الصلاة في الميتة جهلاً أو نسياناً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو حكم من صلَّى في جلد الميتة جهلاً أو نسياناً والْتفت بعد الفراغ من الصلاة؟

 

الجواب:

الصلاة جهلاً في جلد الميتة:

إذا كان يعتقد جهلاً أنَّ هذا الجلد ليس من الميتة أو كان ذاهلاً عن ذلك ولم يلتفت إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته محكومة بالصحة، فلا تجب الإعادة وذلك لشمول المورد المفروض لقاعدة لا تعاد، ولا فرق في هذا الفرض بين الميتة النجسة -كميتة الحيوان ذي النفس السائلة- والميتة الطاهرة كميتة الحيوان الذي ليست له نفس سائلة فالصلاة في مطلق الميتة محكومة بالصحة في هذا الفرض لقاعدة لا تُعاد.

 

وأمَّا الفرض الآخر وهو ما لو كان يشكُّ في أنَّ ما يصلِّي فيه هل هو من الميتة أو لا، ولم يعلم بكونه من الميتة إلا بعد الفراغ من الصلاة ففي مثل هذا الفرض لا تصحُّ منه الصلاة، وذلك لأنَّ شكَّه في أنَّ ما يصلِّي فيه من الميتة أو لا معناه الشكُّ في تذكية الجلد الذي يصلِّي فيه وذلك يقتضي عدم صحة الدخول في الصلاة لأنَّها مشروطة بإحراز تذكية ما يُصلِّي فيه والمفروض أنَّه غير محرزٍ لها أي أنَّه غير محرزٍ لشرط الصحة وهو التذكية، ومع عدم إحراز شرط الصحة كيف يسوغُ له الدخول في الصلاة والحال أنَّ شرائط الصحة كالطهارة مثلاً ممَّا يتعيَّن إحرازها قبل الدخول في العمل، هذا مضافاً إلى أنَّ قاعدة لا تُعاد لا تشمل الجهل عن تقصير كما هو محرَّر في محلِّه.

 

الصلاة نسياناً في جلد الميتة النجسة:

وأمَّا الصلاة في جلد الميتة نسياناً ففيه تفصيل بين ميتة الحيوان ذي النفس السائلة وبين ميتة الحيوان الذي ليست له نفس سائلة كجلد السمك أو الثعبان والتمساح كما قيل.

 

فالصلاة نسياناً في جلد الحيوان ذي النفس السائلة باطلة فتجب اعادتها في الوقت والقضاء في خارجه وذلك للنصوص الخاصَّة المتظافرة التي دلَّت على بطلان الصلاة في النجاسة مع فرض النسيان مثل موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يرى في ثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلِّي؟ قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي‏ء إذا كان في ثوبه، عقوبة لنسيانه، قلتُ: فكيف يصنع من لم يعلم؟ أيعيد حين يرفعه؟ قال: لا ولكن يستأنف" (1) ولهذا تكون مثل هذه الموثقة مخصصة لحديث لا تُعاد.

 

نعم الحكم بفساد الصلاة في الفرض المذكور مختصٌّ بما إذا كانت النجاسة فيما تتمُّ به الصلاة، وأمَّا إذا لم تكن فيما تتمُّ به الصلاة كالجورب والتكَّة والقلنسوة فالصلاة في فرض النسيان محكومة بالصحَّة، وذلك لقصور الروايات الدالة على فساد الصلاة في ناسي النجاسة عن الشمول لغير ما تتمُّ به الصلاة ولذلك لا يكون ثمة مانع -كما أفاد السيد الخوئي(2)- من التمسُّك بإطلاق حديث لا تُعاد للبناء على صحَّة الصلاة.

 

الصلاة نسياناً في جلد الميتة الطاهرة:

وأمَّا الصلاة نسياناً في جلد الحيوان الذي ليست له نفس سائلة فهي محكومة بالصحَّة لقاعدة لا تُعاد، فإنَّ الذي منع من التمسك بالقاعدة في الفرض الأول وهو الصلاة في جلد الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة هو نجاسة الميتة فحيث إنَّ الروايات الخاصَّة دلَّت على فساد الصلاة في النجاسة نسياناً لذلك فهي مخصصة لقاعدة لا تعاد الجارية في فرض النسيان لولا هذه الروايات الخاصَّة كموثقة سماعة.

 

وأما في هذا الفرض وهو الصلاة نسياناً في جلد ميتة ما لا نفس له سائلة فحيث إنَّ هذه الميتة ليست نجسة فلا تكون مانعيتها إلا من جهة كونها ميتة، والصلاة في الميتة نسياناً ليست من الخمس التي تعاد لها الصلاة، ولذلك لا مانع من التمسك بإطلاق حديث لا تُعاد للبناء على صحة الصلاة نسياناً في جلد الميتة الطاهرة.

 

وبتعبير آخر: إنَّ الصلاة نسياناً في جلد مطلق الميتة الطاهرة والنجسة مجرى لقاعدة لا تُعاد لأنَّ الصلاة في الميتة ليست من الخمسة التي تُعاد لها الصلاة إلا أنَّ الذي نشأ عنه البناء على لزوم الإعادة في فرض الصلاة في جلد ميتة ذي النفس السائلة هو قيام الدليل الخاصِّ على فساد صلاة ناسي النجاسة الشامل للصلاة نسياناً في ميتة ذي النفسة السائلة النجسة، وحيث إنَّ ميتة غير ذي النفس السائلة ليست نجسة لذلك لا يكون ثمة مانع من جريان قاعدة لا تعاد في فرض الصلاة فيها نسياناً.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

15 / صفر / 1444ه

12 / سبتمبر / 2022م

---------------------------

1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص480.

2- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج12 / ص167.