معنى: الرِّيح الْعَقِيم في الآية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد

المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾(1)

ما هو معنى العقيم في الآية الشريفة؟

الجواب:

يُستعمل العقيم وصفاً للشيء الذي لا يقبل الأثر المنتظَر منه، يُقال رحِمٌ عقيم إذا كان لا يقبل الأثر المنتظَر منه وهو الحمل، وكذلك يُقال أرضٌ عقيم إذا لم يكن لها قابلية الإنبات، والعقيم تارة يُطلق ويُراد منه اسم المفعول، ويُطلق تارةً أخرى ويُراد منه اسم الفاعل، فالرحِمُ العقيم -مثلاً- هو المعقوم أي المشتمل على ما يمنع من قبوله للأثر المنتظَر منه، والريح العقيم هي الريح العاقم التي تمنعُ من أنْ تؤثر الأثرَ المنتظَر منها.

فثمة رياح لواقح كما قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾(2) وهي التي تحمل اللُّقاح للشجر والأزهار أو تُساهم في إنضاج الثمر أو تسوقُ السحاب فينتج عنها في المآل هطول المطر وتسيير الفُلك في البحر أو ينتج عنها ما يُنعش الانسان والحيوان والنبات وذلك بترطيبها للأجواء أو تصفيتها للفضاء، فهذه رياحٌ لواقح، لأنَّها أنتجت الأثر المنتظَر منها وهي التي وصفتها بعض الآيات بالمبشِّرات في قوله تعالى من سورة الروم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(3)

وفي المقابل الريح العقيم التي تُدمِّر لشدَّتها الزرع والضرع وتُهلك الحرث والنسل، وتقتلع المباني وتهيج لها البحار والأنهار فيكون أثرُها على خلاف ما يُنتظر منها، فهي عقيم بمعنى عاقم أي تمنعُ الخير المرتَجى منها، وتكون سبباً في جلب المَخوف والمحذور، وهذا هو -ظاهراً- منشأُ وصف الريح التي أصابت قوم عادٍ بالعقيم حيث قال تعالى: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾(4) ثم تصدَّت الآية التي بعدها لبيان أثر هذه الريح فقال تعالى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾(5) أي أنَّ هذه الريح العقيم لم تترك شيئاً أصابته إلا جعلته كالرميم أي كفتات الخشب والتبن، وكرميم العظام وهي البالية التي اذا سُحقت لم يُسمع لتطايرها بالنفخ دويٌّ، وكرميم المباني فإنَّه بمعنى البالية المحطَّمة التي لو سُحقت لكانت تراباً دقيقاً.

وخلاصة القول: إنَّ المراد من الريح العقيم هي الريح الشديدة المتناهية في الشدَّة ومثلها يمنع عن أنْ ينشأ عنها خيرٌ ونفع، فهي عاقمٌ أي مانعة من كلِّ خير يُرتجى من الرياح.

احتمالٌ آخر لوصف الريح بالعقيم:

ولعلَّ منشأ وصف الريح المتناهية في الشدَّة بالعقيم هو أنَّها تلد الموت والهلاك أي يكون نتاجُها الموت والهلاك، وذلك في مقابل الرياح اللواقح والمبشِّرات والتي تُنتج الحياة والرخاء، وعليه يكون في وصف الريح بالعقيم تشبيهٌ برحِم المرأة الذي تموت فيه النطفة متى ما وقعت فيه أو يكون مشتملاً على عاهةٍ تقتل الجنين قبل أوانِ ولادته، فكما يُقال للمرأة التي يموت الجنين في رحمها إنَّها عقيم كذلك هي الريح التي يكون من آثارها موت الأحياء.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

11 / شهر رمضان / 1443ه

13 / ابريل / 2022م


1- سورة الذاريات /41.

2- سورة الحجر / 22.

3- سورة الروم / 46.

4- سورة الذاريات / 41.

5- سورة الذاريات / 42.