مقدار ما يستحقُّه الزوج في المباراة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يحقُّ للزوج أنْ يأخذَ في مقابل الطلاق بالمباراة مقدار تمام الصداق الذي أصدقَه لزوجته أو أنَّ حقَّه يكون دون مقدار الصداق؟

الجواب:

اختلف الفقهاءُ في ذلك بعد التوافق على عدم استحقاق الزوج لما زاد على مقدار الصداق، فذهب المشهور -كما أفاد صاحب الحدائق وصاحب الجواهر(1)- إلى أنَّ للزوج حقَّ المطالبة بمقدار الصداق الذي أصدقه إيَّاها، وفي مقابل مذهب المشهور ذهب جماعةٌ من الفقهاء إلى أنَّه ليس للزوج المطالبة إلا بما دون الصداق، نُسب ذلك لوالد الشيخ الصدوق في الرسالة وكذلك نُسب للمستظهَر من كلام الشيخ الطوسي في النهاية وابن أبي عقيل وابن حمزة(2) وقال الشيخ الصدوق في المقنع: "ولا ينبغي له أنْ يأخذَ منها أكثر من مهرها بل يأخذ منها دون مهرها"(3).

واستُدلَّ لمذهب المشهور بصحيحة أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "الْمُبَارَاةُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا لَكَ مَا عَلَيْكَ واتْرُكْنِي أَوْ تَجْعَلُ لَه مِنْ قِبَلِهَا شَيْئاً فَيَتْرُكُهَا إِلَّا أَنَّه يَقُولُ فَإِنِ ارْتَجَعْتِ فِي شَيْءٍ فَأَنَا أَمْلَكُ بِبُضْعِكِ ولَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إِلَّا الْمَهْرَ فَمَا دُونَه"(4).

فالرواية صريحةٌ في أنَّ للزوج حقَّ الأخذ لمقدار المهر، إلا أنَّه في مقابل هذه الصحيحة وردت صحيحةٌ لزُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: الْمُبَارِئَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا دُونَ الصَّدَاقِ، والْمُخْتَلِعَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا شَاءَ أَوْ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْه مِنْ صَدَاقٍ أَوْ أَكْثَرَ، وإِنَّمَا صَارَتِ الْمُبَارِئَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا دُونَ الْمَهْرِ والْمُخْتَلِعَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا شَاءَ، لأَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ تَعْتَدِي فِي الْكَلَامِ وتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَحِلُّ لَهَا"(5).

فهذه الصحيحة معارضة لمفاد صحيحة أبي بصير، ودعوى أنَّها ساقطة عن الحجيَّة لكونها مقطوعة وغير مسندة إلى الإمام (ع) لا تصحُّ، فإنَّ الرواية مسندةٌ -في الكافي- إلى أبي جعفرٍ الباقر (ع).

هذا وقد ادُّعي أنَّ التعارض بين الصحيحتين ليس مستحكماً وذلك لإمكان الجمع العرفي بينهما، وذلك بحمل صحيحة زرارة على الفضل والاستحباب بمعنى أنَّه يُستحبُّ للزوج أن يقتصر فيما يأخذه على ما دون المهر، فيكون حاصلُ الجمع بين الصحيحتين هو استحقاقَ الزوج الأخذ لمقدار المهر ولكنَّ الأفضل أن يقتصر على ما دون المهر.

إلا أنَّ هذه الدعوى لا تصحُّ فإنَّ التعارض بين الصحيحتين مستحكمٌ ومستقِرٌّ، إذ أنَّ مفاد صحيحة أبي بصير هو استحقاق الزوج للمطالبة بتمام المهر ومفاد صحيحة زرارة هو عدم استحقاق الزوج للمطالبة بتمام المهر، فمفاد كلٍّ من الروايتين منافٍ لمفاد الأخرى، ولهذا يتعيَّن الرجوع لمرجِّحات باب التعارض.

وقد ذكر عددٌ من الأعلام أنَّ الترجيح يكون بجانب صحيحة أبي بصير لموافقتها لما عليه المشهور وتسقط الأخرى عن الحجيَّة إلا أنَّ ذلك إنَّما يصح بناء على أنَّ الشهرة من مرجِّحات باب التعارض، ولم تبلغ الشهرة في جانب صحيحة أبي بصير حدَّاً يكون معه مفاد صحيحة زرارة معرضاً عنها ليقال أنَّ إعراض المشهور مسقِط لحجيتها فيكون التعارض بين الصحيحتين من تعارض الحجَّة مع اللاحجَّة.

ولهذا استند آخرون في البناء على ترجيح صحيحة أبي بصير إلى دعوى كونها موافقة لإطلاق قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾(6) فإنَّ مقتضى إطلاق الآية نفي الجناح والبأس عن أخذ الزوج للفدية سواءً كانت مساوية للمهرِ أو كانت دونه.

إلا أنَّ الظاهر هو عدم صحة الترجيح لصحيحة أبي بصير بالآية الشريفة، إذ أنَّ الإطلاق غيرُ مرادٍ جدَّا من الآية بمقتضى الصحيحتين فهو إمَّا أن يكون مقيَّداً بصحيحة أبي بصير أو هو مقيَّد بصحيحة زرارة، فإطلاق الآية مقيَّد على أي تقدير، فلا يصحُّ الترجيح بإطلاق الآية وذلك لكونه غير مراد من الآية. هذا بناءً على أنَّ يكون متصدِّية لبيان تشريع المباراة وإلا فهي أجنبية عن محل البحث.

فالصحيح هو سقوط الروايتين عن الحجيَّة من جهة مقدار البذل وأنَّه بمقدار الصداق أو دونه ولكنهما حجَّة فيما تقتضيانه من عدم صحة جعل البذل في المباراة أكثر من الصداق. ولهذا لا يجوز له الأخذ لما زاد على مقار الصداق لاقتضاء الصحيحتين لذلك.

وبعد سقوطهما عن الحجيَّة في مورد التعارض يكون المرجع- كما أفاد صاحب الجواهر-(7) هو عموم ما دلَّ على أنَّ الناس مسلَّطون على أموالهم المقتضي لصحة أخذ الزوج لمقدار الصداق إذا تمَّ التوافق على ذلك وقبلت الزوجة بتسليط زوجها على مقدار الصداق من أموالها.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 رجب المكرَّم 1444ه

18 فبراير 2023 م

 -----------------------------------

1-الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص626، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج33 / ص94.

2-مختلف الشيعة -العلامة الحلي- ج7 / ص400، الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص626.

3- المقنع- الصدوق- ص349.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص143، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص288.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص142.

6- سورة البقرة / 229.

7-جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج33 / ص94.