الآية التي ذكرت البشارة بالنبيِّ في التوراة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ماهي الآيةُ التي تُصرحُ بأنَّ البشارة بمحمَّد (صلَّى الله عليه وآله) كانت موجودةً في التوراة؟

 

الجواب:

الآيةُ المصرِّحةُ بذلك وردتْ في سورة الأعراف وهي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(1).

 

ويظهرُ ذلك أيضاً من قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾(2) وقوله تعالى من سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(3).

 

وكذلك فإنَّ قوله تعالى من سورة البقرة: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(4) يكشف عن أنَّ اليهود كانوا يذكرون البشارة بمعث النبيِّ الكريم (ص) للمشركين ويقولون لهم إنَّه قد أطلَّ علينا زمانُه وسوف ينصرنا الله به عليكم. فلما بعثه الله تعالى تنكروا له حسداً وبغياً وهو معنى قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ / بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾(5).

 

ويُؤكِّد ذلك ما ورد في معتبرة أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فَقَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَجِدُ فِي كُتُبِهَا أَنَّ مُهَاجَرَ مُحَمَّدٍ ص مَا بَيْنَ عَيْرٍ وأُحُدٍ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَ الْمَوْضِعَ فَمَرُّوا.. وكَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ لَهُمْ أَمَا لَوْ قَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ لَيُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دِيَارِنَا وأَمْوَالِنَا فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ مُحَمَّداً ص آمَنَتْ بِه الأَنْصَارُ وكَفَرَتْ بِه الْيَهُودُ وهُوَ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِه فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكافِرِينَ﴾(6).

 

وكذلك ما ورد في معتبرة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى: ﴿وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِه﴾ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وكَانُوا يَتَوَعَّدُونَ أَهْلَ الأَصْنَامِ بِالنَّبِيِّ (ص) ويَقُولُونَ: لَيَخْرُجَنَّ نَبِيٌّ فَلَيُكَسِّرَنَّ أَصْنَامَكُمْ، ولَيَفْعَلَنَّ بِكُمْ [وَلَيَفْعَلَنَّ] فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّه (ص) كَفَرُوا بِه"(7).

 

وفي معتبرة حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى بقول الله تبارك وتعالى ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ -يعني التورية والإنجيل- يَعْرِفُونَهُ -يعني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)- كَمَا ﴿يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أنزل عليهم في التورية والزبور والإنجيل صفةَ محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله) وصفةَ أصحابِه ومبعثِه وهجرتِه وهو قوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ هذه صفةُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأصحابِه في التورية والإنجيل، فلمَّا بعثه الله عرفَه أهلُ الكتاب كما قال جلَّ جلالُه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجيء النبيِّ: أيُّها العربُ هذا أوانُ نبيٍّ يخرجُ بمكة، ويكون هجرته بالمدينة وهو آخر الأنبياء وأفضلُهم، في عينيه حُمرةٌ، وبين كتفيه خاتمُ النبوَّة، يلبسُ الشملة، ويَجتزي بالكِسرة والتُميرات، ويركبُ الحمار العاري- يعني بلا سرج- وهو الضحوكُ القتَّال، يضعُ سيفَه على عاتقِه، ولا يُبالي بمَن لاقى، يبلغُ سلطانُه منقطعَ الخُفِّ والحافر، وليقتلنَّكم اللهُ به يا معشرَ العرب قتلَ عادٍ، فلمَّا بعثَ اللهُ نبيَّه بهذه الصفة حسَدوه وكفروا به كما قال الله: ﴿وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِه﴾(8).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور 

23 ربيع الأول 1444ه

20 اكتوبر 2022م

-------------------

1- سورة الأعراف / 157.

2- سورة الأنعام / 20.

3- سورة البقرة / 146.

4- سورة البقرة / 89.

5- سورة البقرة / 89-90.

6- الكافي- الكليني- ج8 / ص308.

7- الكافي- الكليني- ج8 / ص310.

8- تفسير القمِّي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص32.