الخبر المعتبر في مبدأ حساب العدَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

المعروف بين الفقهاء تبعاً للروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أنَّ مبدأ حساب عدَّة الوفاة من حين بلوغ وصول خبر الوفاة للزوجة وليس من حين وقوع الموت، فلو بلغ الزوجة خبرُ الوفاة ولكن من طريقٍ غير معتبر فاعتدَّت بناءً عليه وبعد أنْ أتمَّت الأربعة أشهرٍ وعشرة أيام تزوَّجت ثم تبيَّن صحةُ خبر الوفاة واقعاً وأنَّ زواجها وقع بعد زمان العدَّة فهل يُحكم بصحَّته أو يكون محكوماً بالفساد؟

الجواب:

مبدأ الحساب يكون بالخبر المعتبر:

الوارد في الروايات عن أهل البيت (ع) أنَّ حساب عدَّة الوفاة يبدأ من حين يبلغ الزوجة موتُ زوجها كما في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وتَحْتَه امْرَأَةٌ وهُوَ غَائِبٌ؟ قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَبْلُغُهَا وَفَاتُه"(1) والمستظهَر من عنوان البلوغ هو وصولُ الخبر من طريقٍ معتبر شرعاً كما لو تواتر خبرُ موتِه عندها أو قامت عندها البينة الشرعيَّة بموته، وكذلك لو بلَغها ذلك من خبرٍ واحدٍ ولكنه محتفٌّ بقرائن مفيدة للعلم بل وكذلك لو بلغها نبأ موتِه من خبرٍ واحد واجدٍ لشرائط الحجيَّة بأنْ كان المخبِر به ثقةً مأموناً بناءً على حجيَّة خبر الواحد الثقة في الموضوعات، نعم لو كان الخبر قد جاء من طريقٍ غير معتبر فالظاهر عدم صحَّة ترتيب الأثر على إخباره، وذلك لعدم صدق عنوان البلوغ على مثل هذا الخبر، فإنَّ المستظهَر عرفاً من عنوان البلوغ المأخوذ شرعاً في موضوع مبدأ الحساب هو وصولُ مؤدَّى الخبر من طريقٍ معتبر عند المشرِّع، والخبرُ غيرُ الواجد لشرائط الحجيَّة الشرعية ليس كذلك عند المشرع فيكونُ بمنزلة العدم شرعاً فلا يتحقَّق به عنوان البلوغ.

نعم ورد في صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وبُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) أَنَّه قَالَ: فِي الْغَائِبِ عَنْهَا زَوْجُهَا إِذَا تُوُفِّيَ؟ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ لأَنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْه"(2). فإنَّه قد يُقال إنَّ المأخوذ في مبدأ حساب العدَّة -بحسب الرواية- هو مجيء الخبر للزوجة، وذلك يقتضي صحَّة ترتيب الأثر على مطلق الخبر سواءً جاء من طريقٍ معتبر أو من طريقٍ غير معتبر كما هو مذهب عددٍ من الفقهاء(3) إلا أنَّ الظاهر أنَّ المراد من الخبر هو خصوص المُعتبر، إذ أنَّ حكم الشارع على خبرٍ أنَّه غيرُ معتبرٍ وغيرُ واجدٍ لشرائط الحجيَّة يُساوق الحكم بعدم صحَّة ترتيب الأثرِ عليه، وعليه ففي كلِّ موردٍ رتَّب الشارعُ الأثر على مجيء الخبر فإنَّ المستظهَر من ذلك هو إرادتُه للخبر المعتبرِ عنده.

وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّه لا يصحُّ للزوجة ترتيب الأثر والشروع في العدَّة لمجرَّد مجيء الخبر بالوفاة إذا لم يكن الخبر واجداً لشرائط الحجيَّة، ولهذا لا يجوز لها المبادرة للزواج بعد الأربعة أشهر وعشرة أيام من وصول الخبر غيرِ المعتبر، ولو فعلت لكانت عاصيةً إلا أنَّها لو عصت فتزوَّجت فتبيَّن بعد ذلك أنَّ خبرَ الوفاة الذي تلقَّته من طريقٍ غيرِ معتبر كان مطابقاً للواقع وأنَّ زواجها قد وقع بعد تمام الأربعة أشهرٍ وعشرة أيام من الوفاة فهل يصحُّ نكاحُها أو هو محكوم بالفساد؟

مدرك البناء على صحة العقد لو وقع بعد المدَّة:

ظاهرُ كلمات الأصحاب -كما أفاد صاحب الجواهر(4)- هو الحكم بصحَّة العقد، ولعلَّ منشأُ ذلك هو أنَّ العدَّة المفروضة واقعاً على الزوجة تبدأ من حين الوفاة غايتُه أنَّها مكلَّفة ظاهراً بالاعتداد من حين اطلاعها على خبر الوفاة لأنَّ عليها أنْ تُحِد، وعليه فلو وقع عقد النكاح بعد انتهاء أمد العدَّة الواقعيَّة فإنَّه لا موجبَ لفساده لأنَّه ليس من نكاح ذات العدَّة واقعاً وإنْ كان كذلك ظاهراً.

وبتعبيرٍ آخر: إنَّ الحكم بفساد العقد قبل البلوغ المعتبر ظاهريٌّ وموضوعه -كما هو واضح- الشك وعدم العلم بالوفاة، فإذا تبيَّن وقوعُ العقد بعد انقضاء المدَّة واقعاً فلا يُصار إلى الحكم الظاهري، إذ أنَّ موضوعه الشك وعدم العلم وهو منتفٍ بحسب الفرض.

تماماً كما لو أنَّ المرأة أخطأت في حساب العدَّة فاعتقدت على خلاف الواقع أنَّها ما زالت في العدَّة فإنَّ وظيفتها الظاهرية هي الامتناع من الزواج، فلو أنَّها تزوَّجت فإنَّ عقدها يكون صحيحاً لوقوعه بعد العدَّة واقعاً، نعم هي مأثومة لمخالفتها للوظيفة الظاهرية أو هي متجرية.

وببيان آخر: قد يقال إنَّ المستظهَر من الروايات التي أفادت أنَّ مبدأ حساب عدة الوفاة هو البلوغ لخبر الوفاة المستظهَر من هذه الروايات أنَّ هذا الحكم ظاهريٌّ مجعولٌ في ظرف الجهل بالواقع، وعليه فإنَّ أثره يُصبح منتفياً بعد انكشاف الواقع، وحيثُ إنَّ موضوع فساد العقد هو وقوعه أثناء العدَّة واقعاً والمفروض أنَّه لم يقع أثناءَ العدَّة واقعاً لذلك لم يكن ثمة ما يُوجبُ الفساد للعقد.

 والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / جمادى الثانية / 1444ه

26 / ديسمبر / 2022م

-----------------------------------

1- الكافي -الكليني- ج6 / ص112، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص229.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص112، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص229.

3- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص539.

4- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص375.