تفنيد دعوى الفرق بين أزواج النبيِّ (ص) ونسائه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ادعى بعضهم أنَّ نساء النبيِّ (ص) غير زوجات النبيِّ (ص) في الخطاب القرآني فعنوان الزوجات لا يطلق في القرآن -بحسب كلامه- إلا على من كان زواجه منها بأمر الله أو أنَّها قد أنجبت منه ولداً ذكراً أو انثى وأما الفاقدة لكلٍ من الشرطين فهي من نساء النبيِّ (ص) وليست من أزواجه، ورتَّب على ذلك أنَّه ليس كلُّ نساء النبيِّ (ص) أمهات للمؤمنين لأنَّ الله تعالى خصَّ هذا الوصف بأزواج النبي(ص) فقال: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾(1).
وعليه فأمهات المؤمنين -كما يقول- ثلاث: السيدة خديجة لأنَّها أنجبت منه، والسيدة مارية لأنَّها أنجبت منه، والثالثة زينب بن جحش، لأنَّ النبيَّ (ص) قد تزوَّجها بأمر الله لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا﴾(2) وأمَّا بقية نساء النبيِّ (ص) فلسن أمهاتٍ للمؤمنين لأنَّه لا ينطبق عليهنَّ أحد الشرطين.
واستدلَّ على ذلك بقوله: "الزوجات مفردها زوجة، والنساء مفردها امرأة، فالقرآن لا يقول زوجة نوح ولا يقول زوجة لوط، وإنَّما يقول امرأة نوح، وامرأة لوط، ولا يقول زوجة فرعون، وانَّما يقول امرأة فرعون".
واستدلَّ كذلك بقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾(3) فعبَّر عنها زكريا بـ (امرأتي) لأنَّها عاقر، وأمَّا بعد إصلاحها للإنجاب صارت زوجة، قال تعالى: ﴿فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾(4) لاحظ كيف تحوَّلت من امرأته إلى زوجته لأنَّها صالحة للإنجاب ويكون منها الذرية والنسل".
فما هو تعليقكم على ذلك؟
الجواب:
هذا الكلام لا يصح وهو منقوض بالعديد من النقوض:
الأول: من أين علم صاحب المقال أنَّ امرأة نوح لم تُنجب لنبيِّ الله نوح (ع) فلعلَّ ولده -الذي تحدَّث القرآنُ عنه وأنَّه لم يركب مع نوح (ع) في السفينة- كان من امرأة نوح، قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾(5).
وكذلك فإنَّه من غير المعلوم أنَّ امرأة لوط لم تنجب من نبيِّ الله لوط (ع) فلعلَّ بناته التي تحدَّث عنهنَّ القرآن كنَّ من بنات امرأة لوط قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾(6).
وهكذا فإنَّ القرآن وصف زوجة أبي لهب بامرأته قال تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ / وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾(7) وقد كانت لأبي لهب ذرية فلعلَّهم كانوا أو بعضهم من زوجته التي وصفها القرآن بامرأته.
الثاني: الكلام منقوض بقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾(8) فالآية عبَّرت عن زوجة عمران بامرأة عمران، رغم أنَّها كانت حبلى من عمران (ع) وأنجبت له مريم (ع) فلو صحَّ ما زعمَه صاحب المقال لكان المتعيَّن وصفها بزوجة عمران. لكن القرآن وصفها بامرأة عمران.
الثالث: إنَّ القرآن وصف امرأة زيد بالزوجة رغم أنَّها لم تُنجب لزيد قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾(9) فالمخاطَب في الآية هو زيد بن حارثه، وكان النبيُّ (ص) يأمره بإمساك زوجته وعدم تطليقها، فوصفها بالزوجة رغم أنَّها لم تُنجب له، والمفترض بحسب زعم صاحب المقال أنْ يقول له امسك عليك امرأتك.
الرابع: لا إشكال في أنَّ الآيات الأولى من سورة التحريم نزلت في عائشة وحفصة(10) وكلٌّ منهما لم تُنجب للنبيِّ (ص) وقد وصفتهم الآياتُ بالأزواج قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ .. عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾(11).
فالآيات أفادت أنَّ عائشة وحفصة بعض أزواج النبيِّ (ص) رغم أنَّهما لم تنجبا منه (ص) وبحسب دعوى صاحب المقال ينبغي أنْ لا تكونا من أزواجِه، وأنَّ الوصف المناسب لهما هو أنَّهما من نسائه إلا أنَّ الآيات صنَّفتهما ضمن نساء النبيِّ (ص) فهذا نقضٌ آخر على دعوى صاحب المقال.
ثم إنَّ صاحب المقال أقرَّ بأنَّه لا يجوز التزوُّج بنساء النبيِّ(ص) من بعده إلا أنَّه لسنَ جميعاً أمهاتٍ للمؤمنين، لأنَّ أمهات المؤمنين يختصُّ بأزواجه، والتي لم تنجب له -بحسب دعواه- ليست من أزواجه.
إلا أنَّه بناءً على هذه الدعوى لا يكون لديه دليلٌ من القرآن على حرمة الزواج من نساء النبيِّ (ص) لأنَّ القرآن إنَّما نهى عن التزوُّج من أزواج النبيِّ (ص) ولم ينهَ عن التزوج بنسائه قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾(12) فالآية -بحسب دعواه- تكون الآية متصدية لتحريم الزواج من خصوص الثلاث دون غيرهنَّ من نساء النبيِّ (ص) اللاتي لم يُنجبنَ له، ولم يكن الزواج منهنَّ بأمرٍ من الله تعالى.
هذه بعضُ النقوض التي تردُ على دعوى صاحب المقال، وثمةَ أخرى إلا أنَّ فيما ذكرناه غنىً وكفاية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾(13).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
20 / رجب المكرَّم / 1444ه
12 / فبراير / 2023م
1- سورة الأحزاب / 6.
2- سورة الأحزاب / 37.
3- سورة آل عمران / 40.
4- سورة الأنبياء / 90.
5- سورة هود / 42.
6- سورة هود / 78.
7- سورة المسد / 3-4.
8- سورة آل عمران / 35.
9- سورة الأحزاب / 37.
10- تفسير القمي -القمي- ج2 / ص375، صحيح البخاري -البخاري- ج6 / ص70.
11- سورة التحريم / 1-5.
12- سورة الأحزاب / 53.
13- سورة الأحزاب / 70.