معنى قوله تعالى: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
قوله تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾(1) ما معنى قوله: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾؟
الجواب:
الآية المباركة من سورة التوبة وهي ظاهراً بصدد التسلية للرسول الكريم (ص) وللمؤمنين بعد تخلُّف جمعٍ من المنافقين عن اللِّحاق بالجيش الذي اعدَّه الرسول (ص) للمصير به إلى تبوك، فمفاد الآية هو أنَّ تخلُّفَهم وعدم انضمامهم للجيش الذي أمر الرسول (ص) بتعبئته أصلحُ للمؤمنين، ذلك لأنَّهم لو خرجوا وانضمُّوا لجيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً أي إفساداً وتخريباً وشراً واضطراباً أو ما زادوكم إلا عناء وكلفةً ومشقة زائدة.
المدلول اللُّغوي لكلمة الخبال:
فالخَبَال في الأَصل هو الفساد، ويكون في الأَفعال والأَبدان والعقول، فيُقال أصاب الثمرَ خبل أي فساد، ومن أَمثال العرب: "عاد غَيْثٌ على ما خَبَل" أَي على ما أَفْسَد، والخَبْل فساد الأَعضاء حتى لا يَدْري كيف يمشي فهو مُتَخَبِّل والخُبْلة الفساد من جراحة أو غيرها، ويقال قد خَبَله وخَبَّله واخْتَبَلَه إِذا أَفْسَد عقلَه أو عضوَه، وقد خَبَله الدهرُ والحزنُ والشيطانُ والحُبُّ والداءُ خَبْلاً أي أفسد عقله ورأيه ، وخَبَل الحُبُّ قلبَه إِذا أَفسده وأخرجه عن صوابه ورشده، والخَبْل والخُبْل والخَبَل والخَبَال مسٌّ من الجنون، ورجل مَخْبُول، وبه خَبَلٌ، وهو مُخَبَّل مُخْتَبَل أي أنَّه اخْتُبِل عقلُه فأصبح مجنوناً أو معتوهاً، ويُقال: به خَبَال أَي مَسٌّ من جنون، فالخبال هو الفساد كلٌّ بحسبه والخابل هو المفسِد، ويُطلق الخبال على النقصان وهو معنىً قريب من الفساد لأنَّ نقصان الشيء عن أداء ما يُنتَظر منه لا يكون إلا عن خللٍ، وهو تعبير آخر عن الفساد(2).
فمفادُ الآية بناءً على ذلك هو أنَّ تخلُّف المنافقين عن اللِّحاق بجيش المسلمين أصلح لهم من لحاقهم بهم، فإنَّهم لو كانوا في جماعة المسلمين ما زادوهم إلا فساداً واضطراباً وتخريباً، وذلك بتثبيطهم وتخذيلهم والكيد بهم وإحداث الفتنة بينهم وهو من الإفساد كما هو واضح.
طبيعة الإفساد المقصود من الآية:
وقد بيَّنت الآيةُ المباركة طبيعة الإفساد الذي سيُحدثه المنافقون لو كانوا في صفوف المسلمين فقال تعالى: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ أي لو كانوا معكم لأسرعوا وسعوا جادِّين في الدخول بينكم لغرض التثبيط والتخذيل والتوهين وإشاعة الأراجيف والنمائم وموجباتِ الحقد والضغينة في صفوف المسلمين، يبغون لهم الفتنة والوقيعة المُنتجة في المآل للوهن والضعف، خصوصاً وأنَّ في صفوف المسلمين سمَّاعون لهم لضعف رأيهم أو ضعف إيمانهم، فخيرٌ للمسلمين أنْ لا يكون المنافقون في صفوفهم لأنَّهم كما قال تعالى: ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا﴾(3) أي أنَّهم لن يقصِّروا وسوف يستفرغونَ وسعهم في إحداث الفساد والاضطراب في صفوف المؤمنين.
الاستثناء متَّصلٌ أو منقطع:
ثم إنَّ الاستثناء في قوله تعالى: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ يكون من الاستثناء المنقطع بناءً على أنَّ مفاد الفقرة هو أنَّهم لو كانوا فيكم ما زادوكم صلاحاً وقوَّةً ومنعة إلا خبالاً وفساداً، فالمُستثنى وهو الخبال ليس من جنس المستثنى منه وهو الصلاح والقوة لذلك فهو من الاستثناء المُنقطع، وبذلك يكون مؤدَّى الاستثناء هو الاستدراك، والتقدير هو أنَّه لو كانوا فيكم ما زادوكم صلاحاً ولكن خبالاً وفساداً، وأمَّا لو كان مفاد الفقرة هو أنَّه لو كانوا فيكم ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً فإنَّ الاستثناء سيكون متَّصلاً لأنَّ الشيء يصدقُ على الخبال وغيره فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه، لذلك فهو استثناءٌ متَّصل، والجملة مفيدةٌ للحصر لأنَّها صيغت على سبيل النفي والاستثناء وهو من صِيغ الحصر، بمعنى أنَّهم لو كانوا في صفوفكم لانحصر أثر حضورهم بينكم في إفساد الأمر عليكم.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
19 / شهر رمضان / 1444ه
10 / ابريل / 2023م
1- سورة التوبة / 47.
2-لاحظ: لسان العرب -ابن منظور- ج11 / ص197، العين -الفراهيدي-ج4 / ص272، النهاية في غريب الحديث والأثر -ابن الأثير- ج2 / ص8، تاج العروس -الزبيدي- ج14 / ص189.
3- سورة آل عمران / 118.