الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآَنِ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾(1).

 

ما هي هذه الرؤيا التي عنتها الآية المباركة؟ وما هي هذه الشجرة التي وصفتها الآية بالملعونة؟

 

الجواب:

ما أفادته الروايات في تفسير الآية:

لم تتصدَّ الآيةُ المباركة -ولا الآيات التي وقعتْ في سياقها- لبيان ما هي هذه الرؤيا التي أشارت إليها الآية، وكذلك لم تتصدَّ لتحديد المراد من الشجرة الملعونة إلا أنَّ الروايات الواردة من طُرق أهل البيت (ع) وكذلك الروايات الواردة من بعض طُرق العامَّة أفادت أنَّ الرؤيا التي عنتها الآيةُ المباركة هي ما كان قد رآه الرسول الكريم (ص) في المنام من أنَّ رجالاً على صُور القِرَدة يصعدون منبره الشريف وينزلون واحداً تلوَ الآخر فأصاب رسولَ الله (ص) من ذلك همٌّ وغمٌّ شديد، وأنبأه الوحيُ أنَّ تأويلَ هذه الرؤيا هو أنَّ بني أميَّة يملكونَ رقابَ المسلمين ردحاً من الزمن، وأنَّ ذلك بلاءٌ وامتحانٌ تُمتحَنُ به هذه الأمَّة من بعده، وأفادت الرواياتُ أنَّ المقصودين بالشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أميَّة.

 

فمِن الروايات الواردة من طُرقنا ما أورده عليُّ بن إبراهيم في تفسيره مرفوعاً: في قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ قال: "نزلت لما رأى النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في نومِه كأنَّ قروداً تصعدُ منبرَه، فساءَه ذلك وغمَّه غمَّاً شديداً فأنزل اللهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ لهم ليعمهوا فيها ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ كذلك نزلت، وهم بنو أمية"(2).

 

ومنه: ما رواه العيَّاشي في تفسيره عن جرير عمَّن سمع أبا جعفر (عليه السلام): ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ لهم ليعمهوا فيها ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ يعني بني أمية"(3).

 

ومنه: ما رواه العياشي في تفسيره عن الحلبي عن زرارة، وحمران بن أعين، ومحمد بن مسلم، قالوا: سألناه عن قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ..﴾ قال: إنَّ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله) أُُري أنَّ رجالاً على المنابر ويردون الناس ضلَّالاً .. وقوله: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ قال: هم بنو أمية"(4).

 

ومنه: ما ورد في سند الصحيفة السجاديَّة عن أبي عبد الله (ع) قال: إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيه عَنْ جَدِّه عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْه السَّلَامُ): أَنَّ رَسُولَ اللَّه (صَلَّى اللَّه عَلَيْه وآلِه) أَخَذَتْه نَعْسَةٌ وهُوَ عَلَى مِنْبَرِه، فَرَأَى فِي مَنَامِه رِجَالًا يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِه نَزْوَ الْقِرَدَةِ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَعْقَابِهِمُ الْقَهْقَرَى، فَاسْتَوَى رَسُولُ اللَّه (صلَّى الله عليه وآله) جَالِساً والْحُزْنُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِه، فَأَتَاه جِبْرِيلُ (عَلَيْه السَّلَامُ) بِهَذِه الآيَةِ: ﴿وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ونُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً﴾ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ أَعَلَى عَهْدِي يَكُونُونَ وفِي زَمَنِي، قَالَ: لَا .."(5).

 

ومنه: ما رواه العيَّاشي في تفسيره عن قاسم بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "أصبح رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) يوما حاسراً حزيناً، فقيل له: مالَكَ يا رسولَ الله؟!. فقال: إنِّي رأيتُ الليلة صبيان بني أمية يرقون على منبري هذا، فقلتُ: يا ربِّي! معي؟ فقال: لا، ولكن بعدَك"(6).

 

ومنه: ما رواه العياشي في تفسيره عن عبد الرحيم القصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ..﴾ قال: أُرى رجالا .. على المنابر يردُّون الناس عن الصراط القهقرى، قلتُ: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ قال: هم بنو أمية، يقول الله: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾(7).

 

ومنه: ما رواه العياشي في تفسيره عن يونس بن عبد الرحمن الأشل قال: سألتُه عن قول الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ الآية فقال: "إنَّ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله) نام فرأى بنى أميَّة يصدُّون الناس، كلَّما صعدَ منهم رجلٌ رأى رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله الذلَّة والمسكنة، فاستيقظَ جزوعاً من ذلك .. فأتاه جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية .."(8) قوله: "رأى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) الذلَّة" يعني رأى (ص) ما يُصيب الأمةَ من بني أمية وسلطانهم من إذلالٍ وتحقيرٍ وهوانٍ ومسكنة.

 

ومنها: ما أورده جلال الدين السيوطي في الدرِّ المنثور قال: "وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنَّها قالت لمروان بن الحكم: سمعتُ رسول الله (ص) يقول لأبيك وجدِّك: "إنَّكم الشجرةُ الملعونةُ في القرآن"(9).

 

وأورد العيني في كتابه عمدة القاري على شرح صحيح البخاري قال: وروى ابنُ مردويه عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا، مولى عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عائشة قالتْ لمروان: أشهدُ أنَّي سمعتُ رسولَ الله (ص) يقولُ لك ولأبيك ولجدِّك: "إنَّكم الشجرةُ الملعونةُ في القرآن"، وروى ابنُ أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو: "أنَّ الشجرةَ الملعونة في القرآن الحكم بن أبي العاص وولده"(10).

 

ومنها: ما أورد السيوطي في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: رأيتُ ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنَّهم القِردة، وأنزلَ اللهُ في ذلك: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ يعنى الحكَم وولده"(11).

 

ومنها: أورد السيوطي أيضاً في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرَّة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله (ص) أُريتُ بنى أميَّةَ على منابر الأرض وسيتملكونكم فتجدونهم أربابَ سوءٍ، واهتمَّ رسولُ الله (ص) لذلك فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾"(12).

 

ومنها: ما أورده الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن أبي هريرة أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: إنِّي أُريت في منامي كأنَّ بنى الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القِردة قال: فما رُؤى النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) مستجمِعاً ضاحكاً حتى توفي". وعلَّق الحاكم النيسابوري على الحيث بقوله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(13).

 

ومنها: ما أورده أبو يعلى الموصلي في مسنده بسنده عن أبي هريرة أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) "رأى في منامه كأن بنى الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيِّظ فقال: ما لي رأيتُ بنى الحكم ينزون على منبري نزوَ القِردة قال: فما رُؤى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) مستجمِعاً ضاحكاً بعد ذلك حتى مات (صلَّى الله عليه وآله)"(14). وأورده الهيتمي في مجمع الزوائد وعلَّق عليه بقوله: رواه أبو يعلى ورجالُه رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة" (15).

 

ومنها: ما أورده السيوطي أيضاً قال: وأخرج ابنُ مردويه عن الحسين بن علي أنَّ رسول الله (ص): أصبح وهو مهموم فقيل: مالك يا رسولَ الله فقال: "إنِّى أُريتُ في المنام كأنَّ بنى أمية يتعاورونَ منبري هذا، فقيل: يا رسولَ الله لا تهتم فإنَّها دنيا تنالُهم فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾(16).

 

ومنها: ما أورد السيوطي في الدرِّ المنثور قال: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيَّب رضي الله عنه قال: "رأى رسولُ الله (ص) بنى أميَّة على المنابر فساءَه ذلك، فأوحى اللهُ إليه إنَّما هي دنيا أُعطوها فقرَّت عينُه وهي قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾(17).

 

وروى ابنُ الأنباري أنَّ سعيد بن المسيب قال: "رأى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قوماً على منابر، فشقَّ ذلك عليه، وفيه نزل: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ قال: ومعنى قوله: ﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ إلا بلاء للناس"(18).

 

ومنها: ما أخرجه ابنُ جرير عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) بنى فلان ينزون على منبره نزوَ القردة فساءَه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات، وأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾"(19).

 

هذه عدَّةٌ وافرة من الروايات الواردة من طرق الفريقين أفادت أنَّ الرؤيا التي عنتها الآيةُ المباركة هي ما كان قد رآه رسولُ الله (ص) في المنام أنَّ رجالاً على صُور القردة يتعاورون على منبره وأنَّ تأويل هذه الرؤيا هو تسلُّط بني أميَّة ردحاً من الزمن على رقاب المسلمين، وأفادت هذه الروايات أنَّ المقصود من الشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة النسب لبني أميَّة.

 

الرؤيا ليلة الإسراء والشجرة الملعونة شجرة الزقوم:

وفي مقابل ما أفادته هذه الروايات ثمة أقوال لا تعدو كونها اجتهادات متكلَّفة وأهمُّ هذه الأقوال:

القول الأول: منسوب لابن عباس واعتمده الكثيرُ من مفسِّري العامة (20) وحاصله: أنَّ المراد من الرؤيا هو ما رآه النبيُّ (ص) رأيَ عينٍ ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، فالرؤيا في الآية -بحسب هذه الدعوى- ليست رؤيا المنام وإنَّما هي رؤيا عين لأنَّ ما رآه النبيِّ(ص) ليلة الإسراء كان بنحو المعاينة والمشاهدة، وذكروا أنَّ منشأ التعبير عمَّا شاهده ليلة الإسراء بالرؤيا هو أنَّه شاهد ذلك في الليل وحدَّث عنه في النهار فناسب ذلك التعبير عمَّا شاهده بالرؤيا، وذكر بعضُهم أنَّ الرؤيا تُستعمل في المشاهدة العينيَّة، وأمَّا منشأ اعتبار الآية ما شاهده الرسول (ص) ليلة الإسراء فتنة فذكروا أنَّه حيث كان الأمر مستغرباً، إذ كيف لأحدٍ أنْ يقطع مسافة شهرين في ليلة ثم يعود من ليلته لذلك فهو امتحانٌ لإيمان من أسلم في مكَّة، ولهذا ارتدَّ -كما قالوا- بعضُ من أسلم عن دينِه بعد حادثة الإسراء، فلم يُصدِّقوا الرسول (ص) فيما أخبر عنه من الإسراء به إلى بيت المقدس وعودته من ليلته إلى مكَّة.

 

وأمَّا الشجرة الملعونة في القرآن فهي -بحسب هذا القول- شجرة الزقوم الذي ذكرها القرآن في قوله تعالى من سورة الصافات: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ / إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ / إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ / طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾(21) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ / طَعَامُ الْأَثِيمِ / كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ / كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾(22)

 

ومنشأ اعتبارها فتنة -كما قالوا- هو أنَّه كيف لشجرةٍ أنْ تنبتَ في الجحيم ولا تحترق، ولهذا كان المشركون يسخرون فيقولون: يُخبرنا هذا أنَّ في النار شجرة، والنار تأكلُ الشجر حتى لا تدعُ منه شيئا، ويقولون أليس من الكذب أن يتوعَّدكم بنارٍ تحترق فيها الحجارة، ويزعم أنَّه تنبت فيها شجرة، ولهذا كانت شجرة الزقوم فتنة(23)

 

وأمَّا لماذا هي ملعونة فذكروا لذلك وجوهاً فقال بعضهم هي ملعونة لأنَّها مكروهة والعرب تصفُ الطعام المكروه بالملعون، وقال بعضهم إنَّ اللعن بمعنى البُعد عن رحمة الله أو البُعد عن صفات الخير، وحيث إنَّ شجرة الزقوم مبعدة عن رحمة الله وعن صفات الخيرة لذلك ناسب وصفها بالملعونة، وقال بعضهم إنَّ الملعون هو آكلها وهم الكفار، فالتقدير هو الشجرة الملعون آكلها(24)

 

مناقشة القول الأول في تفسير الآية:

والذي يرد على هذا القول:

أولاً: إنَّ إطلاق الرؤيا على ما يراه المشاهِد رأيَ العين خلافُ الظاهر، فإنَّ المستظهَر عرفاً من استعمال كلمة الرؤيا هو ما يراه النائم في المنام، وقد استعمل القرآن كلمة الرؤيا في رؤيا المنام في أكثر من آية، وهي قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ .. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ / قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾(25) وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾(26)

 

وكذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾(27) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾(28) ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾(29).

 

وهكذا هو استعمال كلمة الرؤيا في الأحاديث الشريف كما يتضح ذلك بأدنى ملاحظة، فاستعمال الرؤيا في المشاهدة العينيَّة خلافُ الظاهر جدَّاً، وخلاف المتفاهم العرفي من استعمال هذه الكلمة بهذه الصياغة، ودعوى جواز استعمال كلمة الرؤيا في رؤية العين بلا دليل، ولو صحَّ فإنَّه خلافُ المتعارف من لسان العرب، فلا يُحملُ الكلام عليه دون قرينة بيِّنة.

 

وثانياً: إنَّه بناءً على أنَّ المراد من الرؤيا في الآية ما شاهدهُ النبيُّ (ص) ليلة الإسراء لا يكون ثمة ربطٌ ظاهر بين فقرتي الآية، إذ لا ربطَ بين ما رآهُ ليلة الإسراء وبين شجرة الزقوم. وهو ما يُعزِّز استبعاد الاستظهار المذكور، ويُؤكد أنَّه من التكلُّف غير المبرَّر.

 

وثالثاً: إنَّ القرآن وإنْ كان قد ذكر شجرة الزقوم إلا أنَّه لم يلعنها في شيءٍ من القرآن والحال أنَّ الآية من سورة الإسراء أفادت أنَّ الشجرة ملعونةٌ في القرآن، ودعوى أنَّ الملعون هو آكلها وهم الكفار بلا دليل وخلاف الظاهر إذ أنَّ ظاهر الآية أنَّ الملعونة هي الشجرة ذاتها وليس الآكل لها، وكذلك فإنَّ دعوى أنَّ شجرة الزقوم ملعونة لأنَّها مبعدة من رحمة الله تعالى ومن صفات الخير لا تصح لأنَّه لو صحَّ وصف شجرة الزقوم بالملعونة لمجرَّد أنَّها في النار وأنَّها أعدَّت للعذاب والنقمة وليست للرحمة لو صحَّ ذلك لصحَّ وصفُ نار جهنَّم بالملعونة لأنَّها للعذاب والنقمة وليست للرحمة الإلهيَّة، ولصحَّ -كما أفاد صاحب الميزان(30)- وصف زبانية جهنَّم وملائكة العذاب الذين وصفهم القرآن بالشداد الغلاظ بالملعونين والحال أنَّ الله تعالى وصفهم بأحسن الوصف فقال: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾(31) وكذلك عدَّ القرآنُ أيدي المؤمنين من أسباب العذاب على الكفار، قال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾(32) فهل يصحُّ وصفُ أيدي المؤمنين بالملعونة.

 

وأمَّا دعوى أنَّ منشأ وصف شجرة الزقوم بالملعونة هو أنَّ العرب تصفُ الشيءَ المكروه بالملعون فهو من الاستعمال السوقي الذي يلعنُ من لا ذنب له وهو ما يتنزَّه القرآنُ عن استعماله، فالقرآن وكذلك السنَّة الشريفة والمتشرِّعة يستعملونَ وصفَ الملعون في المغضوب عليه من قبل الله تعالى والمطرود من رحمة الله تعالى، وهذا المعنى لا يناسب شجرة الزقوم التي خلقها الله تعالى لتكون وسيلة لعذاب العصاة والجاحدين لربوبيته.

 

ورابعاً: إنَّ دعوى تعيُّن المراد من الشجرة الملعونة في شجرة الزقوم لأنَّها كانت سبباً في افتتان المشركين حيث لم يتعقلوا أنَّ شجرة تنبتُ في أصل الجحيم ولا تحترق، إنَّ هذه الدعوى منقوضة بالكثير ممَّا تحدَّث عنه القرآن حول النار ممَّا لا يتعقله المشركون، فهو قد تحدَّث مثلاً عن أنَّ طعام أهل النار من الضريع وهو نبات، وتحدَّث عن أنَّ جلودهم وجوارهم تنطقُ فتشهد عليهم، وتحدَّث عن أنَّ أهل النار لا يموتون في النار رغم ما أخبر عنه القرآن من فظيع العذاب فيها وشدة سعيرها وكلُّ ذلك وشبهه لا يتعقله المشركون فليست شجرة الزقوم وحدها التي لا يتعقَّل المشركون وقوعَه وصدقَه.

 

الرؤيا رؤيا دخول مكة والشجرة شجرة الزقوم:

القول الثاني: هو أنَّ الرؤيا التي عنتها الآيةُ المباركة هي ما كان قد رآه رسولُ الله (ص) في المنام من أنَّه ومَن معه من المسلمين سيدخلون مكة معتمرين محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين فأخبر النبيُّ (ص) المسلمين برؤياه، ثم إنَّهم لمَّا أرادوا الدخول صدَّتهم قريش ووقع صلحُ الحديبية(33) وكان ممَّا جاء في الصلح أنَّ المسلمين يرجعون من حيث أتوا على أنْ يعودوا من قابل، فكان ذلك سبباً في افتتان بعضهم وتشكيكم في صدق الرسول (ص) حتى أنَّ بعضَهم جاء للرسول (ص) مستنكراً وقال له: "أوليس كنتَ تُحدِّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟! قال: بلى فأخبرتُك أنَّا نأتيه العام؟! قال: قلت: لا، قال: فإنَّك آتيه ومطوِّفٌ به"(34) كما وعد الله جلَّ وعلا ثم دخلوها في العام القابل، ونزل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾(35) فالرؤيا التي عنتها الآية من سورة الإسراء هي هذه الرؤيا والتي كانت سبباً في افتتان بعض المسلمين، وأمَّا الشجرة الملعونة فهي شجرةُ الزقوم.

 

مناقشة القول الثاني في تفسير الآية: 

والذي يرد على هذا القول:

أولاً: إنَّها دعوى جزافية دون دليل، إذ أنَّ مجرَّد أنَّ هذه الرؤيا قد وقعت للنبيِّ الكريم (ص) لا يقتضي تعيُّن إرادتها من الآية، فلعلَّ المراد من الرؤيا في سورة الإسراء هي غير هذه الرؤيا، فرؤى النبيِّ (ص) في المنام لا تنحصرُ بهذه الرؤيا، فثمة العديدُ من الرؤى تصدَّى النبيُّ (ص) لحكايتها للمسلمين كما أفادت ذلك الأحاديثُ الشريفة المتظافرة الواردة عنه (ص) في طُرق الفريقين، وثمة رؤيا قد أشار إليها القرآن المجيد في قوله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(36) فما هو الموجب لتعيُّن إرادة رؤيا دخول مكة دون غيرها من الرؤى.

 

وثانياً: إنَّ من الواضح أنَّ رؤيا دخول مكة وقعت بعد الهجرة قبل عامٍ من صُلح الحديبيَّة الذي وقع في العام السادس من الهجرة والمعروف أنَّ الآية من سورة الإسراء نزلت في مكة، فبناءً على ذلك يمتنع إرادة الآية من سورة الإسراء رؤيا دخول مكة الشريفة.

 

وثالثاً: لا يكون -بناءً على أنَّ المراد من الرؤيا رؤيا دخول مكة- أيُّ ارتباط بين فقرتي الآية أي بين الرؤيا التي أشارت إليها الآية من سورة الإسراء وبين شجرة الزقوم، إذ أيُّ ربط بين رؤيا النبيِّ (ص) دخول المسلمين لمكة وبين شجرة الزقوم؟!.

 

الطريق في الوقوف على مقصود الآية:

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ الآية مجملةٌ في نفسها، فلا طريق لمعرفة ما هي الرؤيا التي عنتها الآيةُ من سورة الإسراء، وما هو المقصود من الشجرة الملعونة، ولهذا فالمتعيَّن لتحديد المراد من الرؤيا ومن الشجرة الملعونة هو مراجعة ما ورد عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) فهم الأعلم بمقاصد الكتاب المجيد، وقد اتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ الذي ورد عنهم (ع) هو أنَّ الرؤيا التي عنتها الآية الشريفة هي رؤيا النبيِّ (ص) في المنام أنَّ رجالاً على صِوَر القِرَدة يتعاورون على منبره الشريف وأنَّهم من بني أميَّة، وأنَّهم المقصودون من الشجرة الملعونة.

 

وما قد يُقال إنَّ الآية نزلت في مكة ولم يكن للرسول (ص) حينذاك منبر فإنَّه يُقال إنَّ المنبر لم يكن سوى رمزٍ لتسلُّط الأمويون على رقاب المسلمين، على أنَّه لما كانت القضية رؤيا رآها الرسول (ص) في المنام فأيُّ محذورٍ في يُري اللهُ تعالى رسولَه (ص) في المنام المنبرَ الذي سيكون له في مستقبل الأيام والسنين، ويُريه أنَّ جماعة من القِردة يصعدون عليه وينزلون، وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره ما يقرب من هذا الجواب(37).

 

استعمال الشجرة في شجرة النسب:

وأمَّا استعمال كلمة الشجرة فيما يُعبَّر عنه بشجرة النسب -أي استعمال كلمة شجرة في الجماعة المنحدرين من أصلٍ ونسبٍ واحد- فمتعارف في كلام العرب ومن ذلك ما ورد في عيون أخبار الرضا (ع) للصدوق باسناده عن عليٍّ (عليه السلام)، قال: قال: النبيُّ (ص): "الناس من أشجارٍ شتى، وأنا وأنت يا عليُّ من شجرةٍ واحدة"(38).

 

ومن ذلك ما أخرجه الحاكمُ النيسابوري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول لعليٍّ: "يا عليُّ الناسُ من شجرٍ شتَّى وأنا وأنتَ من شجرةٍ واحدة، ثم قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وآله: ﴿وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ﴾" وعلَّق الحاكم على سند الحديث بقوله: هذا حديثٌ صحيح الاسناد ولم يخرجاه"(39).

 

وعليه فالمراد من الشجرة الملعونة في القرآن هم قومٌ ينتمون إلى نسبٍ واحد أو قل هم جماعة منحدرة من أصلٍ ونسبٍ واحد، فمعنى الشجرة الملعونة هي القبيلة الملعونة أو الأسرة الملعونة.

 

ما يقتضيه مساق الآية المباركة:

ثم إنَّ مساق الآية المباركة واضح في أنَّها بصدد الإشارة الإجمالية إلى شأنٍ يقعُ في مستقبل الدعوة فهو من شؤون الغيب حين نزول الآية، وقد عرَّفه اللهُ تعالى تفصيلاً لرسوله (ص) من طريق الوحي بالرؤيا، والمؤشِّرُ على أنَّه من شؤون الغيب هو أنَّ تعريف النبيِّ (ص) تمَّ بواسطة الرؤيا، فالمعرفة التفصيلية بذلك خاصةٌ بالنبيِّ (ص) كما يتضح ذلك من قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ فهو أمر قد تمَّت إراءته للنبيِّ (ص) خاصَّة في المنام، والواضح من مساق الآية أنَّ هذا الأمر المستقبلي يتَّصل بجماعة يكون من شأنهم فتْنُ الناس عن دينهم أو يكون في وجودهم ونشاطهم بلاءٌ وامتحانٌ للناس كما يتَّضح ذلك من قوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ﴾ يعني وما جعلنا الأمر الذي أريناك إيَّاه والجماعة الملعونة التي عرَّفناك على هويتها وطبيعة نشاطها وأثره ما جعلنا ذلك إلا فتنة للناس. فالرؤيا التي رآها الرسول (ص) في المنام تتصلُ بالجماعة الملعونة كما هو الواضح من مساق الآية.

 

فمفادُ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ هو أنَّه قد قلنا لك إنَّ ربَّك أحاط بالناس -بواقعهم ومستقبلهم- علماً وسلطاناً فلا غالب لأمره وما هذه الرؤيا وهذه الجماعة الملعونة التي أريناك إيَّاها في المنام وعرَّفناك بهويتها ونشاطها وما سينشأ عن فعلها إلا فتنة للناس، وأنَّ هؤلاء لن يزيدهم التخويف بالإنذار وبالآيات والانتكاسات المتلاحقة إلا طغياناً وعتواً كبيرا ومعاندةً للحق، فلا تأسَ عليهم، فتلك هي سنَّةُ الله تعالى في عباده، والتي تقتضي ابتلاء العباد بما يفتتنون به ليَهلك مَن هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بينة، فالآية كما هو الواضح مِن مساقها بصدد التسلية للنبيِّ الكريم (ص).

 

تناسب مساق الآية مع مفاد الروايات:

ومن ذلك يتَّضح تناسب مفاد الآية المباركة لمؤدَّى الروايات التي نقلنا شطراً منها، وأنَّ ثمة جماعة ستبتلي بها الأمة في مستقبل الدعوة، نعم لم تتصدَّ الآية لتحديد هويَّة هذه الجماعة بأكثر من مؤشِّرين، الأول أنَّها جماعة تنتمي إلى أصلٍ واحد، وهذا ما يُستفاد من تسميتها بالشجرة، والمؤشِّرُ الثاني أنَّها قد لُعِنت في القرآن، وإذا رجعنا إلى القرآن نجد أنَّه لعن طوائفَ عديدة بعناوينهم ولعَن آخرين بصفاتهم، فلعنَ القرآنُ أهلَ الكتاب، ولعنَ المشركين، ولعنَ المنافقين، والمناسب لمفاد الآية ومساقها هم المنافقون، فإنَّ أهل الكتاب وكذلك المشركين لم يكن لهم تأثير يُذكر بعد رحيل الرسول (ص) وقد أكد القرآن ذلك في آخر سورةٍ نزلت على الرسول (ص) وأفاد بأنَّه لم يعُد للذين كفروا ما يبعثُ على الخشية فقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(40) فالمتعيَّن من هذه الطوائف الملعونة في القرآن هم المنافقون، وليس المقصود من المنافقين هم آحاد المنافقين، فإنَّ هؤلاء مضافاً إلى ضعف تأثيرهم فإنَّه لا يُعبَّرُ عن مثلهم بالشجرة، فإنَّ تعبير الآية عنهم بالشجرة يكشفُ عن أنَّهم جماعة لها فروعٌ وامتداد، وينحدرون من أصلٍ واحد، وهو ما يؤكِّد صحَّة ما أفادته الرواياتُ عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) من أنَّ مراد الآية من الشجرة الملعونة هم بنو أميَّة الذين تسلَّطوا قسراً على رقاب المسلمين ردحاً من الزمن، فكان في تسلُّطهم فتنةٌ شديدة وبلاءٌ عظيم على أمَّة الإسلام وعلى مسارها إلى يوم الناس هذا والله المستعان.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

21 / ذو الحجَّة / 1444ه

10 / يوليو / 2023م

----------------------------

1- سورة الإسراء / 60.

2- تفسير القمِّي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص31. 

3- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص297.

4- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص297، 298.

5- تفسير نور الثقلين -الحويزي- ج5 / ص622.

6- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص298.

7- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص298.

8- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص298.

9- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

10- عمدة القاري على شرح صحيح البخاري -العيني- ج19 / ص30.

11- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

12- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

13- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج4/ ص480.

14- مسند أبي يعلي -أبو يعلى الموصلي- ج11 / ص348.

15- مجمع الزوائد -الهيتمي- ج5 / ص244.

16- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

17- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج4 / ص191.

18- زاد المسير -ابن الجوزي- ج5 / ص40.

19- جامع البيان -ابن جرير الطبري- ج15 / ص141.

20- جامع البيان -ابن جرير الطبري- ج15 / ص137، 141.

21- سور الصافات / 62-65.

22- سورة الدخان / 43-46.

23- جامع البيان -الطبري-ج15 / ص137، 141. ج 17 / ص485، 486.

24- تفسير الرازي -فخر الدين الرازي- ج20 / ص237.

25- سورة الصافات / 102-105.

26- سورة الفتح / 27.

27- سورة يوسف / 5.

28- سورة يوسف / 43.

29- سورة يوسف / 100.

30- الميزان في تفسير القرآن -العلامة السيد الطباطبائي- ج13 / ص137. 

31- سورة التحريم / 6.

32- سورة التوبة / 14.

33- جامع البيان -ابن جرير الطبري- ج15 / ص141.

34- صحيح البخاري -البخاري- ج3 / ص182، تفسير الرازي ج20 / ص237، وفي جامع البيان -الطبري- ج26 / ص139 قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق .. إلى آخر الآية. قال: قال لهم النبي (ص): إني قد رأيت أنكم ستدخلون المسجد الحرام محلقين رؤوسكم ومقصرين فلما نزل بالحديبية ولم يدخل ذلك العام طعن المنافقون في ذلك، فقالوا: أين رؤياه؟ فقال الله لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق فقرأ حتى بلغ ومقصرين لا تخافون إني لم أره يدخلها هذا العام، وليكونن ذلك.

35- سورة الفتح / 27.

36- سورة الأنفال / 43.

37- تفسير الرازي -فخر الدين الرازي- ج20 / ص237.

38- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص68.

39- سورة الرعد / 4، المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج2 / ص241.

40- سورة المائدة / 3.