حكم البهيمة موطوءة الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ماذا لو وطأ إنسان حيواناً مأكول اللحم هل يحرم أكل لحمه بذلك؟

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلافٌ بين الفقهاء في أنَّ وطأ الانسان للحيوان المحلَّل موجبٌ لتحريم لحمِه ولحمِ نسلِه، فقد أفاد صاحب الجواهر (رحمه الله)(1) أنَّه لم يجد خلافاً في ذلك، وأنَّ غير واحدٍ من الأصحاب صرَّح كذلك بعدم وجدان الخلاف بل إنَّ بعضهم نسبَ الحكم بحرمة موطوء الإنسان إلى الأصحاب وهو ما يظهر منه دعوى الإجماع بل صرَّح بعضُهم بدعوى الإجماع على ذلك.

مستند الحكم بحرمة لحمِ موطوءة الإنسان:

ومستند الحكم بالحرمة ما ورد في الروايات عن أهل البيت (ع):

فمن ذلك معتبرة سَدِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ؟ قَالَ: يُحَدُّ دُونَ الْحَدِّ ويُغْرَمُ قِيمَةَ الْبَهِيمَةِ لِصَاحِبِهَا، لأَنَّه أَفْسَدَهَا عَلَيْه، وتُذْبَحُ وتُحْرَقُ وتُدْفَنُ إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُه، وإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُرْكَبُ ظَهْرُه أُغْرِمَ قِيمَتَهَا وجُلِدَ دُونَ الْحَدِّ وأَخْرَجَهَا مِنَ الْمَدِينَةِ الَّتِي فَعَلَ بِهَا فِيهَا إِلَى بِلَادٍ أُخْرَى حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَيَبِيعُهَا فِيهَا كَيْلَا يُعَيَّرَ بِهَا"(2).

فإنَّ الظاهر من الأمر بالذبح والحرق والدفن هو أنَّه لا يُنتفع بلحمِها، ويتأكَّد هذا الاستظهار من قوله (ع): "لأَنَّه أَفْسَدَهَا عَلَيْه" فإنَّه لولم يترتَّب على وطأ مأكولة اللحم حرمة أكل لحمِها لم يكن وجهٌ في التعبير بأنَّه أفسدها عليه، إذ لو جاز أكلُ لحمِها بعد الوطء لم يصح التعبير بأنَّه قد أفسدها عليه، فالتعبير بالإفساد لها ظاهرٌ في صيرورتها محرمةً بالوطء كما أنَّ مقتضى إطلاق أنَّه أفسدها عليه هو حرمة نسلِها أيضاً.

ومنه: رواية مِسْمَعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سُئِلَ عَنِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تُنْكَحُ؟ فَقَالَ: حَرَامٌ لَحْمُهَا وكَذَلِكَ لَبَنُهَا"(3)

وهذه الرواية صريحةٌ في حرمة لحم موطوءة الإنسان وحرمة لبنِها لكنَّها غيرُ نقية السند، وقد أدُّعي أنّ ضعف سندها منجبرٌ بعمل الأصحاب بمضمونها إلا أنَّ من غير المُحرَز استنادَ الأصحاب إليها، وذلك لاشتمال رواياتٍ أخرى على ذات المضمون، فلعل تلك الروايات هي مستندُ المشهور.

ومنه: موثَّقة مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي بَهِيمَةً شَاةً أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً؟ قَالَ: فَقَالَ: عَلَيْه أَنْ يُجْلَدَ حَدّاً غَيْرَ الْحَدِّ ثُمَّ يُنْفَى مِنْ بِلَادٍ إِلَى غَيْرِهَا، وذَكَرُوا أَنَّ لَحْمَ تِلْكَ الْبَهِيمَةِ مُحَرَّمٌ ولَبَنَهَا"(4)

ودلالةُ الرواية على المطلوب يتوقَّف على أنَّ الضمير في قوله: "وذَكَرُوا" يرجع إلى الأئمة (ع) وذلك وإنْ كان محتملاً إلا أنَّه غير مُحرَز، فلعل سماعة أراد من الضمير الإشارة إلى الفقهاء من أصحاب الأئمة (ع) ولعلَّ فقرة وذكروا.. ليست من كلام سماعة وإنَّما هو من إدراج من روى عنه وهو يونس بن عبد الرحمن.

ومنه: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): فِي الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ؟ "... إِنْ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ ذُبِحَتْ، فَإِذَا مَاتَتْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ ولَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا، وضُرِبَ هُوَ خَمْسَةً وعِشْرِينَ سَوْطاً رُبُعَ حَدِّ الزَّانِي، وإِنْ لَمْ تَكُنِ الْبَهِيمَةُ لَه قُوِّمَتْ فَأُخِذَ ثَمَنُهَا مِنْه ودُفِعَ إِلَى صَاحِبِهَا وذُبِحَتْ وأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ، ولَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا، وضُرِبَ خَمْسَةً وعِشْرِينَ سَوْطاً، فَقُلْتُ: ومَا ذَنْبُ الْبَهِيمَةِ فَقَالَ: لَا ذَنْبَ لَهَا ولَكِنْ رَسُولُ اللَّه (ص) فَعَلَ هَذَا وأَمَرَ بِه لِكَيْلَا يَجْتَرِئَ النَّاسُ بِالْبَهَائِمِ ويَنْقَطِعَ النَّسْلُ"(5).

فالأمرُ بذبحها وإحراقها ظاهرٌ في حرمة الأكل من لحمها خصوصاً بعد التأكيد بقوله ولم ينتفع منها، فإنَّ الظاهر من قوله ولم ينتفع منها بيانٌ لمنشأ الأمر بذبحِها وإحراقها، وهو يدلُّ كذلك على حرمة استنسالها وحرمة الانتفاع من لبنِها.

ومنه: صحيحة محمد بن عيسى عن الرجل (ع) -الهادي أو العسكري (ع)- أنَّه سُئل عن رجلٍ نظرَ إلى راعٍ نزا على شاة؟ قال: إنْ عرفها ذبحَها وأحرقها وإنْ لم يعرفها قسمها نصفين أبداً حتى يقعَ السهمُ بها فتُذبح وتُحرق، وقد نجت سائرُها"(6) وقريبٌ منها رواية تحف العقول عن أبي الحسن الثالث الإمام الهادي(7).

ودلالتها على المطلوب تنشأ من ظهور الأمر بالذبح والإحراق في المنع من الانتفاع بها كما تقدَّم.

دلالة الروايات على حرمة نسل موطوءة الإنسان:

وأمَّا دلالتها على حرمة الانتفاع من نسلها فهو كذلك مستفادٌ من الأمر بذبحها وإحراقها، إذ لو كان يصحُّ الانتفاع من نسلها لكان المناسب هو التنبيه على جواز استبقائها للانتفاع باستنسالها، فالأمر بذبحها وإحراقها ظاهرٌ في المنع من مُطلق الانتفاع بها، ويؤكده ما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان من نفي مُطلق الانتفاع بها الشامل لمثل الانتفاع بنسلها، وهي منفعة ظاهرة، وكذلك يُؤكده ما ورد في معتبرة سدير من تعليل الأمر بتغريم الواطئ قيمتَها لصاحبها بقوله: "لأَنَّه أَفْسَدَهَا عَلَيْه" فإنَّه لو كان يجوز الانتفاع بنسلِها لما صحَّ أنَّه أفسدها عليه مطلقاً وإنَّما يكون قد أفسد بعض منافعِها.

شمول الحكم بالحرمة للأعم من الأنثى والذكر:

وهنا عددٌ من الفروع المتَّصلة بالمسألة:

الفرع الأول: هل يختصُّ الحكم بالأنثى أو يشمل الذكر؟

فقد يُقال باختصاص الحكم بالأنثى، لأنَّ ذلك هو المنساق من عنوان البهيمة المأخوذ في موضوع الحرمة، ويتأكَّد إرادة الأنثى من البهيمة من عود ضمير لبنِها -في رواية مسمع- على البهيمة، فإنَّه يصلح قرينةًً على أنَّ المراد من البهيمة هو الأنثى، وكذلك فإنَّ التعبير -في رواية مسمع- بقوله: "البهيمة تُنكح" مشعرٌ بالوطء في القبل وهذا إنَّما يُناسب الأنثى.

إلا أنَّ شيئاً من ذلك لا يصلحُ لاستظهار اختصاص الحكم -بحرمة لحم الحيوان الموطؤ- بالأنثى فإنَّ عنوان البهيمة المأخوذ في موضوع الحرمة كما يصدقُ على الأنثى فإنَّه يصدقُ على الذكر تماماً كما هو عنوان الدابَّة فإنَّه يصدق على الذكر والأنثى على حدٍّ سواء، وأما الضمير في -لبنها- فهو خاص برواية مسمع والروايات الأخرى خاليةٌ من ذلك، فلا يكون ثمة ما يمنع من التمسُّك بإطلاقها، فإنَّ عنوان البهيمة كما ذكرنا صادقٌ عرفاً ولغةً على كلٍّ من الذكر والأنثى على حدٍّ سواء.

وأمَّا التعبير "بتُنكح" فهو لا يختصُ بوطء الأنثى بل هو مستعملٌ في وطء الأنثى والذكر والوطء قبلاً ودبراً، على أنَّ الروايات الأخرى عبَّرت بمثل: "يَأْتِي الْبَهِيمَةَ" كما في معتبرة سدير وموثقة سماعة وصحيحة عبد الله بن سنان، والاتيان يصدق على وطء الذكر والانثى. فالصحيح هو عدم اختصاص الحكم بحرمة لحم موطؤ الإنسان بأنثى الحيوان بل هو شاملٌ للذكر، والظاهر أنَّ ذلك موردٌ لاتفاق الفقهاء كما أفاد صاحب الجواهر(8).

اختصاص الحرمة بمأكول اللحم عادة؟ 

الفرع الثاني: هل الحكم بحرمة لحم البهيمة الموطوءة مختصٌ بالحيوان الذي يراد لحمُه في العادة كالغنم والبقر أو يشمل الحيوان الذي يُراد ظهره وركوبه وإنْ كان مباح اللَّحم كالخيل والبغال والحمير؟

قد يُقال باختصاص الحكم بالحيوان الذي يُراد لحمُه كالغنم والبقر، فلا يشملُ ما يُراد ظهرُه، وذلك للتفصيل الوارد في معتبرة سدير بين الحيوان الذي يُؤكل لحمُه كالغنم والبقر والحيوان الذي يُركب ظهره حيث أفادت المعتبرة أنَّ الصنف الأول يُذبح ويُحرق ويُدفن، وأمَّا الصنف الثاني فيتمُّ إخراجُه إلى بلادٍ أخرى ويُباع فيها كي لا يُعرف.

إلا أنَّه قد يُجاب عن ذلك بأنَّ التفصيل في معتبرة سدير إنَّما هو من جهة الأمر بالذبح والحرق والدفن وليس من جهة الحكم بحرمة لحم الموطؤ، فإنَّ المعتبرة لا تنفي الحكم بحرمة لحم الحيوان الذي يُراد ظهره وإنَّما تنفي الحكم بوجوب ذبحه وإحراقه، ولهذا فإنَّه يمكن التمسُّك برواية مسمع لإثبات حرمة لحم مطلق البهيمة الموطوءة سواءً كانت مما يراد لحمه كالغنم والبقر أو كانت ممَّا يراد ظهرُه كالخيل والبغال والحمير.

وهذا الكلام يتمُّ بناءً على حجيَّة رواية مسمع وأنَّها منجبرة بعمل الأصحاب، وليس في الروايات ما يُمكن التمسُّك بإطلاقه غيرها، فإنْ تمَّ البناء على حجية رواية مسمع وإلا فالمتعين هو الحكم بالتفصيل بين الحيوان الذي يُراد لحمُه والحيوان الذي يُراد ظهره، فالمحكوم بحرمة لحمِه هو الأول دون الثاني، فإنَّ معتبرة سدير وإنْ لم تكن ظاهرة في حليَّة لحم الحيوان الذي يُراد ظهره ولكنَّها ليست ظاهرة أيضاً في حرمة لحمِه فالمرجع هو استصحاب الحليَّة الثابتة قبل الوطء بناءً على جريان الاستصحاب قي الشبهات الحكميَّة وإلا فالمرجعُ هو أصالة الحِلِّ. بل قد يقال إنَّ قوله (ع): "وأَخْرَجَهَا مِنَ الْمَدِينَةِ الَّتِي فَعَلَ بِهَا فِيهَا إِلَى بِلَادٍ أُخْرَى حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَيَبِيعُهَا فِيهَا" لا يخلو من ظهور في عدم حرمة لحمِها، إذ أنَّ أهل تلك البلاد الذي أُخرج الحيوان الموطؤ إليها سوف يتعاطون معها على أنها من سائر الحيوانات المباحة اللحم.

حكم الناقة هل هو الحرق أو النفي؟ 

الفرع الثالث: بناءً على التفصيل الوارد في معتبرة سدير بين ما يُراد لحمُه في العادة وما يراد ظهرُه للركوب يقعُ الإشكال في الناقة، فإنَّ كلا الأمرين مُرادٌ منها في العادة، فهل يكون حكمُ الناقة الموطوءة هو الذبح والحرق كما هو حكم الغنم والبقر أو أنَّ حكمها النفي إلى بلدٍ آخر كما هو حكم الخيل والبغال والحمير؟

ذكر بعضُ الأعلام أنَّ المُحتمل في ذلك التخيير لكونِها مصداقاً للعنوانين مع عدم المرجِّح، واحتُمل كذلك ملاحظة الغالب على الناقة الموطوءة.

إلا أنَّ الظاهر هو تعيُّن الذبح والحرق وذلك لأنَّ التفصيل ورد في خصوص معتبرة سدير فنظراً لكون الناقة مورداً للعنوانين فهي غير ظاهرة فيما هو حكم الناقة بل هي غيرُ ظاهرةٍ في التصدي لبيان حكم الناقة لوضوح أنَّها مصداق للعنوانين ولم يتم التنبيه في المعتبرة على حكمِها، وعليه فالمتعيَّن هو الرجوع لمثل صحيحة عبد الله بن سنان والتي أفادت أنَّ حكم البهيمة الموطوءة هو الذبح والحرق وعدم الانتفاع منها بشيء وعنوان البهيمة صادقٌ على الناقة، ولا تصلح معتبرة سدير لمعارضة الصحيحة نظراً لعدم تصدِّيها أو عدم ظهورها فيما هو حكم الناقة.

شمول الحكم بالحرمة لفرض كون الواطئ صبياً:

الفرع الرابع: هل الحكم بحرمة الحيوان الموطؤ مختصٌّ بما لو كان الواطئ بالغاً أو أنَّ الحكم بالحرمة ثابتٌ لمُطلق الحيوان الموطؤ وإنْ كان الواطئ صبياً؟

يظهر من صاحب الجواهر الإجماع على عدم الفرق بين كون الواطئ بالغاً أو صبياً(9) وأفاد المحقِّق النراقي في المستند أنَّ الشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي صرَّح كلٌّ منهما بعدم الفرق بين البالغ والصبي(10).

ويُستدلُّ لذلك بما يقتضيه الإطلاق في رواية مسمع حيث إنَّ مورد السؤال فيها عن البهيمة التي تُنكح بقطع النظر عن صفة مَن وقع منه النكاح فيشمل البالغ والصبي والعاقل والمجنون ولم يستفصل الإمام (ع) وإنَّما أفاد أنَّ البهيمة التي تُنكح حرامٌ لحمها ولبنُها، وكذلك فإنَّ موضوع الحكم في صحيحة محمد بن عيسى هو الراعي الذي نزا على شاة، والراعي يكون بالغاً ويكون صبياً. وأما الروايات التي كان السؤال فيها عن الرجل يأتي البهيمة فلا تصلح لتقييد الإطلاق في صحيحة محمد بن عيسى ورواية مسمع، إذ لا مفهوم للقب، فثبوت الحكم من إتيان الرجل لا ينفي ثبوته من إتيان الصبي.

نعم قد يُقال إنَّ حديث رفع القلم عن الصبيِّ حتى يحتلم يقتضي نفي الأثر المترتِّب على فعله وهو حرمة لحم الموطؤ.

إلا أنَّ الصحيح أنَّ حديث رفع القلم عن الصبيِّ لا يقتضي أكثر من رفع الحكم المتوجِّه للصبي، وأما الأحكام الثابتة للموضوعات الخارجية التي نشأت عن فعل الصبي فلا ظهور لحديث الرفع في عدم ترتُّبها، ولذلك لا إشكال في ترتب أحكام النجاسة الناشئة عن فعل الصبي وكذلك الضمان المترتب عن إتلاف الصبي.

لمَن يكون ثمن الحيوان الموطؤ بعد بيعه:

الفرع الخامس: أفادت معتبرة سدير أنَّ الحيوان الموطؤ إذا كان ممَّا يراد ظهره فإنَّه يُنفى إلى بلدٍ آخر فإنْ كان الواطئ غير المالك فإنَّه يغرَّم ثمن الحيوان للمالك لأنَّه أفسدَه عليه، وهذا المقدار لا إشكال فيه وإنَّما الإشكال فيما أفادته المعتبرة من أنَّ الحيوان الموطؤ يُباع في البلد الذي ينفى إليه، فلمَن يكون الثمن؟ فهل هو للمالك أو هو للواطئ أو يُتصدَّق بالثمن؟

نُسب إلى الشيخ الطوسي والحلِّي(11) البناء على أنَّ الثمن يُدفع للواطئ لأنَّه قد غرِّم قيمته فلا يصحُّ أن يكون الثمن للمالك، لأنَّ ذلك يستلزم الجمع له بين العوض والمعوَّض، ولا يصحُّ بقاء المال بلا مالك فيتعيَّن أنَّه ملكٌ للواطئ بعد أن غرم ثمنه للمالك.

وأُجيب بأنَّه لا محذور في الجمع للمالك بين العوض والمعوض بعد أنْ لم يكن العوض من قبيل العقود والمعاوضات، وكذلك لا محذور من صيرورة المال بلا مالك إذا دلَّ دليل على خروجه عن ملك المالك ولم يكن من دليل على دخوله في ملك غيره.

وهذا ما يُمكن الاستدلال به على وجوب التصدُّق بثمنه لأنَّ الحيوان خرج من ملك مالكِه باستيفائه للغرامة من الواطئ ولم يكن موجبٌ لدخوله في ملك الواطئ فالمتعيَّن أنَّ مصرف ثمن الحيوان بعد بيعِه هو الصدقة.

وهذا إنَّما يصحُّ لو تمَّت دعوى أنَّ استيفاء المالك لقيمة الحيوان موجبةٌ لخروج الحيوان عن ملكه، فقد يُقال إنَّ الحكم بوجوب تغريم الواطئ قيمة الحيوان للمالك لا يدلُّ على خروجِه عن ملكه.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

6 / ربيع الأول / 1445ه

22 / سبتمبر / 2023م

-------------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص285.

2- الكافي -الكليني- ج7 / ص204.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص170.

4- الكافي -الكليني- ج7 / ص204، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص169.

5- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج10 / ص60، الكافي -الكليني- ج7 / ص204.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص43، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص169.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص170.

8- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص287.

9- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص285.

10- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص122.

11- رياض المسائل -السيد علي الطبأطبائي- ج16 / ص171.