هل كان للرضا (ع) أولادٌ غير الجواد (ع)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا

عفوا شيخنا عندي استفسار؛ قال الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في الارشاد: "ومضى الرضا (عليه السلام) ولم يترك ولداً نعلمه إلا ابنه الامام بعده أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام)". وتبعه جمع من العلماء الاعاظم (رض) في ذلك.

ولكن البعض من العلماء كأبي الحسن الاربلي وغيره من العلماء كالفخر في الشجرة المباركة ص٧٧ والذهبي وسبط ابن الجوزي قالوا خلاف ذلك، وأنه (عليه السلام) عنده خلف من الاولاد مع الاختلاف في عدد أولاده فالبعض قال: ستة منهم. واخرون قالوا: خمسة من اولاده. مع الاختلاف في الاسماء ايضاً. والبعض من القائلين بوجود اولاد له (عليه السلام) غير الامام أبي جعفر (عليه السلام)، استشهدوا بصدور أخبار عن ابنة الامام الرضا (عليه السلام) في كتاب العيون. عن فاطمة بنت الامام الرضا (عليه السلام). وأيضاً رواية عن حكيمة ابنة الامام الرضا (عليه السلام) كما في الخرائج والجرائح للراوندي.

السؤال: كيف يتم الجمع بين القولين شيخنا ..؟

الجواب:

الصحيح هو ما أفاده الشيخ المفيد (رحمه الله تعالى) من أنَّ الإمام الرضا (ع) لم يُخلِّف من الذكور سوى الإمام أبي جعفرٍ الجواد (ع)(1).

فقد نصَّت على ذلك العديد من الروايات، وفيها ما هو صحيحُ السند:

منها: ما أورده الكليني في الكافي بسندٍ صحيح عن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى -الأشعري- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (ع) فَنَاظَرَنِي فِي أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا عَلِيٍّ ارْتَفَعَ الشَّكُّ مَا لأَبِي غَيْرِي"(2).

ومنها: ما أورده المسعودي في كتابه إثبات الوصية قال: وروى عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): ".. فادع اللّه أنْ يرزقك ولدا. فقال: إنَّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني. فلمَّا وُلد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهدِه .."(3).

وأورده في عيون المعجزات: عبد الرحمن بن محمد، عن كليم بن عمران قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): ادع الله أنْ يرزقك ولدا، فقال: إنَّما أرزق ولدا واحدا وهو يرثني فلمَّا ولد أبو جعفرٍ (عليه السلام) قال الرضا (عليه السلام) لأصحابه: قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران، فالقِ البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدَّست أم ولدته، قد خُلقت طاهرة مطهَّرة، ثم قال الرضا (عليه السلام): يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهلُ السماء، ويغضبُ اللهُ تعالى على عدوِّه وظالمه، فلا يلبث إلا يسيرا حتى يُعجِّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد، وكان طول ليلته يُناغيه في مهده"(4).

ومنها: ما أورده المسعودي في إثبات الوصية قال: وروى الحميري عن محمد بن عيسى الأشعري عن الأسدي عن أبي خداش عن جنان -حنَّان- بن سدير قال: قلتُ للرضا (عليه السلام): يكون إمام ليس له عقب؟ فقال لي: أما انّه لا يولد لي إلّا واحدُ ولكنَّ اللّه ينشئُ منه ذريّة كثيرة"(5). وأورد هذا الحديث الأربلي في كشف الغمة عن حنان بن سدير وأضاف في ذيله: قال أبو خداش سمعتُ هذا الحديث منذ ثلاثين سنة(6).

هذه الروايات صريحة في أنَّه ليس للإمام الرضا (ع) من الأولاد الذكور سوى الإمام أبي جعفر الجواد (ع) وقد جاءت على لسان الإمامين الرضا والجواد (ع) وفيها ما هو صحيح السند، نعم وردت رواية في قرب الاسناد(7) ظاهرها أنَّ الإمام (ع) قد ولد له ابنان إلا أنَّه لا ظهور لها في أنَّ الابن الثاني قد بقي على قيد الحياة بعد الإمام الرضا(ع) فلا تكون الرواية منافية لصريح ما أفاده الإمام الجواد (ع) في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى والتي أفاد فيها الإمام أبو جعفر (ع) بقوله: يَا أَبَا عَلِيٍّ ارْتَفَعَ الشَّكُّ مَا لأَبِي غَيْرِي" بل إنَّ هذه الصحيحة تصلح دليلاً على أنَّه لو ولد للإمام الرضا (ع) ولد آخر غير الإمام الجواد (ع) فإنَّه يكون قد مات في حياة أبيه. 

وكيف كان فهذه فالروايات التي نقلناها صريحة في أنَّه ليس للإمام الرضا (ع) من الأولاد الذكور سوى الإمام أبي جعفر الجواد (ع) نعم هذه الروايات لا تنفي أن يكون للإمام الرضا (ع) بنت أو أكثر، وعليه فهي غير منافية لما أورده الشيخ الصدوق بسنده عن فاطمة بنت الإمام الرضا (ع)(8) وكذلك ما رواه قطب الدين الراوندي في الخرائج عن حكيمة بنت الإمام الرضا (ع)(9) فالروايات التي ذكرناها إنَّما تنفي أن يكون الإمام الرضا (ع) قد خلَّف من الأولاد الذكور غير الإمام أبي جعفرٍ الجواد (ع).

وأمَّا النقولات التي ذكرت أنَّ للإمام الرضا (ع) أولاداً من الذكور خمسة أو ستة أو اثنين(10) فهي مراسيل لا يصحُّ الاحتجاج بها بعد منافاتها للروايات الواردة عن الإمامين (ع) والمشتملة على ما هو صحيح السند.

على أنَّ ثمة الكثير من الروايات التي تُؤكِّد أنَّ الإمام (ع) لم يُعقِّب في حياة أبيه الإمام موسى بن جعفر (ع) ولم يُعقِّب بعده إلا بعد أنْ تجاوز سنِّ الأربعين بسنين وبذلك كان يتذرع رؤوس فتنة الواقفة في نفي إمامته، وكان الإمام (ع) يُجيبهم بضرسٍ قاطع أنَّه سيُرزق ولداً يكون هو الإمام(11) وكان أصحاب الإمام الرضا (ع) كثيراً ما يسألونه عن العقِب من بعده(12)، فكان يُجيبهم أنَّه سيُرزق ولداً يكون هو الإمام من بعده(13)، فلتكنْ هذه الروايات مؤيِّدة لما دلَّ على أنَّ الإمام (ع) لم يُخلِّف من الأولاد الذكور سوى الإمام أبي جعفر الجواد (ع) وكان قد وُلد له قبل استشهاده بما يقربُ من السبع سنين أو بما يزيدُ على ذلك بقليل. 

والمؤيِّد الآخر أنَّه لا نجد في سيرة الإمام الرضا (ع) ولا في سيرة الأئمة من بعده، ولا في الروايات المأثورة عن أهل البيت (ع) ولا في أسانيدها عينا ولا أثراً لأحدٍ يُقال عنه أنَّه من أبناء الرضا(ع) غير الإمام الجواد (ع) والأعقاب الذين ينحدرون من صلب الإمام الرضا (ع) من طريقه، وعلى خلاف ذلك أبناء الأئمة (ع) الذين سبقوا الإمام الرضا (ع) والذين جاؤوا من بعده.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

29 / ذو القعدة / 1444ه

18 / يونيو / 2023م

------------------------

1- الارشاد -المفيد- ج2 / ص242، إعلام الورى -الطبرسي- ج2 / ص86 قال: "وكان للرضا (عليه السلام) من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علي الجواد" (عليه السلام) لا غير". مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص476 قال: "وولده محمد الامام فقط" الدر النظيم -يوسف بن حاتم الشامي المشغري- ص698 قال: "مضى الرضا (عليه السلام) ولم يترك ولدا إلا أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، وهو الإمام بعده".

2- الكافي -الكليني- ج1 / ص320.

3- اثبات الوصية -المسعودي- ص217.

4- عيون المعجزات -حسين عبد الوهاب- ص108، بحار الأنوار -المجلسي- ج50 / ص15.

5- إثبات الوصية -المسعودي- ص219.

6- كشف الغمة -الأربلي- ج3 / ص95.

7- قرب الاسناد -الحميري- ص377.

8- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص309.

9- الخرائج والجرائح -الراوندي- ج1 / ص372.

10- كشف الغمة في معرفة الأئمة -الأربلي- ج3 / ص60، العدد القوية -على بن يوسف المطهر الحلي- ص294.

11- فمن ذلك ما أورده الكليني في الكافي بسنده عن الْحُسَيْنِ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ كَتَبَ ابْنُ قِيَامَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (ع) كِتَاباً يَقُولُ فِيه كَيْفَ تَكُونُ إِمَاماً ولَيْسَ لَكَ وَلَدٌ فَأَجَابَه أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) شِبْه الْمُغْضَبِ ومَا عَلَّمَكَ أَنَّه لَا يَكُونُ لِي وَلَدٌ واللَّه لَا تَمْضِي الأَيَّامُ واللَّيَالِي حَتَّى يَرْزُقَنِيَ اللَّه وَلَداً ذَكَراً يَفْرُقُ بِه بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ" الكافي -الكليني- ج1 / ص320، ومنه ما أورده الكليني بسنده عن ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى (ع) فَقُلْتُ لَه: أيَكُونُ إِمَامَانِ قَالَ لَا إِلَّا وأَحَدُهُمَا صَامِتٌ فَقُلْتُ لَه: هُوَ ذَا أَنْتَ لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ ولَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَه أَبُو جَعْفَرٍ (ع) بَعْدُ فَقَالَ لِي واللَّه لَيَجْعَلَنَّ اللَّه مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِه الْحَقَّ وأَهْلَه ويَمْحَقُ بِه الْبَاطِلَ وأَهْلَه فَوُلِدَ لَه بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) وكَانَ ابْنُ قِيَامَا وَاقِفِيّاً" الكافي -الكليني- ج1 / ص321.

12- لاحظ مثلاً: كتاب الكافي باب الإشارة والنص على الإمام أبي جعفر الثاني -الكليني- ج1 / ص320، الإرشاد -المفيد- ج2 / ص277.

13- فمن ذلك صحيحة صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (ع): قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّه لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) فَكُنْتَ تَقُولُ يَهَبُ اللَّه لِي غُلَاماً فَقَدْ وَهَبَه اللَّه لَكَ فَأَقَرَّ عُيُونَنَا فَلَا أَرَانَا اللَّه يَوْمَكَ فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ فَأَشَارَ بِيَدِه إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) وهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْه فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ فَقَالَ: ومَا يَضُرُّه مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَامَ عِيسَى (ع) بِالْحُجَّةِ وهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ" الكافي -الكليني- ج1 / ص321.