معنى الآية: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما معنى قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾؟

 

الجواب:

وردت هذه الآية في سورة الانشقاق مرتين:

الأولى: عند قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ / وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾(1).

والثانية: عند قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ / وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ / وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾(2).

 

والآياتُ ظاهراً بصدد التَعدادِ لبعض أشراطِ الساعة وأنَّ السماءَ حينذاك سوف تنشقُّ وتتفطَّر ويؤولُ أمرُها إلى التصدُّع بعد أن كانت مُلتئمة. وأنَّ الأرضَ سوف تُمدُّ وتُبسَطُ وتُسوَّى وذلك بعد أنْ يُنسفَ كلُّ ما عليها من جبالٍ وآكامٍ ومبانٍ وأشجار، فلا تجدُ فيها حينذاك عِوجاً ولا أمتا، وعندها تُلقِي الأرضُ ما في باطنها وتتخلَّى منه.

 

وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ فمعناه وأذِنت السماء لربِّها وحُقَّتْ، وفي الموضع الثاني وأذِنتِ الأرضُ لربِّها وحُقَّتْ.

 

ومعنى الإذن في الآية هو الاستماع من أذِن بمعنى سمِع كما في قول قعنب ابن أم صاحب:

صُمٌّ إذا سمِعوا خيراً ذُكرتُ به ** وإنْ ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذِنوا(3)

 

أي إذا ذكرني الناس بمحامد الخصال والفِعال تجاهلوا ذلك فكانَّ بهم صممٌ لا يسمعون، وإذا ذكرني الناسُ بما يسوء فإنَّهم يسمعون، فقوله: "وإنْ ذُكرتُ بسوءٍ عندهم أذِنوا" معناه وإنْ ذُكرتُ بما يسوء فإنَّهم يسمعون.

 

فمعنى الإذن هو السماع وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ أي وسمعتِ السماءُ لربِّها، والمراد من السماع هنا هو الاستجابة كما يُقال سمِع اللهُ لمَن دعاه أي استجاب لمَن دعاه، ويُقال فلانٌ يسمعُ لأوامر أبيه أي أنَّه يَستجيبُ لأوامر أبيه ويُطيعه، فمعنى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾ يعني استجابت لربِّها أو قل سمِعت وأطاعت وانقادت لأمر ربِّها، فالسماءُ قد انشقَّت استجابةً وانقياداً لأمر ربِّها بالانشقاق.

 

وأمَّا معنى قوله تعالى: ﴿وَحُقَّتْ﴾ فهو أنَّها جُعلت حقيقةً وخليقةً وجديرةً بالاستماع والانقياد لربِّها، فهي حقيقةٌ بالاستجابة والانقياد لأنَّ الله تعالى قد كوَّنها كذلك أي قدَّر لها حين خلقها أنْ تكونَ منقادةً لأمرِ ربِّها.

 

فحُقَّ له -بضمِّ الحاء- أن يفعل كذا بمعنى أنَّه حقيقٌ وهو اسم مفعول بمعنى محقوقٌ به فهو محقوق به أن يفعل كذا، وإذا قيل حَقَّ عليه -بفتح الحاء- فهو بمعنى وجب، ولهذا فهو يتعدَّى بحرف الجر "على" فيُقال حَقَّ عليه بمعنى وجَبَ عليه كما في قوله تعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا﴾(4) أي وجبَ علينا ولزِمَنا قولُ ربِّنا، ومنه قوله تعالى: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾(5) أي واجبٌ ولازمٌ عليَّ أنْ لا أقول على الله إلا الحق. فحَق عليه بصيغة الفاعل بمعنى حقيق عليه، وحُق له بصيغة المفعول بمعنى محقوق له أي جُعل حقيقاً وجديراً، وحيث إنَّ الآية جاء الفعل حُق بالرفع ﴿وَحُقَّتْ﴾ لذلك كان معناه أنَّ السماء حُقت جُعلت حقيقة وجديرة بالانقياد وكذلك الآية في الأخرى.

 

وخلاصة القول: معنى قوله تعالى: ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ هو أنَّها سمِعت فاستجابت وانقادت لربَّها وحُقَّ لها أن تستجيبَ أي وجُعلت حقيقةً وجديرةً بالاستجابة والانقياد لربِّها.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

18 / جمادى الأولى / 1444ه

13 / ديسمبر / 2022م

-----------------------------------

1- سورة الانشقاق / 1-2.

2- سورة الانشقاق / 3-5.

3- الصحاح -الجوهري- ج5 / ص2068، لسان العرب -ابن منظور- ج4 / ص434.

4- سورة الصافات / 31.

5- سورة الأعراف / 105.