قراءة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما مدى صحَّة الرواية عن ابن سنان أنَّه عندما قرأ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾(1) كنتم أمام الإمام الصادق (ع) أخبره الإمام أنَّ القراءة الصحيحة: "كنتم خير أئمة أخرجت للناس"؟

الجواب:

الرواية المشار إليها أوردها القمِّي في تفسيره قال: وحدَّثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان قال قرأتُ عند أبي عبد الله عليه السلام: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ فقال أبو عبد الله عليه السلام: "خير أمة " يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام؟! فقال القاري جُعلت فداك كيف نزلت؟ قال: نزلتْ كنتم خيرَ أئمةٍ أُخرجت للناس ألا ترى مدحَ اللهِ لهم: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾"(2).

الرواية معتبرة من حيثُ السند إلا أنَّه يتعيَّن تأويلُها بأنْ يُقال إنَّ المقصود منها هو بيان المراد من الأمَّة في الآية، فالمراد من الأمَّة - بحسب الرواية - هم الأئمة، فقوله: نزلتْ "كنتم خيرَ أئمةٍ أُخرجت للناس" معناهُ نزل تأويلُها بهذا المعنى، وأما اللفظ النازل فهو ما في المصحف الشريف: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

وكذلك هو الشأن فيما ورد في تفسير العياشي عن أبي بصير عنه قال: قال: إنَّما أُنزلت هذه الآية على محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلم) فيه وفي الأوصياء خاصَّة، فقال: كنتم خير أئمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، هكذا واللهِ نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلا محمداً وأوصياءَه صلوات الله عليهم"(3).

فإنَّ المقصود من قوله: "هكذا واللهِ نزل بها جبرئيل" هو أنَّ التفسير أو قل التأويل الذي نزلَ به جبرئيل للآية هو "كنتم خير أئمة" ولعلَّ ما يُؤيد أنَّ الرواية بصدد بيان تأويل الآية هو ما ورد في ذيل الرواية: "وما عنى بها إلا محمَّداً وأوصياءه صلوات الله عليهم".

فإن تمَّ هذا التأويل وإلا فيتعيَّن طرحُ الروايتين والبناء على سقوطهما عن الاعتبار، وردُّ علمهما إلى أهلِهما لكونهما من آخبار الآحاد، فلا تصلحان لمعارضة القراءة المتواترة، ولكون هذه القراءة منافيةً لما نصَّ عليه القرآن المجيد بقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ / لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(5).

وما ذكرناه هو حاصل ما أفاده الشيخ المفيد(رحمه الله) في المسائل السرويَّة(6) وجاء كذلك في كتاب أجوبة المسائل المهنائية للعلامة الحلِّي (رحمه الله): ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز، هل يصح عند أصحابنا أنَّه نقص منه شيءٌ أو زِيد فيه أو غُيِّر ترتيبه أم لم يصح عندهم شيءٌ من ذلك. أفدنا أفادك اللَّه من فضلِه وعاملك بما هو من أهله.

الجواب: الحق أنَّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه، وأنَّه لم يزد ولم ينقص، ومن نعوذ باللَّه تعالى من أنْ يُعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنَّه يوجب التطرُّق إلى معجزة الرسول(ص) المنقولة بالتواتر"(7).

ولولا خشيةُ الإطالة لنقلتُ الكثير من كلماتِ علمائنا الأبرار المتقدِّمين منهم والمتأخِّرين، ويُمكن الوقوف عليها بيُسر في مظانِّها(8).

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

28 / محرم الحرام / 1445ه

16 / أغسطس / 2023م


1- سورة آل عمران / 110.

2- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص10.

3- تفسير العياشي -العياشي-ج1 / ص195.

4- سورة فصلت / 41-42.

5- سورة الحجر / 9

6- المسائل السرويَّة -الشيخ المفيد- ص84.

7- أجوبة المسائل المهنائية -العلامة الحلي- ص121.

8- راجع مثلاً كتاب التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف للسيد علي الحسيني الميلاني.