معنى الآية: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قوله تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ ما معنى: ﴿يُوبِقْهُنَّ﴾ وعلى أي شيء يرجع الضمير؟

الجواب:

الضمير في قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ يرجع إلى السُفن الجواري في البحر، ويتَّضح ذلك من ملاحظة الآيات التي سبقت هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ / إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ / أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾(1)

فالجواري في البحر وهي السُفن إنْ يشأ الله تعالى أسكنَ الريح فينشأُ عن ذلك أنْ تظلَّ هذه السفنُ رواكدَ على ظهر البحر، وإنْ يشأ الله تعالى أوبقهنَّ أي وإنْ يشأ أوبَق السفن، فالضمير في قوله: ﴿فَيَظْلَلْنَ﴾ وفي قوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ يرجعُ إلى الجواري وهي السُفن.

ومعنى: ﴿يُوبِقْهُنَّ﴾ هو أنَّه يُهلكهن ويدمرهُنَّ فالإيباق يعني الإهلاك من وبَقَ وبقاً بمعنى هلك ويبقُ بمعنى يهلك، وأوبَق بمعنى أهلك، يُقال أوبقته ذنوبُه أي أهلكته، والذنوب الموبِقة أي الذنوب الكبيرة المُفضية لهلاك مرتكبِها، فهي مُوبِقة لأنَّها كانت سبباً في هلاكه، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الكهف: ﴿وجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً﴾(2) أي موضعاً للهلاك أو بمعنى جعلنا بين الشركاء ما يفضي لهلاك وبطلان هذه الشراكة والرابطة، وأياً ما كان فالإيباق يعني الإهلاك.

ومفاد الآية هو أنَّه تعالى إنْ يشأ يُهلك السفن الجارية في البحر بإرسال الرياح العاصفة المُوجبة لإغراقها وإغراق مَن عليها أو بإغراقها بأسبابٍ أخرى، فهو تعالى إن يشأ يهلك السفن الجارية ومن عليها بسبب ما اكتسبه أهلُها: ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ يعني أنَّ الكثير ممَّن يكون على السفن يستحقُّون الإهلاك وفعلوا ما يقتضي معاقبتهم بالإهلاك إلا أنَّ الله تعالى يعفو ويتجاوز، أو أنَّ الكثير ممَّا يكسبه هؤلاء مقتضٍ كل واحدٍ منها للإهلاك ولكنَّه تعالى كثيراً ما يعفو، فإغراقهم بما كسبوا لم يكن هو المقتضي الأول للإهلاك ولكنَّه كان يعفوا كثيراً عنهم.

فقوله تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ يعني يُهلكهنَّ بسبب ما اكتسبوا من ذنوبٍ مقتضية للإهلاك، فالباء سببيَّة، وليس مراد الآية -ظاهراً- أنَّ كلَّ مَن هلكوا بالإغراق كان بسبب ما اكتسبوا بل المراد أنَّ الله لو شاء أنْ يُهلك مَن على السُفن المستحقِّون للإهلاك لأهلكهم بذنوبِهم التي اكتسبوها ولو فعل لكان ذلك بعد أن عفا عن كثير ممَّا يستحقون به الإهلاك أو بعد أنْ عفا عن كثيرٍ ممَّن يستحقُّون الإهلاك بما اكتسبوا.

وربَّما تُشير الآية إلى كلَّ هلاك يُصيب الإنسان فهو مسبَّب عما اكتسبه إلا أنَّه ليس كلَّ ما يفعله ويكسبه مما يستحق به الهلاك يترتب عليه الهلاك وذلك لأنَّ الله تعالى يعفو عن كثير.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

11 / ربيع الأول / 1444ه

8 / أكتوبر / 2022م


1- سورة الشورى / 32-34.

2- الكهف / 52.