مستندُ وضعِ اليد على القبر بعد الدفن وعند الزيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
شيخنا هناك عادة نراها لدى بعض المؤمنين في المقبرة وهي الضرب باليد على الشاهد عند قراءة الفاتحة أو أيٍّ من السوَر أو الآيات، هل هناك مستندٌ لهذه العادة؟
الجواب:
الذي وقفتُ عليه في الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) هو استحباب وضع اليد على القبر عند الرأس أو في أيِّ موضعٍ منه حال كون الواضع مستقبلاً للقبلة، والمستظهَر من بعض الروايات أنَّ ذلك يكون بعد دفن الميِّت وإنْ كان يظهر من بعضها الإطلاق، كما ورد استحباب غمز الكفِّ في تراب القبر وتفريج الأصابع وذلك بعد رشِّه بالماء بعد الدفن.
استحباب وضع اليد على القبر بعد الدفن:
فممَّا وردَ في ذلك: صحيحة زرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "إذا فرغتَ من القبر فانضحْه، ثم ضعْ يدَك عند رأسِه وتغمزُ كفَّك عليه بعد النضح"(1).
وفي صحيحةٍ أخرى لزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) -في حديث- قال: قال: "وإذا حُثيَ عليه التراب وسُوِّي قبرُه فضع كفَّك على قبرِه عند رأسه، وفرِّج أصابعَك واغمزْ كفَّك عليه بعد ما يُنضحُ بالماء"(2)
ومنها: معتبرة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ وَضْعِ الرَّجُلِ يَدَه عَلَى الْقَبْرِ مَا هُوَ ولِمَ صَنَعَ فَقَالَ: صَنَعَه رَسُولُ اللَّه (ص) عَلَى ابْنِه بَعْدَ النَّضْحِ قَالَ: وسَأَلْتُه كَيْفَ أَضَعُ يَدِي عَلَى قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَأَشَارَ بِيَدِه إِلَى الأَرْضِ ووَضَعَهَا عَلَيْهَا ثُمَّ رَفَعَهَا وهُوَ مُقَابِلُ الْقِبْلَةِ"(3).
أقول: هذه المعتبرة تدلُّ على مشروعيَّة بل ورجحان وضع اليد على قبور المسلمين حال كون الواضع مستقبلاً للقبلة، نعم لا يظهر من الرواية استحباب ذلك مطلقاً وإنَّما هو بعد الدفن والنضح على القبر بالماء، فإنَّ هذا المقدار هو الذي دلَّت الرواية على أنَّ رسول الله (ص) قد فعلَه على قبر ابنه إبراهيم (ع).
ومنها: رواية مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَلَمَّا أَنْ دَفَنُوه قَامَ (ع) إِلَى قَبْرِه فَحَثَا عَلَيْه مِمَّا يَلِي رَأْسَه ثَلَاثاً بِكَفِّه ثُمَّ بَسَطَ كَفَّه عَلَى الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْه وأَصْعِدْ إِلَيْكَ رُوحَه ولَقِّه مِنْكَ رِضْوَاناً وأَسْكِنْ قَبْرَه مِنْ رَحْمَتِكَ مَا تُغْنِيه بِه عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ ثُمَّ مَضَى"(4).
أقول: هذه الرواية تدلُّ على استحباب وضع اليد على القبر والدعاء لصاحبه، نعم مقدار ما تدلُّ عليه الرواية هو استحباب ذلك بعد الدفن.
ومنها: رواية إسحاق بن عمار قال: قلتُ: لأبي الحسن الأول (عليه السلام) أنَّ أصحابَنا يصنعون شيئاً إذا حضروا الجنازة ودُفن الميِّت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديَهم على القبر أفسنةٌ ذلك أم بدعة؟ فقال: ذلك واجبٌ على مَن لم يحضر الصلاة عليه"(5)
منها: رواية محمد بن إسحاق قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): شيءٌ يصنعُه الناسُ عندنا يضعونَ أيديَهم على القبر إذا دُفنَ الميِّت قال: إنَّما ذلك لمَن لم يُدرِك الصلاةَ عليه، فأمَّا مَن أدركَ الصلاةَ فلا "(6).
أقول: مفاد هذه الرواية والتي سبقتَها هو مشروعيَّة وضعِ اليد ومسحِها على القبر، ومعنى قول أبي الحسن الكاظم (ع): في رواية إسحاق بن عمَّار: "واجبٌ على مَن لم يحضر الصلاة عليه" هو الثبوت في مقابل البدعة، فواجبٌ بمعنى ثابت كما هو مقتضى المدلول اللُّغوي أو أنَّ المراد من الثبوت هو تأكُّد الاستحباب، ومعنى قول أبي الحسن الرضا (ع) في رواية محمَّد بن إسحاق: "إنَّما ذلك لمَن لم يُدرِك الصلاة عليه" أنَّ وضعَ اليد على القبر إنَّما يُشرَع ويُستحبُّ لمَن لم يُدرِك الصلاة على الميِّت، وقد حُمل قولُه (ع) -كما في الجواهر والمستند(7)- على تأكُّد الاستحباب، يعني أنَّ استحباب وضع اليد على القبر يتأكَّد لمَن لم يحضر الصلاة على الميِّت أو لم يدركها. وإلا فوضع اليد على القبر بعد الدفن والنضح مستحبٌّ مطلقاً حتى لمَن أدرك الصلاة على الميِّت كما هو مقتضى ظاهر الروايات السابقة وقد ادُّعي على ذلك الإجماع(8) وعليه فيُحمل -كما في الجواهر(9)- قوله (ع): "فأمَّا مَن أدرك الصلاةَ فلا" على عدم تأكُّد استحباب وضع اليد لمن أدرك الصلاة على الميِّت.
استحباب وضع اليد على القبر عند زيارته:
والمتحصَّل فهذه الروايات لا تدلُّ على أكثر من استحباب وضعِ اليد على القبر بعد الدفن، وأمَّا وضعُ اليد على القبر في غير هذا الفرض فيُمكن الاستدلال على استحبابه بما رواه الكليني في الكافي بسندٍ صحيح عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: "كُنْتُ بِفَيْدَ فَمَشَيْتَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ إِلَى قَبْرِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ: قَالَ لِي صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ عَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ: مَنْ أَتَى قَبْرَ أَخِيه ثُمَّ وَضَعَ يَدَه عَلَى الْقَبْرِ وقَرَأَ إِنَّا أَنْزَلْنَاه فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمِنَ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ أَوْ يَوْمَ الْفَزَعِ"(10).
وروى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيح في ثواب الأعمال عن أحمد بن محمد قال: كنتُ أنا وإبراهيم بن هاشم في بعض المقابر، إذ جاء إلى قبرٍ فجلس مستقبلَ القبلة ثم وضعَ يده على القبر فقرأ سبع مرات إنا أنزلناه، ثم قال: حدَّثني صاحبُ هذا القبر وهو محمد بن إسماعيل بن بزيع أنَّه من زار قبرَ مؤمنٍ فقرأ عنده سبع مرَّات إنا أنزلناه غَفر اللهُ له ولصاحب القبر(11).
فهذه الرواية وإنْ كانت مقطوعة موقوفة، إذ لم تُنسب إلى الإمام (ع) إلا أنَّ مضمون مثلها لا يكون إلا متلقَّى عن المعصوم (ع) ولهذا فهي حجَّة نظراً لوثاقة الراوي، وعليه فهي تصلح للدلالة على المطلوب وهو عدم اختصاص استحباب وضعِ اليد على القبر بما بعد الدفن، فالاستحبابُ بناءً على ذلك ثابتٌ في مطلق الأحوال، وأمَّا الضرب على الشاهد فلم أقف له على مستند.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
29 / ذو القعدة / 1443ه
29 / يونيو / 2022م
1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص196.
2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص197.
3- الكافي -الكليني- ج3 / ص200، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص199.
4- الكافي -الكليني- ج3 / ص198، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص190.
5- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 / 462، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص198.
6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 / 467، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص198.
7- جواهر الكلام -النجفي- ج4 / 319، مستند الشيعة -النراقي- ج3 / ص309.
8- مستند الشيعة -النراقي- ج3 / ص308.
9- جواهر الكلام -النجفي- ج4 / ص319.
10- الكافي -الكليني- ج3 / ص229، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص226.
11- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص228.