معنى قوله (ص): "أنا وعليٌّ أبوا هذه الأمَّة"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم:

ورد في الحديث الشريف عن الرسول (ص): "أنا وعليٌّ أبوا هذه الأمة"(1) في حين أنَّ القرآن الكريم يقول في سورة الأحزاب: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ..﴾(2) فما تفسير ذلك؟

 

الجواب:

المراد من الأبوَّة في الحديث الشريف هي الأبوَّة المعنويَّة، فالنبيُّ الكريم (ص) والإمامُ عليٌّ (ع) أبوا هذه الأمَّة بمعنى أنَّهما الراعيان لهذه الأمَّة كما يرعى الأبُ النسبيُّ أبناءه، وهما الهاديانِ والمعلِّمان لهذه الأمَّة كما يُعلِّمُ الأبُ النسبيُّ أبناءه ويُرشدُهم إلى ما يُصلحُ شأنهم، وهما أبوا هذه الأمَّة بمعنى أنَّهما أشدُّ الناسِ شفقةً على هذه الأمة تماماً كما يُشفقُ الأبُ النسبيُّ على أبنائه.

 

والنبيُّ (ص) والإمام عليٌّ (ع) أبوا هذه الأمَّة بمعنى أنَّ حقَّهما على هذه الأمَّة كحقِّ الأب النسبيِّ على أبنائه، فكما يحرمُ على الأبناء أنْ يعقُّوا أباهم النسبيَّ كذلك يحرمُ على الأمَّةِ أنْ تعقَّ النبيَّ(ع) والإمامَ عليَّاً (ع) لأنَّهما بمنزلة الأبوين لهذه الأمَّة. وهما أبوا هذه الأمَّة بمعنى أنَّ فضلهما على هذه الأمَّة كفضل الأب النسبي على أبنائه، فكما يجب على الأبناء الرعاية لأبيهم النسبي والإقرار له بالفضل عليهم والعمل بمقتضيات ذلك تجاه أبيهم النسبي كذلك يجب على الأمة الرعاية لفضل النبيِّ (ص) وعليٍّ (ع) عليها والإقرار لهما بالفضل والعمل بمقتضيات هذا الفضل من التبجيل والتقدير والتكريم والمحاذرة من فعل ما يسوؤهما.

 

فالحديثُ الشريف بصدد تنزيل النبيِّ الكريم(ص) والإمامِ عليٍّ (ع) منزلة الأبِ النسبي من حيث الآثار والمقتضيات، فالآثار والمقتضيات لأبوَّتِهما وإنْ كانت أعلى شأناً وألزم شرعاً إلا أنَّه لما كانت هذه الآثار والمقتضيات واضحة للناس تِّجاه الأبِ النسبي لذلك تصدَّى الحديثُ لتنزيل أبوَّة النبيِّ(ص) والإمام (ع) منزلة الأبوَّة النسبية لتقريب المعنى لدى أذهان الناس.

 

هذا وقد تصدَّت بعض الروايات للإشارة إلى المراد من معنى الحديث الشريف:

منها: ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار بسنده أنَّ أمير المؤمنين(ع) قال: ".. إني كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وآله في صلاة صلاها فضربَ بيدِه اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبَها فضمَّها إلى صدرِه ضمَّاً شديداً ثم قال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فلعنَ اللهُ من عقَّنا، قل: آمين، قلتُ: آمين .."(3).

 

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار بسنده علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه، قال: سألت الرضا أبا الحسن (عليه السلام) -إلى قوله- فقال الرضا (ع): إنَّ شفقة النبيِّ (صلى الله عليه وآله) على أمَّته شفقةَ الآباء على الأولاد، وأفضلُ أمَّته عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومن بعده شفقةُ عليٍّ (عليه السلام) عليهم كشفقتِه (صلى الله عليه وآله) لأنَّه وصيُّه وخليفتُه والامامُ بعد، فقال: فلذلك قال (صلَّى الله عليه وآله): أنا وعلي أبوا هذه الأمة، وصعد النبيُّ (صلى الله عليه وآله) المنبرَ فقال: من ترك دينا أو ضياعا فعلي وإلي ومن ترك مالا فلورثته، فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم، وصار أولى بهم منهم بأنفسهم، وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله)"(4).

 

معنى الآية: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ .. 

وأما أبوَّة النبيِّ (ص) المنفية عن كلِّ أحدٍ من رجال هذه الأمَّة فهي الأبوَّة النسبيَّة فمعنى قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾(5)هو أنَّه (ص) ليس أباً نسبياً لأحدٍ من رجال هذه الأمَّة.

 

وهذه الآية جاءت لتصحيح ما تعارف عليه الناس من نسبة زيد بن حارثة إلى النبيِّ (ص) فكانوا يدعونه زيد بن محمد باعتبار أنَّ النبيَّ (ص) كان متبنِّياً له، فكانوا يقولون له زيد بن محمد فجاءت هذه الآية لتنفي أنَّ زيداً ابنٌ نسباً للنبيِّ (ص).

 

وقد تقدَّم في بداية سورة الأحزاب الأمر بأنْ يُدعى كلٌّ أحدٍ باسم أبيه النسبي قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ / ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾(6) بمعنى أنَّ الله تعالى لم يجعل الأبناء بالتبنِّي أبناءً حقيقة، فهو وإن كان يسوغ لكلِّ أحدٍ أنْ يتبنَّى ولد غيره ويرعاه ولكنَّه لا يكون بذلك ابناً حقيقة للمتبنِّي، فنسبته إلى المتبنِّي إنَّما هو شيءٌ تعارفتم عليه وهو على خلاف ما يأمر به الله تعالى فإنَّ ما يأمر به الله تعالى هو أنْ يُنسب الولد لأبيه النسبي ولا يسوغ نسبته إلى من تبنَّاه وقام على رعايته وتربيته.

 

والحاصل أنَّ مفاد قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ هو نفي أنْ يكونَ النبيُّ (ص) أباً نسبياً لأحدٍ من رجال هذه الأمَّة، فالنبيُّ (ص) ليس أباً نسباً لأحدٍ من رجال هذه الأمة، نعم هو أبٌ نسباً للسيِّدة فاطمة (ع) وهي من النساء، وأبناؤه النسبيُّون كالحسن والحسين (ع) ووذريُّتُه المباركة جاءت كلُّها من السيِّدة فاطمة (ع).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

16 / شوال / 1444ه

7 / مايو / 2023م

-------------------------------------

1- كمال الدين وتمام النعمة -الصدوق- ص261، الأمالي -الصدوق- ص65، علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص127، عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص91، 92، الغارات -إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي- ج2 / ص717.

2- سورة الأحزاب / 40.

3- معاني الأخبار -الصدوق- ص118.

4- معاني الأخبار -الصدوق- ص52.

5- سورة الأحزاب / 40.

6- سورة الأحزاب / 4-5.