افتراشُ الحرير والتدثُّرُ به

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز للرجل الصلاة على سجادة إيرانية مصنوعة من الحرير؟

الجواب:

الذي يحرم على الرجل في الصلاة وفي غيرها هو لبس الحرير، وأما الصلاة على الحرير أو الجلوس عليه في الصلاة وفي غيرها وكذلك افتراش الحرير أو التدثر به فهو غير مشمولٍ للحكم بالحرمة.

فإنَّ الذي أفادته الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أنَّ موضوع الحرمة هو لبس الحرير مطلقاً أو الصلاة فيه، والمستظهر عرفاً من الصلاة في الحرير هو لبسُه والاشتمال عليه، وبذلك تكون الروايات قاصرة عن الشمول لمثل الصلاة على الحرير أو الجلوس عليه أو افتراشه والتدثر به.

فعمدة ما يُمكن الاستدلال به على حرمة الصلاة في الحرير وحرمة لبسه مطلقاً هو هذه الروايات:

الأُولى: صحيحة محمد بن عبد الجبار قال: كتبتُ إلى أبي محمدٍ -العسكري- (ع) أسأله هل يصلّى في قلنسوةٍ عليها وبَرُ ما لا يُؤكلُ لحمُه، أو تكّةُ حريرٍ محض أو تكّةٌ من وبَرٍ الأرانب؟ فكتب (ع): "لا تحلُّ الصلاة في الحرير المحض، وإنْ كان الوبَرُ ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إنْ شاء اللَّه تعالى"(1).

الثانية: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ -العسكري- (ع) أَسْأَلُه هَلْ يُصَلَّى فِي قَلَنْسُوَةِ حَرِيرٍ مَحْضٍ أَوْ قَلَنْسُوَةِ دِيبَاجٍ فَكَتَبَ (ع): "لَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِي حَرِيرٍ مَحْضٍ"(2).

الثالثة: صحيحة إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ الأَحْوَصِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) عَنِ الصَّلَاةِ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ؟ فَقَالَ: لَا تُصَلِّ فِيهَا قَالَ: وسَأَلْتُه هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبِ إِبْرِيسَمٍ؟ فَقَالَ: لَا"(3).

الرابعة: صحيحة أبي الحارث -يونس بن عبد الرحمن- قال: سألتُ الرضا (ع) هل يصلي الرجلُ في ثوب إبريسم؟ قال (ع): لا"(4).

فموضوع المنع -المقتضي للحرمة الوضعيَّة- في هذه الروايات، وكذلك غيرها هو الصلاة في الحرير، والمستظهَر من ذلك عرفاً هو لبسه والاشتمال عليه أثناء الصلاة، وعليه فلا تكون هذه الروايات مقتضية للمنع من الصلاة على الحرير، فإنَّه لا يُقال لمَن صلَّى فوق فراشٍ من حرير أنَّه صلَّى في الحرير وإنَّما يُقال إنَّه صلَّى على الحرير، والصلاة على الحرير ليس هو موضوع النهي في الروايات.

الرواية الخامسة: موثقة سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ والدِّيبَاجِ؟ فَقَالَ: "أَمَّا فِي الْحَرْبِ فَلَا بَأْسَ بِه وإِنْ كَانَ فِيه تَمَاثِيلُ"(5).

فمقتضى مفهوم الشرط أنَّ لباس الحرير في غير الحرب فيه بأس، فموضوع البأس الظاهر في الحرمة هو اللباس، فهي قاصرة عن الشمول لمثل الافتراش والتدثُّر وغيرهما من أنحاء الانتفاع بالحرير.

فيكفي لنفي الحرمة عن مثل افتراش الحرير والجلوس عليه والتدثُّر به هو قصور أدلَّة الحرمة عن الشمول لغير اللبس للحرير والاشتمال عليه، هذا مضافاً إلى ما نصَّت عليه صحيحة عليِّ بن جعفر قال: سألتُ أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلَّى الحرير، هل يصلحُ للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: يفترشه ويقومُ عليه، ولا يسجد عليه"(6).

فالرواية شديدة الظهور في جواز افتراش الحرير والقيام عليه للصلاة وغيرها، وأمَّا قوله (ع): "ولا يسجدُ عليه" فهو لأنَّ الحرير ليس ممَّا يصحُّ السجود عليه، إذ أنَّ ما يصحُّ السجود عليه هو الأرض وما أنبتت، والحرير ليس كذلك، فشأنه في عدم صحَّة السجود عليه شأنُ سائر الفرُش المتَّخذة من مثل الصوف والشعر والوبر والجلود.

وهنا لابدُّ من التنبيه على أنَّ المقصود من التدثُّر الذي لا يكون موضوعاً للحرمة -كما أفاد السيد الخوئي-(7) هو مثل الالتحاف وتغطية البدن به، وأما لفُّ البدن به أو جعله رداءً أو الاتزار به فذلك نحو من أنحاء اللبس لذلك فهو مشمول للحرمة فلا يجوز الاتزار أو الارتداء بالحرير في الصلاة وخارجها وكذلك لا يجوز لفُّ البدن به أثناء الصلاة وخارجها.

والحمد لله ربَّ العالين

 

الشيخ محمد صنقور

4 ذو القعدة 1444ه

23 يونيو 2023م

---------------------------

1- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج2 / ص207، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص377.

2- الكافي -الكليني- ج3 / ص399، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص368.

3- الكافي -الكليني- ج3 / ص400، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص368.

4- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج2 / ص208، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص369.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص453، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج4 / ص372.

6- وسائل الشيعة -الحرُّ العاملي- ج4 / ص378.

7- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج12 / ص366.