(إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ) .. هل هو من دعاء عرفة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سماحة الشيخ حفظكم الله تعالى:

ذكر البعض أنَّ فقرةً من دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام ليست من الدعاء المأثور عن الإمام الحسين (ع) هذه الفقرة هي مِن قوله: "أنا الفقير في غناي، فكيف لا أكون فقيراً في فقري .." وذكر أنَّ هذه الفقرة منسوبة لأحد المتصوفة وهو ابن عطاء السكندري! وقد راجعنا كتاب مفاتيح الجنان، فأورد أن هذه الزيادة منقولة عن السيد ابن طاووس في الاقبال. فماذا تقولون في ذلك؟

 

الجواب:

المقدار المُحرَز أنَّه من دعاء عرفة المأثور عن الإمام الحسين (ع) هو ما ينتهي عند قوله (ع): "أَسأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَكَ المُلْكُ وَلَكَ الحَمْدُ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا رَبِّ يا رَبِّ .." فقد أورده إلى هذا الموضع الكفعمي في كتابه البلد الأمين والدرع الحصين للشيخ إبراهيم الكفعمي(1) وأورده إلى هذا الموضع السيد ابن طاووس في مصباح الزائر كما أفاد ذلك العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار(2)، وكذلك أورده العلامة المجلسي إلى هذا الموضع في كتابه زاد المعاد (3) وهو كذلك إلى هذا الموضع في كتاب إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس في النسخة المحققة من قبل جواد الفيومي الأصفهاني(4) إلا أنَّ ثمة نسخاً لكتاب الإقبال كالنسخة التي كانت لدى صاحب المفاتيح -ولعلَّها النسخة التي كانت متداولة- مشتملة على زيادة تبدأ من فقرة: "إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي .." وتنتهي عند فقرة: "يا مَنْ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ .. وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحاضِرُ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ"(5).

 

هذا وقد أفاد العلامة المجلسي في البحار أنَّ بعض النسخ العتيقة من الاقبال ليست مشتملة على هذه الزيادة(6). وعليه فمِن غير المُحرَز أنَّ هذه الزيادة ضمن دعاء عرفة المأثور عن الإمام الحسين (ع) وقد رجَّح العلامة المجلسي (رحمه الله) أنَّ هذه الزيادة أُضيفت من بعضِهم، ونقل عن بعض الأفاضل أنَّه مال إلى أنَّ هذه الزيادة من اِلحاقات وإدخالات بعض مشايخ الصوفية، وأيَّد العلامة المجلسي ذلك بقوله أنَّ هذه الزيادة: "لا تُلائم سياق أدعية السادة المعصومين (ع) وإنَّما هي على وفْق مذاق الصوفيَّة"(7).

 

وأمَّا ما قيل من أنَّ الزيادة المذكورة هي من صياغة ابن عطاء السكندري المتوفى سنة 709ه فلعلَّ ما يُؤيده هو وجود نصِّ الزيادة المذكورة -مع اختلافٍ يسير- في كتاب اللطائف الإلهيَّة في شرح مختارات الحكم العطائية، تحت عنوان المناجاة الإلهيّة للشّيخ تاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم ابن عطاء اللّه السّكندري(8) فذلك وإنْ لم يُورث الجزم بكون النصِّ المذكور من صياغته لاحتمال انتحاله له إلا أنَّ نسبته إليه في الكتاب المذكور وتصديره بقال: في مناجاته يُوجب احتمال أنَّه من صياغته.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

29 / شعبان / 1443ه

1 / ابريل / 2022م

-----------------------------------

1- البلد الأمين والدرع الحصين -الشيخ إبراهيم الكفعمي- ص266.

2- بحار الأنوار -المجلسي- ج95 / ص277.

3- زاد المعاد -المجلسي- ص182.

4- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج2 / ص87.

5- مفاتيح الجنان -الشيخ عباس القمي- ص424.

6- بحار الأنوار -المجلسي- ج95 / ص277.

7- بحار الأنوار -المجلسي- ج95 / ص277.

8- اللطائف الإلهية في شرح مختارات من الحكم العطائية -ابن عطاء الله السكندري- ص121، 126. تحقيق عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرقاوي.