عدَّة الحامل إذا وضعته سقطاً

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تخرج المطلقة الحامل من العدَّة بسقوط جنينها ناقصاً أم يعتبر في خروجها من العدَّة بالوضع أن يكون الجنين تامَّاً حين الوضع به ؟ 

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلاف بين الفقهاء في خروج المطلَّقة الحامل مِن عدَّتها بوضعها لجنينها مطلقاً سواءً كان حيَّاً أو ميتاً وسواءً كان تامَّاً أو كان ناقصاً إذا صدق عليها أنَّها قد وضعت حملها.

دليل انقضاء العدَّة بوضع السقط:

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى إطلاق الآية من سورة الطلاق(1) والروايات التي أفادت أنَّ الحامل تنقضي عدَّتُها بوضع حملها وهو يصدق -عرفاً دون مؤنةٍ- على وضعِه حيَّاً وميِّتاً تامَّ الخلقة أو ناقص الخلقة، يدلُّ عليه مضافاً لذلك موثقة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْحُبْلَى إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَوَضَعَتْ سِقْطاً تَمَّ أَوْ لَمْ يَتِمَّ أَوْ وَضَعَتْه مُضْغَةً؟ قَالَ (ع): كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَتْه يَسْتَبِينُ أَنَّه حَمْلٌ تَمَّ أَوْ لَمْ يَتِمَّ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وإِنْ كَانَتْ مُضْغَةً"(2).

وكذلك هو مؤيَّدٌ بما رواه في دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)، قالوا في حديث: "وأما المطلقة الحامل فأجلها، كما قال الله عزَّ وجلَّ أنْ تضع حملها، وكلُّ شيءٍ وضعته يستبين أنَّه حمل تمَّ أو لم يتم، فقد انقضت به عدَّتُها "(3).

فالمدار بحسب ما أفادته الموثقة وكذلك رواية الدعائم هو تبيُّنُ أنَّ ما وضعته المطلَّقة بعد طلاقها كان حملاً فإنَّ ذلك وحده كافٍ للبناء على خروجها من العدَّة، نعم قد يُستظهر من الموثَّقة أنَّ أقصى ما يصدقُ معه وضعُ الحمل هو أنْ يكون الجنينُ قد بلغ مرحلة المضغة. فإنَّ الظاهر من قوله (ع): "وإِنْ كَانَتْ مُضْغَةً" بيانٌ لأخفى ما يصدقُ معه وضعُ الحمل.

إذا كان ما وضعته علقة:

وبناءً عليه لا يُعدُّ وضع المطلَّقة لمثل العلقة فضلاً عن النطفة مِن وضع الحمل، وبه يتعيَّن على مثل هذه المطلَّقة أن تعتدَّ بالأقراء أو الشهور شأنُها في ذلك شأنُ سائر المطلَّقات من غير ذات الحمل.

إلا أنَّه قد يقال -كما أفاد صاحب العروة(4)- أنَّ التنصيص على المضغة في جواب الإمام (ع) جاء بسبب وقوعه في سؤال السائل أو لأنَّ وضع المضغة ممَّا يحصل به العلم دائماً بأنَّه حملٌ قد تمَّ وضعه وعلى خلاف ذلك العلقة -والتي هي كتلة من الدم- فإنَّه قد لا يحصل العلم بأنَّه حمل ومبدأ لنشوء الآدمي أو أنَّها مجرَّد كتلة دم متخثِّرة قد ألقتها المرأة من رحمها.

وعليه فقول الإمام (ع): "وإِنْ كَانَتْ مُضْغَةً" ليس تقييداً ولا هو بياناً لأقصى ما يصدق به وضع الحمل، فقد يصدق وضع الحمل لأدنى من ذلك، والمدار هو التبيُّن والعلم بأنَّ ما وضعته كان حملاً ومبدأً لنشوء الآدمي، فلو حصل العلم بأنَّ ما وضعته كان علقةً مثلاً فإنَّها تخرج بذلك من العدَّة، نعم لو وقع الشك أنَّه علقة أو أنَّه شيءٌ آخر ففي مثل هذا الفرض لا يُمكن البناء على انقضاء عدَّتها، وذلك للشك في تحقُّق موضوع انقضاء العدَّة وهو وضع الحمل.

وهل يكفي في ذلك الظنُّ أو تشخيص أهل الخبرة بأنَّ ما وقع كان حملاً أو يتعيَّن العلم بأنَّه حمل؟

أمَّا الظن فإنَّه لا يكفي للبناء على أنَّه حمل قد تمَّ وضعه، وأمَّا تشخيص أهل الخبرة فهو حجَّة إنَّ أورث العلم أو الاطمئنان وذلك لصدق التبيُّن المعتبر بحسب ما أفادته الموثقة، وأمَّا إذا لم يحصل العلم أو الاطمئنان من قولهم فإنَّه لا يصحُّ البناء على انقضاء العدَّة بذلك لعدم صدق التبيُّن والذي هو المدار -بحسب الموثقة- لإثبات أنَّ المطلَّقة كانت حاملاً وقد وضعت حملها.  

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

28 / ربيع الثاني / 1444ه

24 / نوفمبر / 2022م

---------------------------- 

1- ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ سورة الطلاق / 4.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص82، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص197.

3- مستدرك الوسائل -النوري- ج15 / ص352.

4- العروة الوثقى -السيد اليزدي- ج6 / ص91.