معنى قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قوله تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾(1) ما معنى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾؟

الجواب:

الآيةُ المباركة تُخاطب المؤمنين وتدعوهم إلى المصابرة وعدم الضعف في مواجهة الكفَّار المحاربين، وتُؤكد لهم أنَّ الغلبة في المآل ستكون من نصيبهم لأنَّ الله تعالى معهم ، وأنَّه تعالى لن يُنقصهم مضافاً إلى نصرهم في الدنيا ثوابَ جهادهم.

فمعنى قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ هو أنَّه جلَّ وعلا لن يُنقصكم ثواب وأجر أعمالكم بل سيمنحها لكم يوم القيامة وافيةً غير منقوصة.

فالفعلُ المضارع ﴿يَتِرَكُمْ﴾ من وتَره يترُه وتراً إذا نقصه، ومن ذلك قولهم: فلان وتَرني حقِّي بمعنى نقصني حقي، ويأتي بمعنى ظلمني حقِّي وهو معنىً قريب من المعنى الأول: فيكون بناءً عليه مفاد قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ هو أنَّه تعالى لن يظلمكم أعمالكم بأنْ لا يجازيكم عليها أو ينقصكم شيئاً من أجرها.

وأفاد بعضُهم أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ هو أنَّه لن يُضيِّع أعمالكم فتذهب هدراً دون أن يُجازيكم عليهما، فالمعنى قريبٌ من المعنيين الأولين إلا أنَّ المعنى الأول والثاني أبلغ من المعنى الثالث، لأنَّ المجازاة على العمل بأدون ممَّا هو مستحق لا يكون فيه تضييع للعمل لأنَّه قد جُوزي عليه وإن كان بدون ما هو مستحَق، وإما إذا قيل لن ينقصكم أجور أعمالكم فمفاد ذلك أنَّهم سيُمنحون أجورهم وافية تامَّة وكذلك حينما يقال إنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ هو أنَّه لن يظلمكم فإنَّ مقتضى ذلك أنَّه لن ينقصهم من أجور أعمالهم شيئاً، إذ أنَّه لو أنقصهم فإنَّه يكون قد ظلمهم وهو قد وعدهم أنَّه لن يظلمهم، فنفيُ الظلم يساوقُ نفي الإنقاص بخلاف نفي التضييع فإنَّه لا يُلازم عدم الإنقاص.

احتمال آخر لمعنى الآية:

وعلى أيِّ تقدير فأكثر المفسِّرين أفادوا بأنَّ قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ وعدٌ إلهي بمنح المؤمنين في الآخرة ثوابَ أعمالهم وجهادهم إلا أنَّه يحتمل أنَّ المراد من هذه الفقرة هو الوعد بأنَّه سيمنحهم إذا صبروا ولم يهنوا النصرَ والغلبة فإنَّها ستكون حينذاك الأثر المستحَق لجهادهم ومصابرتهم، فمفاد الآية بناءً على ذلك أنَّه إذا أخذتم بأسباب النصر وصبرتم ولم تهنوا فإنَّكم ستكونون مستحقين على ذلك النصر ولذلك سيمنحكم اللهُ إياه ولن ينقصكم منه شيئاً بل ستُعطَونه وافياً كاملاً غير منقوص. ولعل ممَّا يؤيد هذا الفهم أنَّ الآية بصدد بيان أسباب النصر وهو الذي ينتظره المؤمنون من ربَّهم، ولا يبعد أن يكون كلا المعنيين مرادٌ لهذه الفقرة من الآية المباركة

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

18 / شهر رمضان / 1444ه

9 / ابريل / 2023م


1- سورة محمد / 35.