قراءة ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بالتخفيف أو التشديد؟ 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾(1).

 

ورد في الرواية عن أبي عبد الله (ع) أنَّ قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بالتشديد فما مدى صحة هذه الرواية؟

 

الجواب:

هذا من الاختلاف في القراءة التي لا تمسُّ بجوهر القرآن ولا يُوجب قبولها البناء على تحريفه، فهي من قبيل الاختلاف في قراءة قوله تعالى: ﴿ولَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾(2) فإنَّها قُرئت عند بعضِهم بتخفيف الطاء وضمِّ الهاء، وقُرئت عن آخرين بتشديد الطاء وفتح الهاء هكذا: "يَطَّهَرْنَ" (3).

 

فالمُحرَز قرآنيتُه بالتواتر في موارد اختلاف القراءة هو الآياتُ بألفاظها وتراكيبها دون قراءتِها، نعم في موارد عدم الاختلاف في القراءة كما هو الغالب في الآيات يكون المُحرَز قرآنيتُه بالتواتر هو المجموع من الألفاظ والتراكيب والقراءة.

 

وعلى أيِّ تقدير فلم يثبت عن أهل البيت (ع) أنَّ قراءة: ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بتشديد اللام في ﴿مُسْلِمُونَ﴾ فالوراد في ذلك هو مرسلة الطبرسي في مجمع البيان قال: ورُوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ﴿وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بالتشديد" ومعناه: مستسلمون لما أتى به النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، منقادون له(4).

 

فالرواية مرسلة لم يذكر لها الشيخ الطبرسي سنداً لذلك، فهي فاقدة للاعتبار فلا تصحُّ القراءة بالتشديد استناداً إليها. 

 

وكذلك وردت هذه القراءة - أي بالتشديد - في تفسير العياشي عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأول الإمام موسى بن جعفر (ع) كيف تقرأ هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ماذا؟ قلتُ: مسلمون فقال: سبحان الله يوقع عليهم الإيمان فيسمِّيهم مؤمنين ثم يسألُهم الاسلام، والإيمان فوق الاسلام؟ قلتُ: هكذا يُقرأ في قراءة زيد قال: إنَّما هي في قراءة عليٍّ (ع) وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِّمُونَ﴾ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم الإمام من بعده"(5).

 

وهذه الرواية كذلك مرسلة، إذ لم يذكر العيَّاشي (رحمه الله) طريقه إلى الحسين بن خالد، فهي فاقدة للاعتبار أيضاً، وعليه فلم يثبت بطريقٍ معتبر عن أهل البيت (ع) أنَّ قراءة: ﴿إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ بتشديد اللام في كلمة ﴿مُسْلِمُونَ﴾.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

28 / محرم الحرام / 1445ه

16 / أغسطس / 2023م

--------------------------

1- سورة آل عمران / 102.

2- سورة البقرة / 222.

3- لاحظ: تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج2 / ص85 قال: قرأ أهل الكوفة غير حفص: (حتى يطهرن) بتشديد الطاء والهاء. والباقون بالتخفيف، جامع البيان -الطبري- ج2 / ص523 قال: اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعضُهم: حتى يطهرن بضم الهاء وتخفيفها، وقرأه آخرون بتشديد الهاء وفتحها.

4- تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج2 / ص356.

5- تفسير العياشي -العياشي- ج1 / ص193.