الفرق بين العلم اللدنِّي والعلم الحضوري

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

شيخنا:

هل يوجد فرق بين مصطلحي العلم اللدنِّي والعلم الحضوري؟ بحثت فلم أجد ما يحسم المسألة ووجدتُ البعض لا يميز بينهما

 

الجواب:

العلم اللدنِّي هو العلم المتلقَّى من قبل الله تعالى من طريق الوحي أو من طريق الإلهام الإلهي، ومنشأ التعبير عنه باللدنِّي هو الإشارة إلى ما ورد في قوله تعالى من سورة النمل: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾(1) وقوله تعالى من سورة الكهف: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾(2) فالعلمُ المتلقَّى من لدُنِ الله تعالى من طريق الوحي كما في الآية من سورة النمل أو من طريق الإلهام الإلهي كما في الآية من سورة الكهف هو ما يُسمَّى بالعلم اللدنِّي، فوصفُ هذا العلم باللدنِّي يُراد منه الإشارة إلى مصدر هذا العلم وهو الله جلَّ وعلا، وطريقُه منحصرٌ في الوحي أو الإلهام الإلهي.

 

وأمَّا العلم الحضوري فهو العلم المقابل للعلم الحصولي، والمراد من العلم الحصولي هو العلم بالواقع الخارجي من طريق مُدركات الحس كالسمع والبصر، وذلك مثل العلم بوجود الشمس والقمر والحجر والشجر من طريق حاسَّة البصر، والعلم ببرودة الماء أو حرارته من طريق حاسَّة اللمس والعلم بالرائحة الزكيَّة من طريق حاسَّة الشم وهكذا، فإنَّ جميع الصور الذهنية التي يتم تحصيلها وإدراكها من طريق اتِّصال مُدركات الحسِّ بالواقع الخارجي يُعبَّر عنها بالعلم الحصولي. فالواقع الخارجي لا يحضرُ إلى الذهن بنفسه وإنما ينتزع الذهن صورة عنه من طريق أدوات الحس، وعليه فإنَّ إدراك الواقع الخارجي يكون بواسطة الصور الذهنية التي تم تحصيلُها من طريق أدوات الحس أو قل بتعبيرٍ أدق وأشمل من طريق أدوات المعرفة.

 

فالعلم الحصولي يكون متقوِّماً دائماً بثلاثة أطراف الطرف الأول هو المُدرِك والذي هو الإنسان، والطرفُ الثاني هو المُدرَك والذي هو الواقع الخارجي، والطرفُ الثالث هي الصورة الذهنيَّة للواقع الخارجي والحاصلة في الذهن من طريق أدوات الحس. فلأنَّ الواقع الخارجي لا يحضرُ للذهن بنفسه لذلك يكون معنى إدراكه والعلم به هو حصول صورته في الذهن، فالواقع الخارجي مُدرَكٌ لدى النفس ولكن بواسطة صورته الحاكية له.

 

فكلُّ معلوم ليس حاضراً بنفسه في الذهن وإنَّما بصورته الحاكية له فهو معلومٌ حصولي، فالعلم بوجود النار الخارجيَّة -مثلاً- علمٌ حصولي، لأنَّ هذا المعلوم لا يحضرُ بنفسه في الذهن وإنَّما تحضر صورتُه، ولهذا لا يترتَّب على إدراك وجود النار احتراق المُدرِك لوجودها لأنَّ الاحتراق من آثار الوجود الخارجي للنار وليس من آثار الصورة الذهنية للنار، فالحاضر في النفس والذهن هي الصورة الذهنية للنار وليس الوجود الخارجي للنار.

 

وأمَّا العلم الحضوري فهو حضور المُدرَك بنفسه في ذهن المُدرِك، ومثال ذلك علم الإنسان بذاته وبمشاعره كعلمه بحزنه وابتهاجه وحبِّه وبغضه، فإنَّ المعلوم والمدرَك في النفس هو واقع الحزن وليس صورته، لذلك فالحزنُ معلومٌ بالعلم الحضوري، وكذلك الشعور بالجوع والظمأ والخوف فإنَّها معلومةٌ بالعلم الحضوري وذلك لأنَّها حاضرة بوجودها الواقعي في الذهن أو قل في النفس وليس الحاضر في النفس هي صورتها، فالمُدرَك في العلم الحضوري حاضرٌ بذاته وواقعه في صفحة النفس، وذلك بخلاف العلم الحصولي فإنَّ المُدرَك وهو الواقع الخارجي لا يحضرُ بذاته وواقعه في النفس وإنَّما يحضر بصورته الذهنية أي إنَّ إدراكه يكون بتوسُّط صورته الذهنيَّة.

 

نعم العلم بالصورة الذهنيَّة علمٌ حضوري لأنَّها حاضرة بذاتها في النفس ولكنَّ محكيِّها وهو الواقع الخارجي مُدرَك ومعلوم بالعلم الحصولي، وذلك لأنَّ إدراكه يتمُّ بتوسط الصورة الذهنيَّة، فهو ليس حاضراً بذاته في الذهن وإنَّما هو حاضرٌ بواسطة صورته، فالصورة الذهنيَّة بلحاظ حكايتها للواقع الخارجي تكون علماً حصولياً، وبلحاظ ذاتها معلومةٌ بالعلم الحضوري.

 

وممَّا ذكرناه يتبيَّن أنَّ العلم اللدنِّي قد يكون حضورياً، وقد يكون حصولياً، فإذا كان المعلوم المتلقَّى بالإلهام أو الوحي يحضرُ بذاته وواقعه في نفس المتلقِّي فهو علمٌ حضوري، وإذا كان المعلوم حاضراً بصورته وليس بواقعه العيني فهو علمٌ حصولي.

 

فإذا تلقَّى النبيُّ أو الوليُّ عن الله تعالى أنَّ موسى -مثلاً- كان موجوداً في الزمن الغابر فإنَّ الذي سيحضر في الذهن هو صورة موسى (ع) وليس وجوده العيني لذلك فالعلمُ الحاصل من الوحي أو الإلهام علمٌ حصولي ومن ذلك قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾(3) وإذا كان المتلقَّى بالوحي أو الإلهام هو مثل البصيرة واليقين والحكمة والتقوى فالمتلقَّى في مثل ذلك يحضرُ بذاته في النفس لذلك فهو معلومٌ بالعلم الحضوري.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / ذو القعدة / 1444ه

10 / يونيو / 2023م

-------------------------

1- سورة النمل / 6.

2- سورة الكهف / 65.

3- سورة طه / 99.