منقبة للإمام زين العابدين (ع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

إن سمح لكم وقتكم التفضل علينا بالجواب عن مدى صحة ما ذكره ابن شهراشوب في المناقب ونقله عنه المجلسي في عين الحياة عن حادثة وقوع الإمام الباقر عليه السلام وهو طفل صغير في بئر وكان الإمام زين العابدين عليه السلام في صلاته.. وأمُّ الإمام الباقر(ع) تستغيث.. وقالت: ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

 

فكيف يستقيم هذا مع وصف الأئمة لها وعظيم مقامها كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انَّها كانت صديقة ولم يدرك في آل الحسن مثلها؟

 

أليس مقتضى كونها صديقة ان تكون من ذوات اليقين البالغ مداه؟ ثم أليست هي من آل محمد أم أرادت خصوص أهل العصمة بوصف قسوة القلب وهذا مصيبة أخرى..!!؟

 

 الجواب:

أورد ابنُ شَهرآشوب في سياق الذكر لبعض أحوال الإِمامِ زَينِ العابِدينَ ( عليه السلام ): كانَ قائِمًا يُصَلّي، حَتّى وَقَفَ ابنُهُ مُحَمّدٌ ( عليه السلام ) -وهُوَ طِفلٌ- إلَى بِئر في دارِهِ بِالمَدينَةِ بَعيدَةِ القَعرِ، فَسَقَطَ فيها، فَنَظَرَت إلَيهِ أُمُّهُ فَصَرَخَت وأقبَلَت نَحوَ البِئرِ تَضرِبُ بِنَفسِها حِذاءَ البِئرِ وتَستَغيثُ وتَقولُ: يَا بنَ رَسولِ اللهِ، غَرِقَ وَلَدُكَ مُحَمَّدٌ، وهُوَ لا يَنثَني عَن صَلاتِهِ، وهُوَ يَسمَعُ اضطِرابَ ابنِهِ في قَعرِ البِئرِ، فَلَمّا طالَ عَلَيها ذلِكَ قالَت حُزنًا عَلى وَلَدِها: ما أقسى قلوبَكُم يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللهِ، فَأَقبَلَ عَلى صَلاتِهِ ولَم يَخرُج عَنها إلاّ عَن كَمالِها وإتمامِها، ثُمَّ أقبَلَ عَلَيها وجَلَس عَلى أرجاءِ البِئرِ ومَدَّ يَدَهُ إلى قَعرِها، وكانَت لا تُنالُ إلاّ بِرِشاءٍ طَويل، فَأَخرَجَ ابنَهُ مَحَمَّدًا ( عليه السلام ) عَلى يَدَيهِ يُناغي ويَضحَكُ لَم يَبتَلَّ لَهُ ثَوبٌ ولا جَسَدٌ بِالماءِ، فَقالَ: هاكِ يا ضَعيفَةَ اليَقينِ بِاللهِ، فَضَحِكَت لِسَلامَةِ وَلَدِها، وبَكَت لِقَولِهِ: يا ضَعيفَةَ اليَقينِ بِاللهِ، فَقالَ: لا تَثريبَ عَلَيكِ اليَومَ لَو عَلِمتِ أنّي كُنتُ بَينَ يَدَي جَبّار لَو مِلتُ بِوَجهي عَنهُ لَمالَ بِوَجهِهِ عَنّي، أفَمن يُرى راحِمًا بَعدَهُ"(1) "فمن ترين أرحم بعبده منه".

 

وأورد هذه المنقبة مضافاً إلى ابن شهراشوب في المناقب أوردها الطبري الإمامي في دلائل الإمامة (2)، وعلي بن يوسف المطهر الحلِّي في العدد القويَّة(3)، وابن حاتم الشامي المشغري العاملي في الدر النظيم (4)، وشاذان بن جبرئيل القمي في الروضة(5).

 

 وأمَّا ما ورد في وصف والدة الإمام الباقر (ع) أنَّها كانت صدِّيقة وأنَّه: "لَمْ تُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ امْرَأَةٌ مِثْلُهَا" فقد جاء في الكافي للكليني بسنده عن أَبِي الصَّبَّاحِ الكناني عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: كَانَتْ أُمِّي قَاعِدَةً عِنْدَ جِدَارٍ فَتَصَدَّعَ الْجِدَارُ وسَمِعْنَا هَدَّةً شَدِيدَةً فَقَالَتْ بِيَدِهَا لَا وحَقِّ الْمُصْطَفَى مَا أَذِنَ اللَّهُ لَكَ فِي السُّقُوطِ، فَبَقِيَ مُعَلَّقاً فِي الْجَوِّ حَتَّى جَازَتْه فَتَصَدَّقَ أَبِي عَنْهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، قَالَ أَبُو الصَّبَّاحِ وذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) جَدَّتَه أُمَّ أَبِيه يَوْماً فَقَالَ: كَانَتْ صِدِّيقَةً لَمْ تُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ امْرَأَةٌ مِثْلُهَا"(6).

 

وليس بين الخبرين تنافٍ فإنَّ معنى وصف والدة الإمام الباقر(ع) بالصدِّيقة هو أنَّها كانت على درجةٍ عالية من صدق الإيمان قولاً وعملاً لقيام القرينة القطعيَّة على أنَّه لم تثبت العصمة لأحدٍ من نساء هذه الأمَّة إلا للسيدة فاطمة بنت رسول الله (ص) كما أفاد ذلك العلامة المجلسي في مرآة العقول(7) ولهذا يُحمل وصفها بالصدِّيقة على معنىً لا يُساوق العصمة، وحيث لم تكن رضوان الله تعالى عليها معصومة فلا محذور في أنْ يصدر منها ما ورد في الرواية في ساعةٍ حرجةٍ تُدهش في مثلها العقول.

 

ولهذا اعتذر لها الإمام (ع) بقوله: "لا تَثريبَ عَلَيكِ اليَومَ" أي لا إثم عليك اليوم أو لا لومَ ولا تقريع، فإنَّ ما صدر عنها وقع في ظرفٍ يُعذر في مثله المكلَّف، فلا يؤاخذ بما كان قد تفوَّه به.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / شوال / 1443ه

9 / مايو / 2022م

---------------------------------------

1- مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص278.

2- دلائل الإمامة -محمد بن جرير الطبري الإمامي- ص198.

3- العدد القوية -علي بن يوسف المطهر الحلي- ص63.

4- الدر النظيم -يوسف بن حاتم الشامي المشغري العاملي- ص562.

5- الروضة في فضائل أمير المؤمنين -شاذان بن جبرئيل القمي- ص230.

6- الكافي -الكليني- ج1 / ص469.

7- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (ص) -العلامة المجلسي- ج6 / ص16.