منشأ تعدُّد التسمية لسِوَر القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل حقَّاً أنَّ سورة براءة حُرِّف اسمها فسُمِّيت بالتوبة؟ وهل حفظُ القرآن من التحريف، يشملُ أسماء السور أو لا؟
الجواب:
أسماء السور ليست توقيفيَّة:
أسماء السور ليست توقيفيَّة أي أنَّها لم تكن مجعولة من قبل الله تعالى أو من قبل رسوله (ص) وإنَّما هي أسماء تعارف بين المسلمين إطلاقها على سور القرآن لغرض التعريف والتمييز، ولذلك يتَّفق أن يكون للسورة الواحدة أكثر من اسم، فقد يكون لها اسمان وقد يكون لها ثلاثة بل يتفق أن يكون للسورة الواحدة ثمانية أسماء أو أكثر كسورة براءة فإنَّها تُسمَّى سورة براءة لأنَّ مطلعها قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾(1)
وتُسمَّى سورة التوبة لاشتمالها على قوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾(2) وتُسمَّى الفاضحة لأنَّها فضحت المنافقين، وكشفت عن صفاتهم وأحوالهم وما يُضمرونه من مكرٍ وكيدٍ للدين.
وتُسمَّى سورة العذاب لكثرة ما ورد فيها من الوعيد بالعذاب كقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾(3) وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ .. وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(5) وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾(6) ولها أسماءٌ أخرى يُمكن الوقوف عليها في كتب التفسير وعلوم القرآن.
فتعدُّد أسماء السور شائع في سور القرآن، وهو ما يكشف عن أنَّ أسماء السور ليست توقيفيَّة، وإنَّما هي أسماء تعارف إطلاقها على السور للتعريف والتمييز، فهي ليست جزءً من القرآن، وليست موضوعة بنحو التعيين من قبل الله تعالى أو من قبل رسوله (ص).
منشأ تعدُّد أسماء السور:
ومنشأ تعدُّد أسماء السور هو اختلاف الحيثية الملحوظة عند إطلاق الاسم على السورة فسورة الحمد مثلاً تُسمَّى بالحمد بلحاظ مطلع السورة، وتسمَّى فاتحة الكتاب بلحاظ أنَّها السورة التي افتُتح بها المصحف الشريف، وتُسمَّى بالسبع المثاني لأنَّها مشتملة على سبع آيات وتثنَّى في كلِّ صلاة، فتُقرأ في كل صلاة مرَّتين.
وقد تُسمَّى السورة بلحاظ أهمِّ المضامين التي اشتملت عليها كسورة التوحيد مثلاً وسورة المنافقون وسورة القدر، وقد تُسمَّى السورة بلحاظ قصةٍ اشتملت عليها كسورة البقرة مثلاً وسورة المائدة وسورة الكهف وسورة الفيل، وقد تُسمَّى باسم شخصية ورد اسمُها في السورة مثل سورة مريم وسورة هود وسورة نوح وسورة إبراهيم، وقد تُسمَّى باسمٍ من أسماء الأجناس التي اشتملت عليها السورة كسورة العنكبوت وسورة النجم وسورة الإنسان وسورة الجمعة وسورة الشمس وسورة القمر وسورة التين، وقد تُسمى باسم حدثٍ تصدَّت السورة لبيانه كسورة الأحزاب وسورة التحريم، وسورة الروم، وقد تُسمَّى السورة بكلمة مميزة اشتملت عليها السورة مثل سورة الكوثر وسورة العاديات وسورة العلق وسورة الذاريات وسورة المسد وسورة الزمر، وقد تسمَّى بالحروف المقطَّعة التي تصدَّرت السورة مثل سورة طه وسورة يس.
فالتسميات للسور ناشئة عن لحاظات مختلفة، وهي ليست نازلة من عند الله تعالى وإنَّما هي تسميات تعارف المسلمون على إطلاقها على السور لغرض التعريف والتمييز بين السور كما هو الشأن في تسميات الأشياء، نعم لا ينبغي تسمية السورة بغير الأسماء التي تعارف عليها المسلمون في الصدر الأول من نزول القرآن.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
12 / صفر / 1445ه
28 / أغسطس / 2023م
1- سورة التوبة / 1.
2- سورة التوبة / 117.
3- سورة التوبة / 68.
4- سورة التوبة / 79.
5- سورة التوبة / 90.
6- سورة التوبة / 101.