الموضوعات المُستنبَطة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المراد من الموضوعات المستنبَطة هي موضوعات الأحكام التي يكون تشخيصُ مفهومها عرفاً أو شرعاً والتعرُّف على حدودها سعةً وضيقاً بحاجة الى نظرٍ وبرهنة بحيث لا يتيسَّر لكلِّ أحد التعرّف على مفاهيم هذه الموضوعات من تمام الحيثيّات المقتضية لتشخيصها تشخيصاً تاماً، وذلك في مقابل الموضوعات الصِرفة والتي لا يحتاجُ تشخيصها الى برهنةٍ بل هي مِن الوضوح بحيثُ يفهمها كلُّ أحد، وهي عادةً ما تُطلق على الموضوعات المنقّحة في مرتبة سابقة والتي يكون تشخيصُها معتمداً على المدارك الحسيّة ليس أكثر.

مثل تشخيص أنَّ هذا خمر وأنّ ذاك دم حيض أو استحاضة وأنّ هذا من موارد الحرج، وكلّ ذلك إنّما يكون بعد الفراغ عن تنقيح مفهوم الحيض والخمر والحرج وما هي حدودها سعةً وضيقا.

ثمّ إنّ الموضوعات المستنبطة على قسمين:

القسم الأوّل: الموضوعات الشرعيّة المستنبَطة، وهي أيضاً على قسمين:

الأوّل: المخترَعات الشرعيّة مثل الصلاة والصوم والوضوء والغسل والتيمّم، وكلّ موضوعٍ كان تأسيسُه من الشارع.

الثاني: الموضوعات العرفيّة التي تصدّى الشارع لتهذيبها أو إضافة قيود وشروط أو أجزاء لها، مثل السفر والإقامة والوطن الشرعي بناءً على ثبوته والحيض والبلوغ والاستطاعة بناءً على ما هو معروف وغيرها من الموضوعات التي لها مفهوم عرفيٌّ أو لغويٌّ فجاء الشارع فأضاف عليها قيوداً وأجزاء أو الغى عنها قيوداً أو أجزاء.

وقد ذكرنا في بحث « العرف » أنّه ليس للفقيه الاستقلال في تشخيص هذين القسمين من الموضوعات دون مراجعة الشارع. وهنا نشير الى جهة أُخرى وهي أنَّ هذين القسمين من الموضوعات هل للمكلّف الاستقلال في تشخيصهما دون مراجعة المجتهد الجامع للشرائط؟

الظاهر أنّه لم يختلف أحدٌ من الفقهاء في عدم جواز استقلال المكلَّف العاميِّ في تشخيصهما وأنّ هذين القسمين كالأحكام الشرعيّة من جهة لزوم مراجعة الفقيه لغرض التعرّف عليها وأنّ ذلك من شؤون ومناصب الفقيه، وذلك لأنّ الشك فيهما شكٌّ في الحكم الشرعي -كما أفاد السيّد الخوئي رحمه‌ الله- فحينما يشكُّ المكلّف أنّ الصلاة والتي هي متعلّق الوجوب هل هي المشتملة على جلسة الاستراحة أو لا فهذا معناه الشك في وجوب جلسة الاستراحة والذي يكون تحديد الوظيفة الشرعيّة تجاهه من شؤون الفقيه ومناصبه، وهكذا الكلام في سائر الأمثلة المذكورة.

القسم الثاني: الموضوعات العرفيّة أو اللغويَّة المستنبطة، وهي موضوعات الأحكام الشرعيّة التي لم يتصدَّ الشارع لأكثر من بيان حكمها، ومن هنا تكون للعرف المرجعيّة في تشخيص مفهومها ومعرفة حدودها سعةً وضيقا، على أن يكون ذلك محتاجا الى نظرٍ ومتابعة.

فهي إذن الموضوعات التي لها مفهوم محدّد عند العرف أو في اللَّغة إلاّ أنّه لا يتيسر لكلِّ أحد تشخيصها والتعرّف على حدودها، وذلك لافتقار الإحاطة بها الى مجموعة من المقدّمات كالقواعد اللغويَّة والضوابط المقرَّرة عند أهل المحاورة والتي يتوسَّلون بها لغرض التعرّف على مُرادات المتكلّمين من قبيل مناسبات الحكم والموضوع، كما أنّها تفتقر الى معرفة الوسائل التي يصحُّ الاعتماد عليها لغرض الوصول الى حقيقة هذه الموضوعات، أي ماهيّة الوسائل التي يكون الاعتماد عليها معتبراً من الوسائل التي لا تكون معتبرة، ومن هنا يعبّر عن هذه الموضوعات بالمستنبطة وذلك لأنّ الوصول الى حقيقتها يحتاج الى نظر واستنباط.

وهنا يقع البحث عن أنّ تشخيص هذه الموضوعات هل هو من مناصب الفقيه؟ أو أنّه يصحّ للمكلّف الاستقلال عن المجتهد في تشخيصها وإن كان له أنْ يعوِّل على المجتهد ولا يكلّف نفسه أعباء البحث عنها؟ أو أنّ تشخيص المجتهد لهذه الموضوعات لا يكون حجّة على المكلّف ما لم يحصل له الاطمئنان بتشخيصه وإلاّ فهو مُلزم ببذل الجهد لغرض تنقيح هذه الموضوعات؟ فهذه اتّجاهات ثلاثة ذهب السيّد الخوئي رحمه ‌الله الى الأوّل منها بنفس التقريب في القسم الأوّل.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

مقتبس من المعجم الأصولي

للشيخ محمد صنقور