أخوَّة الرسول (ص) لأمير المؤمنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
قال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع): "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، فيعني ذلك أنَّ رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) إخوة، فكيف تزوَّج أمير المؤمنين (ع) بابنة رسول الله (ص)؟
الجواب:
الأخوَّة المانعة من زواج أحدٍ من ابنة الآخر هي الأخوَّة النسبيَّة، بأنْ يكونا من أبوين أو من أبٍ أو من أمٍّ، ولم تكن الأخوَّةُ بين الرسول الكريم (ص) وبين أمير المؤمنين (ع) كذلك، فهما أبناء عمٍّ، وابنُ العم يجوزُ له الزواج من ابنة ابن عمِّه.
نعم كانت بين رسول الله (ص) وبين أمير المؤمنين (ع) أخوَّةً خاصة معنويَّة، وذلك لأنَّ رسول الله (ص) آخى في مكة بين أصحابه، فجعل بين كلِّ اثنين منهما أخوَّة تقوم على الحقِّ والمواساة، فآخى -كما في بعض الأخبار- بين أبى بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين طلحة والزبير، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة، وبين سعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وقيل بينه وبين صهيب، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة.
وكذلك آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة فآخى -كما في بعض الأخبار- بين أبى الدرداء وسلمان الفارسي، وبين أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وبين أبي أيوب الأنصاري وبلال، وبين أسامة بن زيد وأبي هند الحجَّام، وبين أبي بكر وخارجة بن زيد، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وبين الزبير بن العوَّام وسلمة بن سلامة بن وقش، وبين عثمان بن عفان وأُويس بن ثابت بن المنذر، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب خالد بن زيد، وبين عمار بن ياسر حليف بني مخزوم وحذيفة بن اليمان، وبين أبي ذر وهو جندب بن جنادة الغفاري والمنذر بن عمرو، وبين عويم بن ثعلبة وبلال مؤذن الرسول(ص)(1).
ثم إنَّ الرسول الكريم (ص) اتَّخذ عليَّاً (ع) أخاً لنفسه خاصَّة دون سائر أصحابه في مكَّة وكذلك بعد الهجرة، ففي كلا واقعتي المؤاخاة- في مكَّة وبعد الهجرة- كان الرسول (ص) يختصُّ عليَّاً (ع) دون سائر أصحابه فيتَّخذ منه أخاً لنفسه كما نصَّت على ذلك رواياتُ الفريقين:
منها: ما أورده ابن المغازلي بسنده عن سعد بن حُذيفة عن أبيه حُذيفة بن اليمان قال: آخى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه الأنصار والمهاجرين، فكان يُؤاخِي بين الرجل ونظيره، ثمّ أخذ بيد عليِّ بن أبي طالب فقال: هذا أخي، قال حُذَيفةُ: رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيّدُ المسلمين وإمام المتّقين ورسولُ ربِّ العالمين الّذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعليُّ بن أبي طالب أخَوان"(2).
ومنها: ما أورده الحاكمُ النيسابوري بسنده عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر قال:"إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فقال عليٌّ: يا رسول الله إنَّك قد آخيتَ بين أصحابِك فمَن أخي؟ قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ترضى يا عليُّ أنْ أكون أخاك -قال ابن عمر وكان عليٌّ جلداً شجاعاً- فقال عليٌّ: بلى يا رسول الله، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله: أنتَ أخي في الدنيا والآخرة"(3).
منها: ما أورده ابنُ هشام الحميري في السيرة النبويَّة قال: قال ابنُ إسحاق: وآخى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال -فيما بلغنا، ونعوذُ بالله أنْ نقول عليه ما لم يقُل-: تآخوا في الله أخوينِ أخوين، أخذ بيدِ عليِّ بن أبي طالب، فقال: هذا أخي، فكان رسولُ الله (ص) سيد المرسلين .. وعليُّ بن أبي طالب (ع) أخوين .."(4).
ومنها: ما أورده الحاكم النيسابوري بسنده عن عبد الله بن عمر قال: لمَّا ورد رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة آخى بين أصحابه، فجاء علي تدمعُ عيناه فقال: يا رسول الله آخيتَ بين أصحابك ولم تواخِ بيني وبين أحدٍ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله: يا عليُّ أنت أخي في الدنيا والآخرة" قال الحاكم: تابعه سالم بن أبي حفصة عن جميع بزيادة في السياق"(5).
وأورده أحمد بن عبد الله الطبري في ذخائر العقبى وقال: أخرجه الترمذي وقال حديثٌ حسن، وأخرجه البغوي في المصابيح في الحسان"(6).
ومنها: ما أخرجه أحمد بن حنبل في الفضائل -المناقب- بسنده عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جدِّه: "أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين الناس وترك عليَّاً حتى بقيَ آخرهم لا يرى له أخاً، فقال: يا رسولَ الله آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: ولِمَ تراني تركتُك؟ إنَّما تركتُك لنفسي، أنتَ أخي وأنا أخوك، فإنْ ذاكرك أحدٌ فقل: أنا عبدُ الله وأخو رسولِه لا يدَّعيها بعدي إلا كذَّاب"(7) وأورده المحب الطبري في الرياض وقال: خرَّجه أحمد في المناقب(8).
ومنها: ما أخرجه في سُنن ابن ماجه بسنده عباد بن عبد الله قال: قال عليٌّ: أنا عبد الله، وأخو رسولِه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا الصدِّيقُ الأكبر، لا يقولُها بعدي إلا كذَّاب، صليتُ قبل الناس لسبعِ سنين". في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجالُه ثقات. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال. وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين".(9) أقول وأضاف في ذيل الحديث: صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة"(10).
منها: ما رواه أحمد بن حنبل في الفضائل -المناقب- بسنده سعيد بن المسيب، أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين أصحابه، فبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر، وعمر، وعلي، فآخى بين أبي بكر وعمر، وقال لعلي: "أنتَ أخي، وأنا أخوك"(11).
وأخرجه الدارقطني عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: "إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين أصحابه، فبقي هو وأبو بكر، وعمر، وعلي، فآخى بين أبي بكر وعمر، وقال لعليٍّ: أنتَ أخي وأنا أخوك، ولكنْ لا نبوَّة "(12).
وأخرج ابن عساكر بسنده مطر بن ميمون المحاربي عن أنس بن مالك قال: سمعتُه يقول: آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين المسلمين فقال لعليٍّ أنتَ أخي وأنا أخوك .. وآخى بين المسلمين جميعا"(13).
منها: ما رواه أحمد بن حنبل في الفضائل -المناقب- بسنده عن زيد بن أبي أوفى قال: دخلتُ على رسول الله (ص) مسجده، فذكر قصَّة مؤاخاة رسول الله (ص) بين أصحابه، فقال عليٌّ، يعني للنبيِّ (ص): لقد ذهبتْ روحي، وانقطعتْ ظهري حين رأيتُك فعلتَ بأصحابك ما فعلتَ غيري، فإن كان هذا من سخطٍ عليَّ فلك العُتبى والكرامة، فقال رسولُ الله (ص): "والذي بعثني بالحقِّ ما أخرتُك إلا لنفسي، فأنت منِّي بمنزلة هارونَ من موسى، إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي، وأنت أخي ووارثي" قال: وما أرثُ منكَ يا رسول الله؟ قال: "ما ورِثَ الأنبياءُ قبلي" قال: وما ورثَ الأنبياءُ قبلك؟ قال: "كتاب الله، وسنََّة نبيِّهم، وأنت معي في قصرٍ في الجنَّة، مع فاطمةَ ابنتي، وأنتَ أخي ورفيقي، ثم تلا رسولُ الله (ص): ﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ المتحابُّون في الله ينظرُ بعضُهم إلى بعض"(14).
والروايات في ذلك من طرق العامة فضلاً عن طرقنا كثيرةٌ لا يسعُنا استقصاءها في المقام إلا أنَّ فيما نفلناه غنىً وكفاية.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
27 / ذو الحجة / 1444ه
16 / يوليو / 2023م
1- لاحظ مثلاً: الرياض النضرة -المحب الطبري- ج1 / ص28، السيرة النبوية -ابن هشام الحميري- ج2 / ص351، 352، اسد الغابة ج2 / ص221.
2- مناقب علي بن أبي طالب -علي بن محمد بن محمد بن الطيب بن أبي يعلى بن الجلابي، أبو الحسن الواسطي المالكي، المعروف بابن المغازلي (المتوفى: 483ه)- ص54، مناقب علي بن أبي طالب (ع) وما نزل من القرآن في علي (ع) -أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني- ت410 ص100.
3- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3/ 14، الكتاب: مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) -محمد بن سليمان الكوفي ت 300- ج1 / ص306، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص96، مناقب علي بن أبي طالب -ابن مردويه- ص101.
4- السيرة النبويَّة -ابن هشام الحميري- ج2 / ص351.
5- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص14، سنن الترمذي ج5 / ص300.
6- ذخائر العقبى -أحمد بن عبد الله الطبري- ص66.
7- فضائل الصحابة -أحمد بن حنبل- ص617.
8- الرياض النضرة -المحب الطبري- ج3 / ص125، ذخائر العقبى -أحمد بن عبد الله الطبري- ص66.
9- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص44، السنن الكبرى -النسائي- ج5 / ص107، المصنف -ابن أبي شيبة- ج7 / ص498، السنة- ابن أبي عاصم - ص584، خصائص أمير المؤمنين (ع)- النسائي- ص87، مسند أبي حنيفة -أبو نعيم الأصبهاني- ص211، الدرر -ابن عبد البر- ص91.
10- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص112.
11- فضائل الصحابة -أحمد بن حنبل- ص 275.
12- العلل الواردة في الأحاديث النبويَّة -الدارقطني- ج9 / ص205
13- تاريخ مدينة دمشق ج 42 / ص52، ذيل تاريخ بغداد -ابن النجار البغدادي- ج5 / ص89.
14- سورة الحجر، فضائل الصحابة -أحمد بن حنبل- ص638. المعجم الكبير -الطبراني- ج5 / ص220، التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة -أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة (المتوفى: 279ه)- ج2 / ص673.