -أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه- ص178، ثواب الأعمال -الشيخ الصدوق- ص70، والأمالي -الشيخ الصدوق- ص105، فضائل الأشهر الثلاثة -الصدوق- ص83، الغيبة -النعماني- ص239، النوادر -فضل الراوندي- ص267، مستطرفات السرائر ص92، ورواه الصفار في بصائر الدرجات ص89، نوادر المعجزات -الطبري- ص71، بشارة المصطفى -محمد بن أبي القاسم الطبري- ص338، جامع أحاديث الشيعة -البروجردي- ج13 / ص331، مستدرك الوسائل -النوري- ص240، مختصر بصائر الدرجات -حسن بن سليمان الحلي- ص213، المزار -محمد جعفر المشهدي- ص227، المزار -محمد جعفر المشهدي- ص83، مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص155، في مهج الدعوات- السيد ابن طاووس- ص123، اقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج2 / ص53.

2- مصباح المتهجد -أبو جعفر الطوسي- ص418.

3- مصباح المتهجد -أبو جعفر الطوسي- ص418.

4- سورة القصص / 29-30.

5- سورة النمل / 7-8.

6- سورة طه / 11-14.

7- الكتاب المقدس العهد القديم سفر الخروج / الاصحاح 13 / 20، 22 ص109.

8- الكتاب المقدس العهد القديم سفر الخروج / الاصحاح 14 / 23، 25 ص110.

9- الكتاب المقدس العهد القديم / سفر تخميا / الاصحاح التاسع: 20 ص769.

10- قاموس الكتاب المقدس مجمع الكنائس الشرقية ص209.