عدَّة المطلَّقة الحامل من الزنا 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو حبلت المرأةُ المتزوِّجة من الزنا وطلَّقها زوجُها بعد أنْ حبلت فكيف تكون عدَّتها؟

الجواب:

المطلقة الحامل من الزنا تعتدُّ بالأقراء أو الشهور:

مع إحراز أنَّ الحملَ قد تخلَّق من الزنا فإنَّه لا عدَّة عليها من الزنا، وعليه فلو طلَّقها زوجُها فإنَّها تعتدُّ من طلاق زوجِها بالأقراء لو لم ينقطع عنها الحيض بسبب الحمل وإلا فتعتدُّ بالشهور، فتبدأ عدَّتها من بمجرد إيقاع الطلاق بها، فإذا مضت ثلاثةُ شهور من طلاقِه لها فقد أنقضت عدَّتُها من زوجها وإنْ لم تكن قد وضعت حملها من الزنا.

والظاهر أنَّه لم يختلف الفقهاء في ذلك -كما أفاد صاحب الجواهر(1)- وأفاد رحمه الله أنَّ لها أن تتزوَّج بعد انقضاء عدَّتها بالشهور وإنْ كانت حاملاً، وذلك لعدم وجوب العدَّة عليها من وطء الزاني، إذ لا حرمة له ولا لوطئه، والمفترضُ أنَّها قد اعتدَّت من طلاقِ زوجها، نعم ليس لها أنْ تتزوج من الزاني، وذلك للدليل الخاصِّ الذي دلَّ على الحرمة الأبديَّة للزواج من الرجل الذي زنا بها في ظرف كونها ذات بعل.

مستند الحكم باعتدادها بالأقراء أو الشهور:

وأمَّا مستندُ الحكم باعتداد المطلَّقة الحامل من الزنا بالسابق من الأقراء أو الشهور فلأنَّه لا إشكال في وجوب العدّة عليها من طلاق زوجها والعدَّة إنَّما تكون بالأقراء والشهور إلا أنْ تكون حاملاً منه فإنَّها تعتدُّ منه بالوضع، والمفروض في المسألة أنَّها ليست حبلى منه، فالمتعيَّن أنها تعتدُّ منه بالأقراء أو الشهور، والعدَّة تبدأ بإيقاع الطلاق لذلك يبدأ حسابها من حين وقوعه، فلا يُنتظر بها حتى تضع حملها، إذ لا حرمة للوطء الذي تخلَّق منه هذا الحمل، على أنَّه لا خشية من اختلاط الأنساب لإحراز أنَّ الحمل إنَّما هو للزاني فاعتدادُها عن طلاق زوجها بالأقراء أو الشهور محضُ تعبُّدٍ، إذ أنَّ على كلِّ مطلَّقة أنْ تعتدَّ من طلاق زوجها.

استبراء الزانية قبل الزواج منها:

وهنا يذكرُ الفقهاء مسألةً وهي ما لو زنت امرأةٌ غير متزوِّجة وأراد آخرُ أنْ يتزوَّجها في ذات الطهر الذي زنت فيه فهل يصحُّ منه ذلك أو يتعيَّن عليه أن يطلب منها الاعتداد من وطء الزاني؟

المشهور بين الفقهاء هو جواز أنْ يتزوَّجها دون أنْ يستبرأها بحيضة ليتثبَّت من عدم حملها من وطء الزاني وذلك لعدم حرمة وطء الزاني، وفي مقابل ذلك نُسب إلى العلامة في التحرير القول بأنَّه يتعيَّن عليها أن تعتدَّ من وطء الزاني وذلك بأن تتربَّص بحيضة بعد الطهر الذي وقع فيه الزنا وبعده يسوغ له أن يتزوَّجها، وعُلِّل ذلك بالخشية من اختلاط مائه بماء الزاني فلا يُعلم لمَن ينتسب الحمل، وقد تبنَّى ذلك صاحبُ الحدائق(2) واستدلَّ عليه بروايتين:

الاستدلال على وجوب الاستبراء وجوابه:

الأولى: موثقة إسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه: الرَّجُلُ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَبْدُو لَه فِي تَزْوِيجِهَا هَلْ يَحِلُّ لَه ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا هُوَ اجْتَنَبَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِاسْتِبْرَاءِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْفُجُورِ فَلَه أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وإِنَّمَا يَجُوزُ لَه أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ يَقِفَ عَلَى تَوْبَتِهَا"(3).

الثانية: رواية الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) أنَّه سئل عن رجلٍ نكحَ امرأةً على زنا أيحلُّ له أنْ يتزوَّجها؟ فقال يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أنْ تكون قد أحدثتْ مع غيره حدثاً كما أحدثتْ معه ثم يتزوَّج بها إنْ أراد فإنَّما مثلها مثلُ نخلةٍ أكلَ رجلٌ منها حراماً ثم اشتراها فأكلَ منها حلالاً"(4).

فإنَّ المستظهر من الروايتين أنَّه لا يصحُّ الزواج من الزانية ما لم تعتد من وطء الزاني باستبراء رحمها حتى لو كان الذي يريد الزواج منها هو الزاني نفسه فضلاً عن غيره بل أنَّ الرواية الثانية أفادت أن الاستبراء يكون من نطفته ونطفة غيره.

واستدلَّ لذلك أيضاً بما دلَّ على أنَّه إذا التقى الختانان وجب الغسل والمهر والعدَّة وكذلك ما ورد من أنَّ العدَّة إنَّما هي من الماء، فموضوعُ العدَّة بمقتضى هذه الروايات هو التقاء الختانين أو وصول الماء، وهو يشمل بإطلاقه ما وقع من الزاني بحسب الفرض.

وأُجيب عن الاستدلال بالإطلاقات بأنَّها لا تشمل وطء الزاني وماؤه وذلك لما ثبت من عدم الحرمة لوطء الزاني ومائه وأنَّ للعاهر الحجر، ولهذا لم يختلف الفقهاء في عدم حرمة وطء الزوجة على زوجها لو زنت وعدم وجوب استبرائه لها قبل وطئه لها بعد الزنا كما دلَّ على ذلك مثل صحيحة عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: "لا بأس أن يُمسك الرجلُ امرأته إنْ رآها تزني إذا كانت تزني وإنْ لم يقم عليها الحدّ فليس عليه مِن إثمها شي‏ء"(5).

ومِن ذلك يتَّضح أنَّ وجوب العدَّة بالتقاء الختانين لا يشمل الزنا فشأنه شأن المهر فكما لا يجب المهر بالزنا فكذلك لا تجب العدَّة من الزنا.

وأمَّا الاستدلال بالروايتين فجوابُه أنَّ رواية تحف العقول ضعيفة السند بالإرسال وأما موثقة إسحاق فأفأد بعض الأعلام بأنَّها ضعيفة أيضاً بالإرسال فلا اعتبار لها.

إلا أنَّ الصحيح أنَّها وإن كانت ضعيفة من طريق الكليني في الكافي بالإرسال إلا أنَّها موثقة من طريق الشيخ الطوسي في التهذيب(6) وعليه فلا مانعَ من الالتزام بمدلولها والبناء على أنَّه وإنْ لم تجب العدَّة على الزانية من وطء الزاني لو أراد غيرُه الزواج منها إلا أنَّه إذا أراد الزاني نفسُه الزواج منها فإنَّه يتعيَّن عليه استبراء رحمِها من ماء الفجور.

التفصيل بين في وجوب الاستبراء بين الزاني وغيره:

ولعلَّ منشأ الأمر باستبراء الزاني لها لو أراد الزواج منها -كما أفاد السيد الخوئي(7)- هو أنَّه لولم يستبرئها لم يحصل له العلم بأنَّ الولد الذي جاءت به بعد ذلك هل هو من الحلال أو من الحرام، فهو وإن كان من مائه على كلِّ تقدير ولكنَّه لولم يستبرئها فلن يحصل له العلم أنه من الحلال أو من الحرام.

وهذا بخلاف غير الزاني لو أراد التزوُّج منها فإنَّها لو جاءت بولد بعد الزواج منها فإنَّه يكون ولداً له حقيقة أو حكماً لأنَّها ولدته على فراشه، والولد للفراش وللعاهر الحجر. فهو وإنْ لم يكن يُحرز يقيناً أن الولد الذي جاءت به قد تخلَّق من مائه إلا أنَّه على أي تقدير لن يكون للعاهر لأنَّ للعاهر الحجر، فلا أثر للعدَّة في هذا الفرض لأنَّ الولد سيكون ملحقاً به على كل تقدير.

وعلى أيِّ حال فإنَّه لا محيصَ عن العمل بمفاد موثقة إسحاق إلا أنَّ مؤدَّاها لا يقتضي أكثر من وجوب استبراء الزاني لو أراد التزوُّج ممَّن زنا بها، وأما غير الزاني لو أراد التزوُّج منها فإنَّه لا دليل على وجوب استبرائه لها بل الدليل مقتضٍ لعدم الوجوب. نعم الاستبراء هو ما يقتضيه الاحتياط.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

5 / جمادى الأولى / 1444ه

30 / نوفمبر / 2022م

------------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص263.

2- الحدائق الناضرة- الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص397.

3- الكافي -الكليني- ج5/ 356، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج20 / ص434.

4- تحف العقول- الحسن بن علي الحراني- ص 454، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص265.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج20 / ص436.

6- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج7 / ص327. 

7- مباني في شرح العروة الوثقى- السيد الخوئي- ج32 / ص224.