الربيع بن خُثيم المعروف بالخواجة ربيع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم شيخنا الجليل

ما تقولون في ربيع بن خثيم بن عائد بن عبد الله بن موهب بن منقذ الثوري، يُكنى بأبي يزيد الكوفي الملقب بالخواجة ربيع، وكذلك هرثمة بن أعين وكنيته أبو حبيب الملقب بالخواجة مراد؟

 

وماذا تقولون في زيارتهما؟ هل يحصل الزائر على الثواب من زيارتهما؟

 

الجواب:

أمَّا الربيع بن خثيم المعروف بالخواجة ربيع فهو ممن عاصر أمير المؤمنين (ع) وكان يُعدُّ ضمن الزهاد الثمانية(1) والظاهر أنَّه ممَّن بايع أمير المؤمنين (ع) وكان في أصحابه إلا أنَّه وقع الخلاف في مشاركته في حرب صفين، فقيل إنَّه جاهد مع الإمام (ع) في حرب صفين، وقيل إنَّه لم يشارك -وهو الأرجح- بل شكك في شرعية المشاركة واستأذن الإمام (ع) في إعفائه من المشاركة وطلب منه أن يُسيِّره إلى أحد ثغور المسلمين ليُقاتل هناك المشركين فبعثَه أميرُ المؤمنين (ع) ضمن جماعةٍ إلى ثغر الري، ذكر ذلك ابنُ مزاحم المنقري في كتابه وقعة صفين قال: "لمّا ندبَ -أميرُ المؤمنين (ع)- الناسَ إلى حرب معاوية .. وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود، فيهم ربيع بن خثيم، وهم يومئذٍ أربعمائة رجل، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك، ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمَّن يقاتل العدو، فولِّنا بعضَ الثغور نكون به نقاتل عن أهله، فوجَّهه على ثغر الري، فكان أول لواءٍ عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم"(2).

 

وذكر ذلك أيضاً الدينوري في الأخبار الطوال قال: "فأجابه جلُّ الناس إلى المسير- يعني لقتال معاوية في صفين- إلا أصحاب عبد الله بن مسعود، وعبيدة السلماني، والربيع بن خثيم في نحو من أربعمائة رجلٍ من القرَّاء، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد شككنا في هذا القتال، مع معرفتنا فضلك، ولا غنى بك ولا بالمسلمين عمَّن يقاتل المشركين، فولِّنا بعض هذه الثغور لنقاتل عن أهله فولَّاهم ثغر قزوين والري، وولَّى عليهم الربيع بن خُثيم، وعقد له لواء، وكان أول لواء عُقد في الكوفة"(3).

 

وعن روضة الصفا: "إنّ شرذمة من القرّاء من أصحاب ابن مسعود قالوا له (عليه السّلام): إنّا لسنا على بصيرةٍ من قتال أهل القبلة، وذلك عند مسيره إلى صفّين، فلو بعثتَ بنا إلى ثغر؟ فبعث بهم إلى قزوين وأمَّر عليهم الربيع بن خيثم"(4).

 

وُيؤكِّد ذلك ما رواه ابنُ عبد البَرِّ في الاستيعاب بسندٍ عن عليّ بن حشرم قال: قلتُ لوكيع: مَن سلم من الفتنة؟ قال: أمّا المعروفون من أصحاب النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) فأربعة: سعد بن مالك وعبد اللّه بن عمر ومحمّد بن مسلمة وأسامة بن زيد، واختلط سائرهم؛ ولم يشهد أمرهم من التابعين أربعة: الربيع بن خيثم ومسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وأبو عبد الرحمن السلمي(5).

 

أقول: يقصد من قوله: "مَن سلِم من الفتنة" الذين لم يبايعوا الإمام علي (ع) وامتنعوا عن مشاركته في حربه على الناكثين والقاسطين والمارقين.

 

وكذلك ما رواه البلاذري -في فتوح البلدان- بسنده عن اسماعيل بن مرّة الهمداني، قال: قال عليّ (عليه السّلام): مَن كرِه منكم أنْ يُقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم، وكنتُ في النخبة، فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم، ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف. وعن سفيان قال: أغزى عليّ (عليه السّلام) الربيع بن خيثم الثوري الديلم، وعقد له على أربعة آلاف من المسلمين(6).

 

وإذا صحَّ -كما هو الأرجح- تخلُّفُه عن الحرب مع أمير المؤمنين (ع) في صفين لشكِّه في شرعيتها فهو مخذول وقد خاب سعيُه وضلَّ عن طريق الحق، نعم لم يكن الرجل معروفاً بالنُصب والعداء لأهل البيت (ع) بل لعلَّه كان محبَّاً.

 

وأمَّا دعوى أنَّه كان قريباً من أمير المؤمنين (ع) فلا تصحُّ وهي دعوى جزافيَّة غير قابلة للإثبات، وكذلك فإنَّ ما نُسب إلى الإمام الرضا (ع) أنَّه قال: "ما استفدنا من المجيء إلى خراسان، إلا زيارة الخواجة ربيع" فلم تثبت أيضاً كما أفاد السيد الخوئي(رحمه الله)(7)، وكذلك لم تثبت -كما في الأعيان- دعوى أنَّ الإمام الرضا (ع) كان يزور قبره بل المظنون أو المتيقن عدم صحته وأنَّه من المشهورات التي لا أصل لها(8).

 

وخلاصة القول: إنَّ الرجل وإن كان معروفاً بالزهد ولكنَّه كان على غير بصيرة وقد نُسب إليه أنَّه كان يتحاشا تورُّعاً التصريح بذمِّ يزيد وقتلة الحسين (ع) فقد أورد أبو نعيم في حلية الأبرار مسندا عن بلال بن المنذر، قال رجل: إن لم استخرج اليوم سيّئة من الربيع لأحد لم أستخرجها أبدا، فقلت له: يا أبا يزيد! قُتل ابن فاطمة! فاسترجع، وقال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ فقلت: ما تقول؟ فقال: أقول: إلى اللّه إيابهم وعلى اللّه حسابهم"(9).

 

فلو صحَّ هذا الخبر فإنَّ مثل هذا الزهد وهذا الورع اللذين يسوقان الإنسان إلى الامتناع عن ذمِّ قتَلة أولاد الأنبياء لا يكون إلا من الزهد والورع الفاقدين للبصيرة والكاشفين عن سوء السريرة، فإنَّ النفس التي تأبى البراءة من قتلة أولاد الأنبياء وسبط الرسول (ص) بزعم أنَّ ذلك من مقتضيات الورع والتقوى هي نفسٌ منطمسة نعوذ بالله من الخذلان.

 

هذا وقد نقل القاضي النعمان في شرح الأخبار عن أبي نعيم باسناده عن الربيع بن خثيم أنَّه لما انتهى إليه مقتل الحسين (عليه السّلام) وأصحابه قال: لقد قتلوا فتية لو أدركهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأقعدهم في حجره، ووضع فمَه على أفواههم"(10).

 

وهذا الخبر لو صحَّ فإنَّه يؤكِّد أنَّ الرجل لم يكن ناصبياً لكنَّه لا ينافي الخبر السابق.

 

وأمَّا هرثمة بن أعين المعروف بالخواجة مراد فيظهر من كتب المؤرخين أنَّه من أمراء أجناد المأمون العباسي، نعم يظهر من بعض الروايات أنَّه كان محبَّاً للإمام الرضا(ع) وعلى أيِّ تقدير فلم تثبت وثاقة الرجل.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

11 / شعبان المعظم / 1444ه

4 / مارس / 2023م

-----------------------------

1- اختيار معرفة الرجال -الطوسي- ج1 / ص314، خلاصة الأقوال -العلامة الحلي- ص145.

2- وقعة صفين -ابن مزاحم المنقري- ص115.

3- الأخبار الطوال -الدينوري- ص165.

4- قاموس الرجال -التستري- ج6 / ص335.

5- الاستيعاب -ابن عبد البر- ج1 / ص77.

6- فتوح البلدان -البلاذري- ج2 / ص395.

7- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج8 / ص175.

8- لاحظ ما أفاده في أعيان الشيعة -السيد محسن الأمين- ج6 / ص454.

10- شرح الأخبار -القاضي النعمان- ج3 / ص170.