كيف سمَّيتَ ابنك ضُريساً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما مدى صحَّة ما رُوي أنَّ أبا عبد الله الصادق (ع) قال لعبد الملك بن أعين: كيف سميتَ ابنك ضريسا؟ فقال: كيف سمَّاك أبوك جعفراً؟ قال (ع): إنَّ جعفراً نهرٌ في الجنة وضُريس اسمُ شيطان"

 

الجواب:

الرواية صحيحةُ السند، فقد رواها الشيخ الكشي عن حمدويه قال: حدَّثني يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن علي بن عطية قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعبد الملك بن أعين: كيف سمَّيتَ ابنك ضُريساً؟ فقال: كيف سمَّاك أبوك جعفراً؟ قال (ع): إنَّ جعفراً نهرٌ في الجنَّة وضريس اسمُ شيطان"(1).

 

فكلُّ رجال السند من الثقات:

أما حمدويه فهو بن نصير بن شاهي قال عنه الشيخ الطوسي في رجاله: "حمدويه بن نصير بن شاهي، سمع يعقوب بن يزيد، روى عن العياشي، يكنى أبا الحسن، عديم النظير في زمانه، كثير العلم والرواية، ثقة، حسن المذهب"(2).

 

وأمَّا يعقوب بن يزيد فهو الأنباري السلمي، وكان ثقةً صدوقاً كما قال النجاشي(3) ووثقه كذلك الشيخ الطوسي وأفاد أنَّه كثير الرواية، وأنَّه وأباه ثقتان وعدَّه من أصحاب الرضا(ع) والإمام الهادي (ع)(4).

 

وأمَّا ابنُ أبي عمير فهو من أجلاء الطائفة وعظمائها.

 

وأمَّا عليُّ بن عطيَّة فمضافاً لكونه من مشايخ ابن أبي عمير الذي لا يَروي ولا يُرسلُ إلا عن ثقة فقد وثَّقه الشيخ النجاشي في ترجمة أخيه الحسن بن عطيَّة الحنَّاط قال (رحمه الله): "الحسن بن عطية الحنَّاط كوفي مولى ثقة وأخواه أيضاً محمد وعلي، (و) كلُّهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام)"(5).

 

هذا ولكنَّ عليَّ بن الحسن بن فضال أنكر صحَّة الرواية كما في الكشي(6) وذكر أنَّ راويها هو ثابت بن دينار المعروف بأبي حمزة الثمالي والحال أنَّها مرويَّة في طريق حمدويه إلى عليِّ بن عطيَّة الحنَّاط، فلعلَّها بلغتْه من طريقٍ آخر، وعلى أيِّ تقدير فهو لم يُدرِك أبا حمزة الثمالي (رحمه الله) ولم يذكر طريقه للرواية.

 

وقد نقل ابن شهراشوب في المناقب وصاحبُ البحار (رحمه الله) الرواية عن محاسن البرقي قال: قال الصادق (ع) لضريس الكناسي: لم سمَّاك أبوك ضريساً؟ قال: كما سماك أبوك جعفراً، قال (ع): إنَّما سمَّاك أبوك ضريساً بجهلٍ لأنَّ لإبليس ابناً يُقال له ضريس، وإنَّ أبي سمَّاني جعفراً بعلم، على أنَّه اسمٌ لنهرٍ في الجنَّة، أما سمعتَ قول ذي الرمَّة:

 

أبكي الوليد أبا الوليد ** أخا الوليد فتى العشيرة

قد كان غيثا في السنين ** وجعفراً غدقاً وميرة(7)

 

فالمسئول بناءً على رواية المحاسن هو ضُريس نفسه وليس أباه كما في صحيحة عليِّ بن عطيَّة ورواية المحاسن مرسَلة.

 

وكيف كان فضُريس المذكور في الرواية هو ضُريس بن عبد الملك بن أعين الشيباني المعروف بضريس الكناسي وإنَّما لقِّب بالكناسي -رغم أنَّه من آل أعين الشيباني- لأنَّ تجارته كانت بالكُناسة كما ذكر ذلك الكشي عن حمدويه، قال: سمعتُ أشياخي يقولون: ضُريس إنَّما سمِّي بالكناسي لأنَّ تجارته بالكُناسة قال: "وهو خيِّرٌ، فاضلٌ، ثقة "(8). وهو كذلك من رجال تفسير القمِّي(9).

 

وأمَّا عبد الملك بن أعين فهو أخو زرارة بن أعين، وكان ثقة معروفاً بالاستقامة روى الكشي بسندٍ صحيح عن الحسن بن علي بن يقطين، قال: حدَّثني المشايخ: أنَّ حمران وزرارة وعبد الملك وبكيراً و عبد الرحمن بني أعين كانوا مستقيمين، ومات منهم أربعة في زمان أبي عبد الله (عليه السلام) وكانوا من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام)، وبقي زرارة إلى عهد أبي الحسن فلقيَ ما لقي"(10).

 

ويُؤيد ذلك ما رواه الكشي بسندٍ إلى زرارة، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) بعد موت عبد الملك بن أعين: "اللهم إنَّ أبا الضُريس كنَّا عنده خيرتك من خلقك، فصيِّره في ثقل محمدٍ (صلَّى الله عليه وآله) يوم القيامة .."(11).

 

وروى أيضاً بسنده عن زرارة قال: قدِم أبو عبد الله (عليه السلام) مكة، فسأل عن عبد الملك بن أعين، فقلتُ: مات، قال: مات؟! قلتُ: نعم، قال: فانطلِقْ بنا إلى قبره حتى نصلِّي عليه، قلتُ: نعم، فقال: لا ولكن نصلِّي هاهنا، ورفع يدَه ودعا له، واجتهدَ في الدعاء، وترحَّم عليه"(12).

 

فالرجل كان صالحاً مستقيماً، وأمَّا جوابه للإمام (ع) حين سأله عن تسمية ابنه ضُريساً فغايته أنَّه كان من سوء الأدب، فلم يكن ينبغي له أنْ يُجيب الإمام (ع) بهذه الكيفية المنافية لمقتضى اللِّياقة مع الإمام (ع) إلا أنَّ ذلك لا ينفي وثاقته واستقامته، فهي زلةٌ، وقد ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع) قال: "أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلَّا ويَدُ اللَّه بِيَدِه يَرْفَعُه"(13).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

20 / شوال / 1443ه

22 / مايو / 2022م

---------------------------------

1- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص412.

2- رجال الطوسي -الشيخ الطوسي- ص421.

3- رجال النجاشي -النجاشي- ص46.

4- رجال النجاشي -النجاشي- ص450.

5- الفهرست -الطوسي- ص264، رجال الطوسي -الطوسي- ص369، 393.

6- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج2 / ص455.

7- مناقب آل أبي طالب- ابن شهراشوب- ج3 / ص397، بحار الأنوار -المجلسي- ج47 / ص26.

8- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج2 / ص601.

9- تفسير القمِّي -علي بن إبراهيم القمِّي- ج1 / ص230.

10- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص382.

11- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص411.

12- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1/ ص410.

13- نهج البلاغة -خطب أمير المؤمنين (ع)- ج4 / ص6.