إعراب: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ ..﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚوَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾(1).
كلمة ﴿تُنفِقُونَ﴾ وردتْ في الآية الشريفة ثلاث مرَّات مسبوقة بقوله: "وما" إلا أنَّ النون حُذفت في المرَّة الأولى والثالثة ولم تُحذف في الثانية.
أرجو توضيح السبب في الحذف تارةً وعدم الحذف تارةً أخرى. ولكم جزيل الشكر
الجواب:
الفعل المضارع: ﴿تُنفِقُوا﴾ في الاستعمال الأول والثالث مجزوم بحذف حرف النون لأنَّه واقع في موقع فعل الشرط، والجازم للفعل في الاستعمالين هو "ما" الجازمة، وأما الفعل ﴿تُنفِقُونَ﴾ في الاستعمال الثاني فهو مرفوع بثبوت النون، فالفعل تُنفقون من الأفعال الخمسة التي تُرفَع بثبوت النون، وتُجزَم وتُنصَب بحذف حرف النون، وحيثُ إنَّ الفعل تُنفقون في الاستعمال الثاني لم يُسبَق بجازم لذلك فهو على أصل الرفع، فكلمة "ما" التي سبقته نافية وليست جازمة كما هو في الاستعمال الأول والثالث.
وبيان ذلك:
إنَّ قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ﴾ جملة شرطية، فالواو عاطفة و"ما" شرطية جازمة وهي في محلِّ نصب مفعول به مقدَّم للفعل تُنفقوا، و﴿تُنفِقُوا﴾ فعل الشرط مجزوم بحذف حرف النون لأنَّه من الأفعال الخمسة، والواو في ﴿تُنفِقُوا﴾ فاعل، و﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ جارٌ ومجرور في محلِّ نصب على الحال، والفاء أداة ربطٍ لجواب الشرط، واللام في قوله: ﴿فَلِأَنفُسِكُمْ﴾ حرف جرٍّ وأنفس اسم مجرور وهو مضاف وضمير الجمع المخاطَب مضافٌ إليه، والجار والمجرور (لأنفسكم) متعلِّقان بمحذوف خبرٍ لمبتدأ محذوف والتقدير"فهو كائنُ لأنفسكم" وجملة "فهو كائنُ لأنفسكم" جوابُ الشرط في محلِّ جزم.
ومن ذلك يعرف إعراب فقرة: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ فهي جملة شرطية و﴿تُنفِقُوا﴾ فعلٌ مجزومٌ بحذف حرف النون لأنَّه فعل الشرط و﴿يُوَفَّ﴾ فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بحذف حرف العلَّة لأنَّه جواب الشرط.
وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ فهو جملة منفية مصوغة على هيئة النفي والإثبات فكلمة "ما" نافية، و﴿تُنفِقُونَ﴾ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل الفعل ﴿تُنفِقُونَ﴾، وإلا أداة استثناء وحصر لأنَّ الاستثناء بعد النفي إثبات، لذلك فهو مفيدٌ للحصر. وابتغاء مفعولٌ لأجله منصوب، وهو مضافٌ ووجه مضافٌ إليه، وهو مضافٌ ولفظٌ الجلالةِ مضافٌ إليه. ومفادُ الفقرة ليس انفاقكم إلا لأجل وجه الله تعالى.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 / رجب المرجب / 1444ه
26 / يناير / 2023م
1- سورة البقرة / 272.