﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ..﴾ الغرض من تصدير الآية باليوم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

ما معنى اليوم في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ..﴾(1) فهي لم تكن محرمه من قبل؟

الجواب:

المرادُ من اليوم في الآية الشريفة هو وقت نزول الآية، فمعنى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ..﴾ هو إنَّ هذا الوقت قد أحلَّ لكم الطيبات، وأحلَّ لكم طعام الذين أوتوا الكتاب وأحلَّ لكم نكاح الْمُحْصَنَات مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وأما لماذا قالت الآية: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ والحال أنَّ الطيِّبات كانت حلالاً لهم قبل هذا اليوم أي قبل وقت نزول الآية؟

فالجواب: أنَّ الآية أرادت -ظاهراً- من ضمِّ الإخبار عن تحليل الطيبات إلى تحليل طعام أهل الكتاب وتحليل نكاح الكتابيَّات أرادت من ذلك تأكيد الامتنان على المؤمنين، فكأنَّها أرادت القول إنَّه مضافاً إلى تحليلنا الطيبات لكم فقد أحللنا لكم هذا اليوم طعام الذين أوتوا الكتاب والزواج من الكتابيِّات، فيكون ضمُّ الطيِّبات إلى ما استجدَّ تحليلُه للتعبير عن بليغ فضلِ اللهِ وامتنانِه عليهم، وهذا الأسلوب متعارفٌ في المحاورات العرفيَّة، فيُخاطب -مثلاً- الأبُ ابنَه فيقولُ له يوم تزويجه: اليوم ملكتُك البيت وزوجتُك رغم أنَّه كان قد ملَّكه البيت قبل هذا اليوم بزمنٍ ليس بالقصير، والذي وقع منه هذا اليوم هو خصوص التزويج إلا أنَّه أراد من ضمِّ التمليك إلى التزويج تذكيرَه بفضله عليه وأنَّه قد بالغ في الإحسانِ والفضل عليه.

فمفاد قوله: اليوم ملكتُك البيت وزوجتُك هو أنَّه في هذا اليوم قد جمعتُ لك التمليك والتزويج فاحفظ هذا الإحسان الكبير الذي أسديتُه لك، وهذا هو مفاد قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾(2) فإنَّ معناه هو أنَّه قد جمعتُ لكم في هذا اليوم تحليلَ الطيِّباتِ وتحليلَ طعامِ أهل الكتاب وتحليلَ نكاح الكتابيّات فاحفظوا لربِّكم هذا الفضل وهذه النعمة الجزيلة. فبعد أن كانت الطيباتُ هي خصوص ما أبحناهُ لكم فقد جمعنا لكم منذُ هذا اليوم إباحة الطيِّبات وإباحة طعام أهل الكتاب إباحة النكاح للكتابيّات. أو بتعبير آخر قد أتممنا عليكم النعمة في هذا اليوم فجمعنا لكم إباحة الطيِّبات وإباحة طعام أهل الكتاب وإباحة النكاح للكتابيِّات، فإضافة إباحة الطيبات لهذا اليوم رغم أنَّها كانت مباحة من قبل سيقت لغرض التعبير عن أنَّه قد أتممنا لكم النعمة في هذا اليوم فجمعنا لكم فيه إباحة الطيِّبات وإباحة طعام أهل الكتاب وإباحة نكاح الكتابيِّات. 

وجهٌ آخر لتصدير الآية بكلمة اليوم:

وثمة وجهٌ آخر يمكن استقادته من كلمات بعض الأعلام حاصله: أنَّ الغاية من ضمِّ حليَّة الطيبات رغم الجعل لحليَّتها في مرحلةٍ سابقة، الغاية من ذلك هو بعث الاستئناس والطمأنينة في نفوس المؤمنين، فكأنَّ الآية أرادت الإشارة إلى أنَّ منشأ جعل الحليَّة منذُ هذا اليوم لطعام الذين أوتوا الكتاب ولنكاح الكتابيات هو أنَّ ذلك مندرجٌ في الطيبات، وبذلك يزول الاستيحاش من جعل الحليَّة لهما، فلأنَّ المرتكز في أذهان المؤمنين هو حرمة ذلك باعتبار ما يجدونه من تشديد الإسلام على الأمر بمتاركة أهل الكتاب والنهي عن موالاتهم والمحاذرة في التعامل معهم لذلك يكون المنسبق للأذهان هو النهي كذلك عن التناول لطعامهم والتزوُّج منهم، فتصدَّت الآيةُ لإفادة أنَّ النهيَ عن موالاة أهل الكتاب لا يقتضي التحريم لتناول طعامهم ولا يقتضي التحريم لمناكحتهم، وذلك لأنَّ طعامهم ومناكحتهم مندرجٌ في الطيبات، فتصدير الآية بحليَّة الطيبات -رغم أنَّه قد تمَّ الجعل لحليَّتها في مرحلة سابقة- كان لغرض الإشارة إلى أنَّ طعام أهل الكتاب ومناكحتهم مندرجٌ في الطيِّبات، وذلك هو ما يرفع الاستيحاش من جعل الحليَّة لهما بسبب أنَّ أهل الكتاب كفار وقد نهى الشارع عن موالاتهم.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

16 / شوال / 1444ه

7 / مايو / 2023م


1- سورة المائدة / 5.

2- سورة المائدة / 5.